مع انهيار الاقتصاد اللّبناني ومعه العملة الوطنيّة، لا تتوقّف بعض شركات التّأمين عن ابتداع أساليب احتاليّة خارجة عن القانون لتفادي الوقوع بمزيد من الخسائر، متفردة باختلاق أسس ومعايير خاصة بها للتعاطي مع المؤمّن، دون أن تراعي شروط بوالص التأمين واستثنائاتها ومنافعها.
قصة رولاند مع “التّأمين”
قبل 8 سنوات اشترى رولاند أبي نجم من إحدى شركات التأمين المعروفة في لبنان بوليصة تأمين على الحياة، تتضمّن برنامجاً استثمارياً، من خلال عقد مبرم يلزم الشركة دفع مبلغ 100 ألف دولار إلى الورثة أو المستفيدين من التّعاقد، فى حال وفاته خلال فترة سريان العقد، لتلبية إحتياجاتهم المعيشيّة.
يضع رولاند على رأس أولوياته تحصيل ابنه على التّعليم المناسب، فادّخر مع الشّركة ذاتها أيضاً مبلغاً مالياً، ليوفّره له لفترة التّعليم الجامعيّ. ولأنّ الهدفين الأساسيين من اشتراكه بهذين البرنامجين هو تأمين المال لأهله في حال وفاته، ولابنه لاتمام تعليمه في المستقبل، وبما أنه علم أنّ المبالغ الماليّة التي ستدفع من قبل الشركة ستكون في لبنان و”باللّولار”، قرّر الانسحاب على أن تدفع له الشّركة مستحقاته.
في هذا السياق، قال أبي نجم لـ “أحوال” أنّ شركة التأمين التي يتعامل معها، حاولت إيجاد طرق ملتوية للتّهرب من الدّفع في الخارج_ كونه مقيماً في دولة الكويت حالياً، ما يخوّله الحصول على نصف قيمة المبلغ بـ “الفريش دولار”.
احذروا طريقة التّعويض
يرى رولاند، وبحسب العقد المبرم بينه وبين الشركة، أنّ القانون اللّبناني يلزم الشّركة بالاحتفاظ باستثمارات لا تقل نسبتها عن 50% داخل لبنان مقابل 50% في الخارج، ما يلزمها دفع 50% من المبلغ للعميل “بالفريش دولار” و50% بـ “اللّولار”، في حال أراد الانسحاب من البرنامج بعد الفترة المحدّدة في العقد.
وبعد شهر من الأخذ والرّد، وعدم التزام الشركة بالعقد المبرم، قرّر رولاند نشر المحادثات والتّسجيلات الصّوتية بينه وبين المندوب، على وسائل التّواصل الاجتماعي، والتي أشرت إلى تهرّب الشّركة من دفع المبلغ له خارج لبنان. ويروي أبي نجم، أنّه بعد محاولات حثيثة رضخت الشّركة للأمر الواقع، لكنها أخلّت بشروط العقد ودفعت له 35% من المبلغ بـ “الفريش دولار” و50% بـ “اللّولار”، أي أنّها اقتطعت 15% من “الفريش دولار” لحسابها.
ويضيف رولاند، “الواقع المتشرذم في القطاع التّأميني في لبنان وغياب الرقابة الفعلية وتنظيم أدائه، أوصلوا شركات التّأمين إلى التّفنن بأساليبها الملتوية للاحتيال على المؤمّنين”.
من هذا المنطلق، “وحرصاً مني على حماية حقوق كل المؤمّنين في الدّاخل والخارج، وكي لا يقعوا في فخ احتيال بعض الشّركات، أردت مشاركة قصتي مع هذه الشركة لاستخلاص العبر وتلافي الأفخاخ التي تتضمنها عقود التّأمين”؛ لافتاً إلى أنّه في حال الدّفع بالدّولار أو وفق سعر صرف الدّولار في السّوق الموازية، يجب أن يكون التّعويض من قبل الشركة بالدولار النّقدي. امّا في حال السّداد بشيك مصرفي بالدّولار، يفكون التعويض من خلال شيك مصرفي. وفي حال السّداد باللّيرة على أساس سعر الصرف الرسمي، يكون التّعويض باللّيرة وفق سعر الصّرف 1515 ليرة.
“اللّولار” بدعة لبنانيّة
في هذا الإطار، يؤكّد نقيب وسطاء التّأمين في لبنان سيريل عازار لـ “أحوال”، على أنّ عمل بعض شركات التأمين يفتقد إلى الموضوعيّة والتّجرد، فيما تعمل الكثير من الشّركات بشفافيّة ومصداقيّة. ويضيف، بدورنا نعوّل على دور هذه الشّركات ونثني عليه لحماية ما تبقى من قطاع التّأمين في هذه الظّروف الصّعبة.
ويتابع، أي مؤمّن يشعر أنّه مغبون باستطاعته اللّجوء إلى هيئة الرقابة على شركات التّأمين، لأن بنود العقد المبرم بين الشّركة والمؤمّن مقدّسة ويجب احترامها، ولا تستطيع أي شركة تأمين التّنصل من مسؤولياتها وواجباتها.
ويشير عازار إلى أنّ “اللولار” مصطلح اقتصادي جديد، أُضيف إلى معجم المصطلحات الاقتصاديّة التي برزت خلال الأزمة التي تعصف بلبنان، وهي بدعة لبنانية فاقدة للشّرعية.
ويلفت إلى أنّ شركات التّأمين في لبنان لا تستطيع الدفع للمؤمّنين في حال أرادو فسخ العقود واستحصال أموالهم، إلا عن طريق الشّيك المصرفي، لأنّ أموالها أيضاً محتجزة من قبل المصارف.
ويختم، نحن كنقابة لا نقبل بهدر مال المؤمّنين واستباحة حقوقهم، ونسعى إلى تنظيف القطاع من “الدّكاكين” التي تسرق المواطنين، وتهدّد القطاع بالإفلاسات، وتعيق تطوّره.
تعقيدات وآلية التّأمين
قانونياً، يقول المحامي زكريا الغول إنّ المشكلة مع شركات التّأمين في غاية التعقيد؛ فالعقد شريعة المتعاقدين، ولكن هناك واقع مالي غير واضح المعالم لجهة تأثيره على تعويضات التّأمين.
ويضيف الغول، السّعر الرسمي للدولار ما زال على أساس 1515 ل.ل. وفقاً لقانون النّقد والتّسليف. ومن المعلوم أن شركات التّأمين لديها حسابات لدى المصارف اللّبنانية بالدولار، وهي لا تستطيع سحبها نقداً، لذلك تقوم بدفع التّعويضات بموجب شيك دولار وهو جائز قانوناً بحكم أن الشيك أداة وفاء، كما وأنّها غير مسؤولة عن وضع المصارف الغير مفلسة قانونياً، وبهذه الطريقة تكون قد سددت التزاماتها للعملاء.
ويضيف، حاليّاً تقوم معظم شركات التّأمين إما باستيفاء القسط بموجب شيك أو نقداً. ومن هنا يبنى والتّعويض بحسب طريقة الاستيفاء، أكان باللّيرة أم بالدّولار، ورغم ذلك إنّنا بحاجة لوجود نص أو شرط ملزم لجهة كيفيّة احتساب التّعويض.
ويرى الغول أنّه لا يمكن إثارة موضوع وجود حسابات خارجيّة لدى أي شركة، بل هناك موضوع يُثار حاليّاً مع شركات الإعادة، حيث أن الأخيرة تسدد ما يسمى “الفريش دولار”، فيما تسدّد شركات التّأمين التّعويضات عبر الشّيك، وبذلك تستطيع تحقيق أرباحاً طائلة من شركات الإعادة، وفي نهاية المطاف سيتم حله عبر القضاء.
ناديا الحلاق