مجتمع

ماذا قدّمت الحركات النسوية للنساء؟

لعدّة قرون وفي جميع المجتمعات تقريبًا، حُرمت النساء من التمتّع بالحقوق نفسها التي يتمتّع بها الرجال، الأمر الذي جعل المرأة تعاني أشكالًا مختلفة من التمييز الجنسي، تمثّلت بوأد البنات واغتصابهن واستعبادهن وقتلهن وتصويرهن كأحد ممتلكات الرجل، الى جانب النظرة “الدونية” المجتمعية التي اعتبرت النساء “ناقصات عقل”، ولا يحقّ لهنّ التكلّم في السياسة أو الاقتصاد أو التجارة أو حتى اعتناق هذه المجال.

واستنادًا إلى الاختلافات البيولوجية التي تُميّز الرجل عن المرأة، تحدّدت الأدوار والسلوكيات والكيان المستقبلي لكلا الجنسين، فأصبحت مهمّة المرأة تقتصر على الإنجاب وتربية الأولاد والعمل المنزلي، بذريعة أنّها بطبيعتها عاطفية وبتكوينها الجسدي أضعف من الرجل، في حين ارتبطت مهمّة الأخير بتطوير المجتمع والعمل الخارجي وتأمين المال لعائلته والمشاركة في صناعة القرار، بحجّة أنّه عقلانيّ وأقوى من المرأة جسدياً.

من هنا بدأت ملامح الفروقات العنصرية تتشكّل، بدءًا من طبيعة التعامل مع المواليد الأطفال، حيث يُستبشَر بالمولود “الذكر” المدافع عن شرف العائلة وسمعتها والحامل اسمها، ويواسَى بالمولود “الأنثى” الجالبة للعار والسمعة السيئة للعائلة، ليمتدّ ذلك إلى أساليب التربية، حيث يحقّ للرجل ما لا يحق للمرأة.

استمرّ الوضع على هذا الحال حتى ظهور “الحركات النسوية” التي يقسّمها المؤرخون إلى أربع موجات:

ظهرت الموجة النسوية الأولى في أربعينيات القرن التاسع عشر، عندما نادت النساء فى أمريكا وبريطانيا بحقّ العمل والاقتراع، فركّزت على اكتساب الحقوق القانونية والسلطة السياسية وحقوق الاقتراع والتصويت.

أما الموجة الثانية فبدأت في ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، حيث حفّزت المرأة على فهم جوانب حياتها الشخصية وإنهاء التمييز في المجتمع، وفرض المساواة في التعليم ومكان العمل. كما تميّزت في محاولة تحرير الجسد وإعادة حق السيطرة عليه للمرأة، إذ ظهرت مطالبات بالحق في الإجهاض، والحق في ممارسة حياة جنسية حرّة، إما بين امرأة ورجل، وإما بين امرأة وامرأة.

الموجة الثالثة ظهرت في تسعينيات القرن الـ20 كـ”ردّة فعل” على الموجتين الأولى والثانية، حيث انتقدتهما باعتبارهما ذكوريتي التوجّه، أي كما لو كان تحرير النساء يتمثّل في تحويلهن إلى رجال، فتضمّنت الموجة الثالثة نساء من جميع الألوان والأعراق، وأعلنت الحرب على الصورتين النمطيتين للمرأة، إما باعتبارها ضعيفة ومنساقة، كما ظهرت في الصورة التي نقلتها الموجة الأولى عن المرأة، وإما “عاهرة” ومتسلطة، كما ظهرت في الصورة التي نقلتها الموجة الثانية عن المرأة، لذا حاول جيل الموجة الثالثة أن يظهر صورة المرأة القوية الواثقة من نفسها، التي تمتلك التحكم في “جنسانيتها” وتحتفي بها.

وفي هذا السياق، تقول إحدى أشهر ناشطات الموجة الثالثة، “ريبيكا ووكر”، في إحدى ندواتها، إن “الموجة الثالثة قائمة بالأساس على إنهاء “نحن” و”هم” اللّتان أشعرتا الرجال، خلال الموجة الثانية، بأنهم أعداء، وأشعرتا النساء من ألوان أو أعراق مختلفة بأنهنّ لسن جزءًا من الحركة، لذلك تسعى الحركة إلى ضمّ جميع البشر، سواء من الرجال أو النساء، وأيًّا كانت ألوانهم أو ميولهم الجنسية”.

في المقابل، ومع انطلاق حركة #METOO عام 2006، ظهرت الموجة الرابعة التي لم تتبلور معالمها بعد، متبنيه قضايا التحرش والاغتصاب، ومستخدمة وسائل التواصل الاجتماعي كوسيط للتعبير، حيث أخرجت الموجة الرابعة النساء عن صمتهنّ، كاسرة حاجز الخوف والفضيحة من المجتمع.

اذًا، بفضل نضالات النساء، أصبحت المرأة اليوم تتمتّع بمعظم حقوقها القانونية والطبيعية والسياسية والاجتماعية، من الحق في التعلّم والعمل والتصويت والمشاركة في العمل السياسي وإعطاء الجنسية لأولادها والإرث، إلى الحق في ارتداء ما تريده والتعبير عن آرائها وأفكارها وأن يكون لها حياة جنسية حرّة.

ولكن رغم ذلك، لا نزال نشهد تفاوت في حجم الحقوق المعطاة للمرأة بين دولة وأخرى، حيث تبقى دول العالم الغربي متقدّمة على دول العالم العربي في هذا المجال، إذ يبقى استقبال الأفكار “التحرّرية” أصعب وسط قيود كبيرة يتعلّق معظمها بالدين وثقافة الشعوب والعادات والتقاليد.

ماذا عن لبنان في هذا الخصوص؟

لم تكن النساء اللبنانيات بعيدات عن الموجات والحركات النسوية التي طرأت على العالم، ففي عام 1943 نزلت النساء إلى الشوارع للمطالبة باستقلال لبنان عن الانتداب الفرنسي، لتفرض بعدها المرأة حقها السياسي بالاقتراع عام 1953.

كانت النساء في الصفوف الأمامية عندما واجهت الحركة العمالية السلطة وطالبت بحقوقها عام 1946، فرفعن الصوت عام 1971 لتعديل قوانين الأحوال الشخصية. ومع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان، شاركت النساء كمقاتلات ومسعفات، كما ناضلن منذ العام 1982 لمعرفة مصير اللبنانيين المخطوفين.

واستمرت النساء في نضالهن للحصول على حقهّن بالسفر عام 1974، والحق بالتجارة عام 1994، والحق في استعمال وسائل منع الحمل عام 1983، والحق بالحصول على تقديمات الضمان الاجتماعي والتأمين على حياتهن عام 1987-1995، والحق في الحماية من العنف الأسري عام 2014، بالإضافة إلى الحق في معاقبة المغتصب في العام 2017 بدل الزواج منه.

من جهة أخرى، كسرت النساء اللبنانيات حاجز الخوف، فبدأن يشاركن تجاربهن “الأليمة” مع التحرش الجنسي والاغتصاب، على وسائل التواصل الاجتماعي. إلا أن المشكلة الأساسية التي لازالت تعاني منها النساء، تتمثّل بالدور “الجندري” المفروض عليهن في لبنان.

وفي هذا السياق، ترى الصحافية النسوية مايا العمار، في حديث لـ”أحوال” أنّ الدور “الجندري” هو عنف مبني على النوع الاجتماعي للفرد، حيث يمارَس دور على الشخص بسبب ما يُتوقع منه كدور، واذا خالف دوره يُعاقَب”، مضيفة: “النوع الاجتماعي وما ينبثق عنه من تحديد أدوار هو أساس التمييز الاجتماعي الذي نشهده في مجتمعنا، وأنا ضد حصر الجنسين بأدوار معينية لأنه منبع للتمييز، فالأدوار تحدّ من طاقات الأفراد وقدراتهم”.

في المقابل، تعتبر العمار انّ “هناك أسباب عدّة أدّت إلى حصر دور المرأة في العمل المنزلي وإنجاب وتربية الأولاد، أبرزها الفروقات البيولوجية وقدرة المرأة على الإنجاب، ما فرض عليها ربط دورها في الحياة والمجتمع بالمنزل وتربية الأولاد، إلى جانب انحصار السلطة والدين تقليديًا بالرجال، فـ”علّبت” الأديان أدوار النساء والرجال، وحرمت النساء من تبوّؤ مناصب على اعتبار أن الكنائس والجوامع يقودها رجال.

من هنا تابعت العمار: “نحن كنسويات نحترم قرارات النساء مهما كانت، فإذا أرادت الأنثى أن تكون أمًّا فهذا حقها ونحن ندعمها في قرارها، ولكن على المجتمع أن يعي أن الإنجاب ليس دورًا للمرأة إنما خيارًا متاحًا لها، ونحن نطالب اليوم بالمشاركة بالأدوار وليس تبادلها، لكسر النمطية بين النساء والرجال”.

أما عن سبب الهجوم الدائم الذي يُشَن على النسويات، تقول العمار: “هناك نساء ورجال يشتمون النسويات لأنّهنّ بدأن يهدّدن المنظومة التقليدية بعد أن تكوّن الوعي لديهن بأنّهن تحت رحمة سلطة أبوية ذكورية وانتفضن عليها، فعندما يخرج هذا الوعي إلى العلن سيهدّد كل ما تملك هذه المنظومة من عادات وتقاليد وثقافات”.

وفي الخلاصة، فبالرغم من كل النضالات التي خاضتها النساء في دول العالم بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، لا يزال المسار في سبيل تحقيق المساواة بين المرأة والرجل على صعيد القوانين والحياة السياسية والاجتماعية، طويلًا جدًا، ويحتاج إلى الكثير من الإصرار والعزيمة والعمل الدؤوب. فالمرأة اللبنانية تعاني من إجحاف قوانين الأحوال الشخصية، والحرمان من إعطاء الجنسية لأولادها وسط غياب قوانين تحمي النساء من الزواج المبكر ومن جميع أشكال العنف.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى