منوعات

بين دولة قاصرة ومارقة وفاشلة… هل تنطبق شروط الوصاية الدولية على لبنان؟

لبنان الكيان المعتّق في خوابي التاريخ لألاف السنين والمذكور إسمه 73 مرة في العهد القديم من الكتاب المقدس، يترنّح كدولة في مئويتها الأولى. إذ إن الإنهيار الذي يعيشه اليوم بنيوي وأبعد من إنهيار مالي وإقتصادي، فهو مفصلي في ما يتعلق بمستقبله كلبنان الدولة. فقد فشل اللبنانيون خلال مئة عام في إبتكار نظام يتمتّع بالديومة والإستقرار ويحفظ تعدّدية بنيته المجتمعية التي كانت علّة وجوده بعيداً عن طغيان مكوّن على آخر من جهة ويصون حق الفرد بالتمتع بالمواطنية أياً تكن إنتماءاته أو ولاءاته من جهة أخرى.

فاللجوء الى مصطلحات “إنشائية” كـ”لبنان ذو وجه عربي” في ميثاق دولة 1943 ثم الهروب الى “لبنان عربي الهویة والانتماء” الذي أضيف الى مقدمة الدستور في الطائف عام 1989، لم يكن كافياً لتأمين عوامل نجاح تجربة لبنان الدولة أو ضمان ديمومتها. فإن كانت مقاومات الدولة الأساسية أي ثلاثية أرض – شعب – سلطة متوفرة نظرياً، فهي متعثرة عملياً حيث خلال مئة عام لم تتقلص المشاريع العابرة لحدود الارض والشعب ما زال مجموعة شعوب والسلطة مستباحة مرة بإسم قضية عروبية ومرات بإسم قضايا مذهبية.

في المصطلحات السياسية، تشخيص بعضهم الدولة اللبنانية بأنها دولة فاشلة والبعض الآخر بأنه دولة مارقة وآخرون بأنها دولة قاصرة، توصيفات تتقاطع كلها أو حتى تتكامل. لا، بل ربما نحن أمام إستحضار مصطلح “دولة ملبننة” ولكن في نسخة أشمل وأعمّ من هذا المصطلح الذي راج عالمياً إبّان زمن الحرب.

فمعايير تشخيص فشل الدولة من عدم فرض سلطتها على كامل أراضيها وشعبها، عدم ضبط حدودها، عدم إحتكار السلاح وقرار الحرب والسلم والسياسة الخارجية، عدم توفير الخدمات العامة والحاجات الأساسية للمواطنين من كهرباء وماء وغذاء ودواء وبنى تحتية جميعها متوفرة في لبنان.

كما أن توفّر أحد العوامل المرتبطة بتصنف الدولة بأنها دولة مارقة من سعي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، أو دعم الإرهاب أو الاساءة الى مواطنيها ومعاملتهم بشدة قائم في لبنان حيث أقله هناك إجماع على اساءة السلطة كأحد ركائز الدولة الى مواطنينها.

فيما لا جدل في السياسة حول أن لبنان دولة قاصرة، فعلى سبيل المثال قليلة هي المحطات التي نجح بإنتخاب رئيس جمهورية أو تشكيل حكومة دون رعاية من لاعبين إقليميين أو دوليين وكثيرة هي الاتفاقات والاجتماعات الخارجية من القاهرة الى لوزان وجينيف والطائف والدوحة. وأخيراً المبادرة الفرنسية – بغض النظر عن حسن نية فرنسا- هي إقرار لبناني أولاً بأن لبنان دولة قاصرة.
وفي هذا الاطار، تكثر السيناريوهات السياسية المتداولة عن كيفية التعامل مع هذا الواقع خصوصاً إذا ما تفاقم الإنهيار اللبناني وبلغ حدّ الإنفجار. من هذه السيناريوهات ما غرّد عنه أخيراً وزير العدل السابق شارل رزق عبر حسابه على “تويتر” قائلا: “يتم التداول في الأمم ‏المتحدة عن حل للقضية اللبنانية قائم على إعتبار لبنان ليس دولة فاشلة فحسب بل دولة ‏قاصرة يجب إنقاذ شعبها من شرّ حكامه، وإخضاعها لنوع من الوصاية الدولية. ‏فيكون تتويج العهد القوي بإعادتنا إلى الانتداب الذي أعلن قبل ١٠٠ سنة”.‏ فهل “حسابات الحقل” السياسية تنطبق على “حسابات البيدر” في القانون الدولي؟

رئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقص أكد في مقابلة مع “أحوال” أن الوصاية الدولية لا تنطبق عناصرها على الحالة اللبنانية وفق القانون الدولي، إذ إن تدخل الأمم المتحدة يكون إما عبر طلب من إحدى الدول للمساعدة أو يكون تدخلاً إكراهياً بمقتضى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ولا سيما استناداً الى المادة 39 في حالة تهديد السلم والأمن العالميين وهو الأمر غير المتحقق في حالة لبنان.

أردف: “الأمر يحتاج في مطلق الأحوال الى تصويت من مجلس الأمن بأكثرية 9 أعضاء من أصل 15 ومن دون استعمال إحدى الدول دائمة العضوية في المجلس حق النقض الفيتو، وهو ما يمكن أن يكون متعذراً من الناحية السياسية أيضاً. يتم اللجوء إلى هكذا قرار إذا حصل لأسباب في غاية الخطورة، تجعل الدولة عاجزة تماماً، كإنهيار مؤسسات الدولة والشلل التام في الحكم والفوضى العارمة والحروب وفقدان السلطة والعجز عن تقديم الخدمات العامة وعدم التفاعل مع المجتمع الدولي”.

ختم مرقص: “تجربة لبنان في مناخه السياسي المضطرب وضائقته الاقتصادية والمالية مختلفة حتى عن تجارب الكونغو والصومال وليبيا وهاييتي واليمن والعراق. ربما نشهد تدخلاً غير مباشر في لبنان عن طريق الدعم والتمويل وبواسطة المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة. أما إعلان الدولة الفاشلة وفرض الوصاية وإعمال الفصل السابع فأمور مستبعدة”.

في ظل تعثّر قيام وصاية ميدانية مباشرة، هل نحن أمام وصاية دولية سياسية وادارية ومالية واصلاحية جراء إصرار المنظومة الحاكمة على هدر الفرص والوقت، وعلى المكابرة والانكار وعلى الالتفاف على الاصلاحات والتمسك بمفاصل القرار؟

جورج العاقوري

جورج العاقوري

صحافي ومعّد برامج سياسية ونشرات اخبار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى