«مؤسسة غزة الإنسانية»… أهداف أمنية وتهجيرية مبيَّتة
طعام مغمّس بالدم وطرود مساعدات معلَّبة بالموت

لم تكتفِ إسرائيل بالتفنّن بإذلال الغزيين اللاهثين خلف فتات طعام لسد رمق جوع أطفالهم في قطاع غزة المحاصر منذ أكثر من 600 يوم، بل تعمّدت قتلهم بدم بارد فسقطوا وهم جياع على بُعد أمتار قليلة من مراكز توزيع الطعام التي استحدثتها «مؤسسة غزة الإنسانية»، المدعومة أميركياً وإسرائيلياً.
وبعدما كانت «الأونروا» تقدّم المساعدات الإنسانية والإغاثية لمحاصري غزة عبر حوالى 400 نقطة توزيع منتشرة في كافة أنحاء القطاع قبل وقف عملها، اعتمدت ما بات يُعرف بـ «مؤسسة غزة الإنسانية» أربعة مراكز فقط لتوزيع المساعدات لأكثر من مليوني غزي جائع.
وبطبيعة الحال، فإن حصر توزيع المساعدات بأربعة مراكز فقط، ثلاثة منها في جنوب القطاع، يحمل في طياته أهدافاً أمنية وعسكرية بحتة أكثر منها إنسانية. فالطريق إلى مراكز توزيع المساعدات طويل وشائك ومحفوف بالمخاطر والموت، حيث يُرغم جياع غزة على سلوكه للحصول على فتات طرود غذائية مخضَّبة بالدماء. فهذه المراكز يصلها الفلسطينيون عبر ممرّات أمنية ضيّقة تحيط بها أسلاك شائكة، تقودهم في نهاية المطاف إلى حواجز متعدّدة، حيث يتم التدقيق بهوياتهم وتصويرهم، ومن ثمّ اعتقال بعضهم، ليحقق بذلك الجيش الإسرائيلي بسلاح التجويع ما عجر عن تحقيقه بالكامل بأسلحته الفتاكة والمتطورة، رغم أن شركة أمنية أميركية خاصة كُلّفت بتوزيع هذه المساعدات، غير أن الأمر انتهى بأفرادها بالفرار من أحد المراكز منذ اليوم الأوّل لبدء عمليات التوزيع، حيث عمّت فوضى عارمة تخلّلها إطلاق نار على الغزيين تسبّب بسقوط قتلى وجرحى في صفوفهم.
بداية نهاية حكم «حماس»؟
ما يؤكد فرضية الخلفية الأمنية لآلية توزيع المساعدات الجديدة، ما كشفه المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف لأهالي الأسرى الإسرائيليين القابعين في شباك حركة «حماس»، من أنه يريد استخدام توزيع المساعدات من أجل الحصول على معلومات تُرشد الجيش الإسرائيلي إلى أماكن وجود الأسرى في القطاع المدمر، في وقت تمضي فيه تل أبيب في استخدام سلاح التجويع لغايات تفاوضية وسياسية، من أجل إخضاع «حماس» وتركيعها، رغم أن التجربة أثبتت أن الحركة لا تأبه لحياة الغزيين ولبطون أطفالهم الخاوية.
فضلاً عن ذلك، فإن الدولة العبرية تطمح لأن يشكل افتتاح مراكز توزيع المساعدات وفق الآلية الجديدة، بداية نهاية حكم «حماس»، بحيث يتم إقصاء عناصرها وموظفيها عن توزيع المساعدات، وبالتالي تفقد الحركة، التي أغرقت الغزيين في أتون الحرب، الشرعية الاجتماعية والتنظيمية، ما يفاقم النقمة المجتمعية عليها. وبالفعل، فقد بدأت «حماس» تفقد تدريجياً زمام السيطرة الأمنية، حيث باتت عصابات النهب المنظمة والمسلحة تصول وتجول على غاربها في القطاع المنكوب، لتسطو على ما تيسّر من مساعدات، كان يفترض أن تصل إلى مستحقيها الجائعين، لا أن تُباع في السوق السوداء.
الشعور الأقذر
إلى الأهداف الأمنية، تخفي الآلية الجديدة لتوزيع المساعدات مخطّطاً تهجيرياً مبيّتاً تناولته الصحافة الإسرائيلية، يقضي بزيادة الضغط السكاني في اتجاه مدينة رفح في جنوب القطاع، حيث تُوزع غالبية المساعدات، وبالتالي تتم إزاحة الكتلة السكانية من شمال القطاع إلى جنوبه وتحديداً إلى مدينة رفح المتاخمة للحدود المصرية، تمهيداً لتهجيرهم تدريجياً الى الداخل المصري، وهو المخطّط الذي تجهد حكومة بنيامين نتنياهو بتركيبتها المتطرفة لتنفيذه، متخذةً من هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأوّل 2023 ذريعةً مثالية لذلك.
وإذا كان الجوع هو الشعور الأقذر على وجه «البسيطة» لأنه يجرّد الفرد من كرامته الإنسانية، فإن ما هو أقبح منه تجلّى في توزيع مواد غذائية مشكوك بفترة صلاحيّتها، في ظلّ حديث عن توزيع معلّبات، ضمن الطرود الغذائية، كانت سُحبت سابقاً من الأسواق الإسرائيلية لعدم استيفائها شروط السلامة الغذائية.
ويبقى أن المجازر التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي عن سابق تصوّر وتصميم، بحق الجوعى في غزة، تثبت أن فتات الطعام الذي يُفترض أن يقيهم الموت جوعاً بات مغمّساً بالدم، وأن طرود المساعدات استحالت فخاخاً معلَّبة بالموت المحتّم.
نايف عازار – الجمهورية