منوعات

نصف قرن علاقات لبنانية – صينية: هل من فرص للتطوير؟

خمسون عاماً على تأسيس العلاقات الدبلوماسية اللبنانية – الصينية، رغم الفوارق الشاسعة بين البلدين في الحجم والدور والتجربة، لكن تجمعهما العلاقات العميقة والطيبة تاريخياً، واليوم الصّين تحتلّ المركز الأوّل في قائمة الدّول التي يستورد منها لبنان، فهل من امكانية للتطوير والتحسين؟

في هذه الذكرى سنحاول قراءة الامكانيات مع خبراء يلمون بهذا الملف وكيفية تطوير هذه العلاقات.

فتور يعتري التّنمية

وبهذه المناسبة يقول البروفيسور بيار الخوري، نائب رئيس الجمعيّة العربيّة الصّينية للتعاون والتّنمية، لـ”أحوال” إنّ “محاولات وضع العلاقات الاقتصاديّة اللّبنانيّة الصّينيّة على السّكة التّنمويّة الصّحيحة بقيت خجولة طوال هذه السنين، لأن الجهود ووجهت دائماً بمفاعيل الاستقطاب السّياسي الداخلي والفتور تجاه العلاقة الاقتصاديه مع الصين، كل شيء في لبنان يحتاج إلى توافق الجميع ومن الواضح أن التوافق على الدخول في عملية اقتصادية واسعة مع الصين غير متاحة حاليا في لبنان لأسباب سياسية”.

علاقة أحادية الجانب

ويتابع الخوري “أما بالنّسبة للعلاقات التّجارية مع الصّين فهي على العموم علاقات من جانب واحد أي علاقات استيراد من الصين، قبل الأزمه أصبحت الصّين تشكّل 40% من المستوردات إلى لبنان، في مقابل ضعف الصادرات إلى الصين رغم وجود مبادرات في مجال البضاعة عالية النوعية كالنبيذ والشوكولا وغيرها، لكن علينا أن نذكر هنا أن الصين قد فتحت أبوابها وشرّعتها في سبيل استقبال الواردات من جميع أقطار العالم، وفقاً لمبادرة معرض شنغهاي للاستيراد، والتي سوف تنفق بموجبها الصين أكثر من 3 ترليون دولار على مدى الأعوام الخمسة عشر القادمة، وهذه فرصة كبيرة للبنان إذا ما أحسن إعادة تطويع منتجاته بما يخدم تصديرها إلى سوق ضخم كالسوق الصيني”.

معاملة حسنة

وينوّه الخوري بمعاملة الصين مع لبنان قائلاً “تتعامل الصين مع كل اللّبنانيين سواسية وبود واحترام بغضّ النظر عن الاختلافات السياسية والطائفية، ولا يمكن إدراج العلاقه مع الصين ضمن إطار الصراع الجيوسياسي الموجود في المنطقه، فكل دول المنطقه دون استثناء (إلا لبنان) لديها تعاون واسع مع الشركات الصّينية. تعبير التّوجه شرقا دخل في القاموس السّياسي اللّبناني وبات موضوع استقطاب واسع بين الفئات اللّبنانيه المتناقضة، وهذا الأمر في الواقع يخالف تماماً التّوجهات الصّينية تجاه لبنان التي تتعامل مع لبنان كدولة صديقة وكشعب صديق وهي لم تسع يوماً للدّخول، لا في التفاصيل اللّبنانية ولا كجزء من الاستقطاب الجيوسياسي في لبنان، لذلك ربما يكون من الأفضل ان نتحدث عن تعاون الدولتين والصداقه بين الشعبين بغض النظر عن المفردات الاخرى، مع إحترامنا لهذه المفردات”.

وفي سؤال عمّا إذا كانت الصين تسعى وراء تحقيق مصالحها يقول “لا غضاضة في أن تسعى الصّين خلف مصالحها التّجارية فهذا هو منطق الاقتصاد الدولي، هذا لا يمنع النّظر إلى المصالح المشتركة كما تفعل كل دول المنطقة دون استثناء: القوي والضعيف، الغني والفقير والمؤيدين للغرب والشرق على حد سواء. لماذا يبقى لبنان خارج هذه الافضلية؟”.

طريق الحرير الجديد

في المقابل يلفت مدير تحرير موقع “الصين بعيون عربية” الإعلامي محمود ريا، إلى أنّ “مبادرة الحزام والطريق أو ما يُعرف بطريق الحرير الجديد هي مبادرة أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ عام 2013، حيث امتدت إلى مختلف أنحاء العالم لاسيما المنطقة الفاصلة بين الصين وأوروبا وبين الصين وقارات الدول الأخرى، هذه المبادرة لاقت تجاوباً كبيراً من العديد من دول العالم وهناك أكثر من 120 دولة تقريباً وقّعت على اتفاقية مبادرة الحزام والطريق أو على وثائق متعلقة بها، ومن بينها لبنان الذي وقع على اتفاقية الاطار المتعلقة بالمبادرة، ولكن حتى الآن لم يتم التوقيع على اتفاقات محددة تتعلّق بتعاون مباشر أو غير مباشر بين لبنان والصين وبين لبنان والدول من خلال مبادرة الحزام والطريق، لذلك مازال هناك الكثير من الخطوات حتى نستطيع القول بأنّ لبنان أصبح جزءاً عملياً من المبادرة”.

جهود فاشلة

ويتابع ريا “هناك جهود كبيرة تبذل هذه الأيام كي يدخل لبنان شريكاً حقيقياً وفاعلاً وعملياً في مبادرة الحزام والطريق نظراً للمكاسب الاقتصادية الكبرى التي يمكن أن يحققها من خلال هذه التشاركية اللبنانية -الصينية واللبنانية-الدولية أي الدول الموقعة على الاتفاقية”.

ويضيف “طبعاً هذا السعي الحثيث تعترضه بعض العقبات الكبرى في الحقيقة، منها ما يتعلق برؤية المسؤولين اللبنانيين في العلاقة مع الصين واعتبارهم أن هذه العلاقة ليست أولوية، إنما الأولية هي للعلاقة مع الدول الغربية، ومنها الخوف من العقوبات المحتملة التي قد تفرضها أميركا ودول أوروبية أخرى على لبنان نتيجة تعاونه مع الصين والتوقيع على اتفاقات دولية عملية يمكن أن يكون لها وقع مالي، وهو ما لا ترضاه أميركا خصوصاً لدولة ضعيفة وغير مستقرة كلبنان، إضافة إلى طبيعة النّظام اللّبناني الذي يجعل المسؤولين يبحثون عن المكاسب الشخصية وهذا الأمر لا يمكن أن تقبل به الصّين والشّركات الصّينيّة، وأيضاً نقص التّشريعات المتعلّقة بحماية الاستثمارات الأجنبية وهذا أمر تعوّل عليه الصين كثيراً”.

خلق المنفعة المتبادلة

ومن إيجابيّات الرؤى الصّينيّة أنّها تنطلق في علاقتها مع الدّول من مبدأ بناء مجتمع المصير المشترك للبشريّة، الذي تقوم قاعدته الأولى على خلق المنفعة المتبادلة والمشتركة بين الدول وليس تحقيق المصالح الخاصة بدولة واحدة على حساب دول أخرى، بحسب ريا.

ويلفت إلى أنّه “في الذّكرى السّنويّة الخمسين لإقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان والصين، على لبنان أن ينظر إلى مصلحته الحقيقيّة التي تتحقّق من خلال المشاريع المقدّمة له من الصّين والتي تحمل الكثير من الفوائد، خصوصاً تلك التي تؤمّن بنى تحتيّة مهمّة جداً تساعد على نهوض لبنان وخلاصه من الأزمة التي يعيشها، سواء على مستوى النّقل أو الكهرباء أو النّفط وغيرها من القطاعات دون أن يدفع لبنان تكاليف كبيرة. وغالباً ما يكون ذلك عبر عقود BOT أي أن تبني الدّولة المالكة للاستثمارات مشاريع كبرى في الدّولة المستهدفة مقابل أن تستثمرها لفترات طويلة قد تصل إلى 20 عاماً، على أن تعيدها إلى الدّول المستثمر فيها دون تكاليف”.

ناديا الحلاق

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى