لا يملك حكام لبنان ترف التجاذب حول المقاعد الحكومية، ولا فرصة فرض الشروط حول التشكيل الوزاري الجديد. بخلاف الظروف التي رافقت تشكيل حكومة حسان دياب، الحَاكم والحَكَم اليوم في قصر الإليزيه، لا بعبدا ولا عين التينة ولا بيت الوسط ولا حارة حريك بل في أروقة قصر دوقة بوربون حيث يجري ترسيم شكل ومضمون السلطة التنفيذية الجديدة في لبنان.
الإدارة الفرنسية للملف اللّبناني تصر على تشدّدها في الإسراع في تشكيل الحكومة بأسرع وقت ممكن، وقد أرسلت أمس المسؤول الأمني الفرنسي برنار إيمييه وهو مسؤول المخابرات الخارجية، الذي زار لبنان لساعات والتقى كبار المسؤولين بعيداً عن الإعلام، وكان محور اللقّاءات كسر الجمود في مشاورات تشكيل الحكومة.
تزامنًا، توجه المدير العام للأمن العام اللّواء عباس ابراهيم، صباح أمس إلى باريس موفداً شخصياً من رئيس الجمهورية ميشال عون، (وقد شوهد إبراهيم على متن طائرة طيران الشرق الأوسط المتجهة إلى باريس مع شخصيات من بينهم النائب تيمور جنبلاط)، في مهمة تتصل مباشرةً بالمشاورات الجارية حول تشكيل الحكومة في ظل التباين حول عدد الوزراء وتوزيع الحقائب، إضافةً إلى استقراء الموقف الفرنسي من العقوبات الأميركية المفروضة على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس وتبيان حقيقة التهديدات بفرض عقوبات جديدة في الأسابيع المقبلة على عدد آخر من الشخصيات السياسية.
هذه العقوبات بدلت مزاج الفريق الشيعي الذي عمل خلال اليومين الأخيرين لتسريع ولادة الحكومة، عبر اتصالات شملت قصر بعبدا وبيت الوسط ورئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب، مضمونها تشكيل حكومة تواجه التهديدات الأميركية ومن وراءها الإسرائيلية. لكن حصيلة الاتصالات كانت عدم الاتفاق على تشكيل متسرع والتروي لإجراء مزيد من الاتصالات، الأمر الذي دفع الرئيس عون لإيفاد اللّواء عباس ابراهيم إلى فرنسا للوقوف على الرأي الفرنسي. وقد شكلت هذه الاتصالات حال من الإرباك تجلّى في الرسائل الإعلامية والصحافية المتباينة حول تبلور صورة للتركيبة الحكومية.
فرملة اندفاعة الثنائي الشيعي أتت أيضاً بفعل التريث الفرنسي الذي أبلغه في اتصالات سريعة ثنائي الإليزيه إيمانويل بونّ وبرنارد آيميه المكلّفين بمتابعة تشكيل الحكومة اللّبنانية، للموفد الرئاسي إلى باريس اللّواء عباس ابراهيم، وكذلك مباشرة لكلٍّ من عون وأديب. تعود مسألة تشكيل الحكومة إلى دوامة البحث في الأسماء والأعداد والمداورة كل هذا النقاش سينتهي بحصيلة ما سيحمله اللّواء عباس إبراهيم من زيارته الفرنسية.
هل تزال العقبات بعد الرسالة الفرنسية أم تستولد عقبات أخرى؟ تشير مصادر مواكبة للحراك الحكومي إلى أنّ “التوجه الفرنسي هو نحو تشكيل حكومة مصغرة فعالة تتولى المهمات الإصلاحية المالية والاقتصادية وتحارب الفساد. وأنّ فرنسا لن تسمح بأي تعطيل يؤخر ذلك ويتجاوز المهلة التي حدّدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون”.
الموقف الفرنسي المتشدّد لتسيير العمل الحكومي السريع مزنراً أيضاً بالعقوبات بحق المعرقلين، ويقول مصدر خاص لـ”أحوال” “إنّ الرئيس الفرنسي عبّر سرّاً وعلانيةً عن إنزال عقوبات بحق معرقلي الإصلاح والتغيير في النظام السياسي السابق القائم على المحاصصة. وأن ثمة لائحة جاهزة مشابهة للّوائح الأميركية”.
هذا الكلام عن عقوبات فرنسية كان قد لمّح إليه مساعد وزير الخارجية الأميركي شؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، الذي تعمّد في تصريحاته عقب صدور قرار العقوبات التعليق مجدّداً على المبادرة الفرنسية بالقول “نحن على الصفحة نفسها مع الفرنسيين وسمعنا من مكتب الرئيس الفرنسي، أنّ من يحاول عرقلة الإصلاح، فإّن الحكومة الفرنسية ستعمل على تصنيفهم وفرض عقوبات عليهم”.
إذن، أصبح مفتاح حلّ التعقيدات الحكومية بيد اللّواء عباس ابراهيم الذي دأب على تولّي مهمّات سياسية في الداخل والخارج لما يتمتع به من مؤهلات شخصية كلّلت غالباً مساعيه بالنجاح، وليس بسبب موقعه الوظيفي حسب ما يقول المصدر نفسه. ومخرجات الحل الآتي من باريس سيحملها ابراهيم إلى قصر بعبدا ليصار إلى وضع اللّمسات الأخيرة لحكومة المهمّات الصعبة والملفات المعقدة مبخّرة بالعطور الفرنسية.
رانيا برو