مجتمع

المجتمع اللّبناني نحو الشيخوخة

بين أزمةٍ اقتصادية ترخي بظلالها على مختلف مستلزمات العيش الكريم وفوضى تعلّق مصير اللّبنانيين بدولارٍ “طالع نازل” ومبادرةٍ أجنبيةٍ وقارورة غاز مخبّأة في مستودع ونيترات أمونيوم انفجرت في المرفأ، نحو أيّ مستقبلٍ يمكن للّبنانيّ أن يرنو؟

مَن مِن اللّبنانيين يستطيع شراء مسكنٍ ودفع تكاليف الزواج وتأسيس عائلة؟ مَن يخاطر بإنجاب ولدٍ أو أكثر قد يعجز غداً عن تأمين لقمة طعام تسدّ جوعهم؟ ومَن لا يتمنى تذكرة سفرٍ نحو غدٍ الأمل فيه مسموح؟

هذه العوامل زادت حدّتُها في الأعوام الأخيرة وبلغت الذروة خلال العام الحالي، ومعها تغيّرت تركيبة المجتمع اللّبناني. الخبير في شؤون السكان والهجرة د. علي فاعور يشرح لـ”أحوال” التحولات الديموغرافية الواسعة التي عرفها لبنان، والتي بدأت معالمها بالظهور خلال سنوات الحرب الأهلية 1975-1990، نتيجة التهجير بين المناطق وحالة عدم استقرار الأسرة وبخاصة في مدينة بيروت وضواحيها، إذ تشرّد الآلاف وانتقلوا إلى أحياء جديدة بعد تدمير مساكنهم في قلب العاصمة بيروت وضواحيها وفي قرى وأماكن واسعة في جبل لبنان ومناطق الشمال. تهجير السكان وتشتّت الأسر أدّى إلى تفكّك البنية السكانية ودفع الشباب إلى الهجرة بحثاً عن الأمان، كما هاجرت بعض الأسر بكامل أفرادها للبحث عن وطن في الخارج، وخلال هذه الفترة انخفض عدد الولادات.

بعد الحرب الأهلية وفي الفترة الممتدة بين 1999 و2000، شهد لبنان موجاتٍ واسعةً من الهجرة، أحدثت اختلالاً في التوزيعات العمرية للسكان نتيجة هجرة الشباب، نقص الولادات، وارتفاع العمر عند الزواج الأوّل إلى أكثر من 30 سنة للمرأة والرجل.

ويشير د. فاعور إلى أنّ هذه التّغيرات أدّت إلى تناقص متوسط عدد الأولاد للمرأة الواحدة من 6 أولاد عام 1960 إلى 4 أولاد عام 2000، واستمرّ العدد بالتراجع نتيجة عدم الاستقرار والهجرة والأزمات المعيشية، ليتراجع عدد الزيجات ومستوى الإنجاب وبخاصة في مناطق جنوب لبنان والبقاع ومناطق المتن وكسروان بعد عام 2000، ويصل بذلك عدد الأطفال في الأسرة الواحدة إلى 2-3 أطفال، مع تفاوت شاسع بين المناطق والطوائف.

متوسط عدد الأولاد للمرأة الواحدة وصل خلال السنوات العشر الأخيرة إلى 1.7، أي ما دون “مستوى الاحلال” أو مستوى الاستبدال وهو 2.1 طفل لكلّ امرأة، ويقصد به إنجاب كل امرأة طفلين ليحلّا عددياً محل الوالدين في المجتمع.

ويؤكّد د. فاعور أن هناك مخاطر ناجمة عن تزايد عدد الوافدين من النازحين السوريين واللّاجئين الفلسطينيين وغيرهم تهدّد الاستقرار السكاني. فإجمالي الهجرة الوافدة يقارب 7.5 ملايين، في الوقت الذي يتناقص فيه عدد السكان اللّبنانيين. الأمم المتحدة تُقدّر عدد المقيمين بنحو 6.8 ملايين نسمة، بينما عدد اللّبنانيين أقل من أربعة ملايين. وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ أكثر من 80% من النازحين هم من النساء والأطفال دون عمر 17 سنة، والولادات بين النازحين تزيد عن ضعف الولادات في لبنان.

بناءً على كلّ ما تقدّم، وفي ظل غياب السياسات السكانية الفاعلة وثقافة الإحصاء والأرقام في لبنان، فإنّ هرم الأعمار يتحوّل من هرم فتيّ (قاعدة عريضة تمثل الفتيان وقمة ضيقة تمثل كبار السّن) إلى ما يشبه المستطيل مع تقلص القاعدة نتيجة نقص الولادات واتساع القمة نتيجة زيادة عدد كبار السن.

 

آلاء ترشيشي

 

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى