رسالة نارية إلى بايدن: فوضى أم رضوخ؟
حلّ انفجار ناشفيل في ولاية تينيسي الأميركية يحمل معه مخاطر كبرى على الولايات المتحدة. لا يُمكن الاستخفاف بالتفجير الذي يُصنّف بأنّه شديد الخطورة لأسباب عدّة: حجم المتفجرات الضخمة. طبيعة مكان التفجير في ولاية تفصل الجنوب عن الشمال، مما يؤشر إلى أنّ تلك المساحة هي البيئة المناسبة لإشعال حرب أهلية أميركية.
تطغى سيطرة الجمهوريين على إدارة الولاية -الحاكم ومعظم الأعضاء الذين يمثّلونها في مجلس النواب الأميركي هم جمهوريون- وعلى هوى المواطنين السياسي والمجتمعي، خصوصًا أنها تضم متطرفين يمينيين متشدّدين، ينتمي إليهم عمليًا سام هايد الذي تولى تنفيذ المهمة الانتحارية في ناشفيل. لذا يمكن القول إنّ التفجير لن يكون عابرًا، وهو يشكّل إمّا بداية لتحولٍ يُفرض على إدارة الرئيس المُنتخب جو بايدن بتغيير النمط السياسي المنفتح على كل الشرائح والتعدّد المجتمعي الأميركي، أو هو مقدمة لتوترات إضافية تُترجم المخاوف من اصطدامات بين مؤيدي الرئيس الحالي دونالد ترامب والآتي إلى البيت الأبيض جو بايدن.
كان الرئيس المُنتخب باشر في التعيينات التي أغضبت اليمين الأميركي المتطرف. فهؤلاء لم يستسيغوا طبيعة خيارات بايدن: نائبة الرئيس من لون غير أبيض، وزير الأمن الداخلي من الهنود الحمر، وغيرهما عيّنهم في مواقع إدارية حسّاسة، بعد أن رسّخ بايدن انفتاحه على كلّ شرائح المجتمع الأميركي، من دون الأخذ بملاحظات المحافظين.
فهل أقدم هؤلاء المتشدّدون على تفجير سيارة في مكان وزمان حسّاسين في رسالتهم النارية الخطيرة إلى بايدن؟
لا يمكن الجزم بهوى وأهداف الفاعلين، لكن كلّ المؤشرات، وأهمها شخصية المتّهم بالتنفيذ وعقيدته السياسية وتاريخه، خصوصًا أنّ نوعية الانفجار وطبيعته وحجمه، والتخطيط باختيار المكان والزمان والأهداف، توحي جميعها بأنّ الانفجار هو رسالة سياسية مخصّصة لبايدن. فكيف سيتعامل الأخير مع تلك الرسالة؟ وهل تتكرّر التفجيرات لأخذ الولايات إلى أزمة مفتوحة؟
أظهرت إدارة أزمة التفجير أنّ الأميركيين لا يريدون حربًا أهلية، ولا هم يسعون إلى تعميم أي فوضى. لكن من يقمع المتشدّدين في حال فلشوا تصرفاتهم على مساحة الولايات الأميركية؟ في تفجير ناشفيل أظهرت كل المعطيات أنّ اختيار الفاعلين صباح يوم عيد الميلاد هو لعدم إلحاق الأذى بالناس، خصوصًا بعد تحذير المواطنين مسبقًا لعدم الاقتراب من السيارة المفخّخة. كل ذلك يؤكد أنّ المتورطين لا يريدون سقوط قتلى ولا جرحى. ممّا يعني أنّهم يريدون أن تصل الرسالة النارية بشدّة، لوقف الاندفاعة “البايدنية” نحو الآخرين، وبالتالي تطويق الإدارة الآتية إلى تسلّم زمام البيت الأبيض بعد أسابيع قليلة.
ماذا بعد؟
تبدو آخر أيام إدارة ترامب مقلقة للأميركيين، استنادًا إلى تصلّب الرئيس الأميركي الحالي الذي لم يقتنع بالفشل الانتخابي الذي سيسحبه من البيت الأبيض خلال الأيام المقبلة. يعرف ترامب أنّ قوّته تتلخّص بوجود أكثر من سبعين مليون مواطن أميركي مؤيّد له، قد يكون سام هايد يمثّل نموذجًا للمتشدّدين منهم، في حال أراد هؤلاء المؤيّدون لترامب أن يجرّوا البلد إلى الفوضى، فهم قادرون على فرضها خلال ساعات، وباستطاعتهم أيضًا أن يثبّتوا استقرار البلاد في زمن صعب. فهل يرضخ بايدن لتوجهات المتشدّدين الجمهوريين؟ يكفي ألاّ يستفزهم بتعيينات و قرارات ذات بعد داخلي لا خارجي. أمّا إذا أكمل بايدن في سياساته الانفتاحية، فإنّ الضغوطات ستتواصل ضدّه.
لذا، لا يمكن الجزم بطبيعة المرحلة الأميركية الآتية. كلّ السيناريوهات مطروحة حربًا أو ترسيخًا للاستقرار. فالقلق الشعبي يتزايد بسبب التصادم السياسي بين إدارتين راحلة وآتية، وما بينهما متطرّفون قادرون على استيلاد نُسخ من قناعات وتصرّفات سام هايد، لكن ما يطمئن الأميركيين هو وجود دولة عميقة تدير الأزمة. هذا ما ظهر بتطبيق إجراءات إزاء الإعلام لمنعه من التفلّت تحت عنوان: مصلحة الدولة فوق كل اعتبار. بالنسبة للدولة العميقة فإنّ مصلحة “الأمن القومي” للولايات المتحدة أهم من أيّ عنوان آخر. لكنّ النزاع الداخلي الأميركي سواء كان صامتًا أم شبيهًا بمحطة ناشفيل فإنّه سيقود إلى مخاوف إضافية قد تصل بالبلاد إلى حرب أهلية او تفكّك ولايات.
عباس ضاهر