مجتمع

مبادرات مجتمعية لتمكين المرأة عنوانها التعاضد والتكافل

لا يمكن فصل الاقتصاد عن مسار تخلُّف أو تطور أي مجتمع، ولا عن أنماط عيش الإنسان، فقراً ورفاهية، بطالة وفرص عمل، إزدهاراً وأزمات؛ ودائماً ثمة تلازم بين الاقتصاد وسائر نواحي الحياة، وما يعيشه اللبنانيون اليوم هو بعض نتاج وتبعات الإنهيار المالي الكبير، غير المنفصل عن واقع سياسي مأزوم، وفساد مستشرٍ؛ فيما السلطة أبقت لبنان في دائرة الاقتصاد الريعي، ولم تدعم أو تطوّر القطاعات الإنتاجية تاريخياً، فكان الإنهيار مدوياً، لا أمان اجتماعياً وصحياً، ولا دورة إنتاج وتصدير، إلى إقفال مئات المؤسسات، واللبنانيون يواجهون الفقر والعوز وضيق ذات اليد.

كل ذلك، أفضى إلى واقع جديد فرض جملة من التحديات على المواطنين، منهم من عاد لاستصلاح أراضٍ مهملة، دأبهم توفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، ومنهم من فتش عن فرصة عمل ترفد وتساعد مع انهيار قيمة الليرة، حتى بدأنا نشهد قيام مبادرات مجتمعية عنوانها التعاضد والتكافل، والبحث عن سبل مُثلى لمواجهة شظف العيش والحدّ من أسباب الفاقة، خصوصاً وأن النسبة الكبيرة من اللبنانيين بدأ يعضُّها الجوع، ولذا بدأنا نواكب الكثير من الأنشطة الاقتصادية في نطاق القرى والبلدات، وفي مختلف المناطق اللبنانية.

المعلم: تمكين المرأة

في هذا السياق، أطل “أحوال” على عينة من هذه المشاريع، علها توثق وترصد واقع الحال، في وقت تكاد فيه الدولة “تستقيل” من دورها الراعي لمواطنيها والحامي لمصالحهم، في ظل “جائحتين” لا ترحمان، كورونا وانعدام فرص العمل وتعثر الاقتصاد.

من بلدة قب الياس (البقاع الأوسط)، أشارت رئيسة “جمعية الليلك” هنادي المعلم إلى أنّ “الجمعية تأسست قبل خمس 5 سنوات، ولم تسجل رسمياً بسبب الظروف الصعبة، ولكن لدينا العلم والخبر”.

يتمحور عمل الجمعية حول تمكين المرأة بالدرجة الأولى، وقالت المعلم: “هدفنا تأمين دورة اقتصادية متكاملة لسكان الريف، عبر نشاطات ودورات تدريبية متعددة وتأمين وظائف ومشاريع وفقاً لاحتياج أبناء المنطقة”، ونوّهت إلى أنّ “جمعية الليلك تعنى بصناعة الصابون، المونة وتربية النحل، كما نتابع أموراً بيئية تتمحور حول التدوير”، لافتة إلى أن “مشروعنا القادم يتركز على تصنيع الحقائب باستخدام النول، وقمنا بدورات تدريبية حول كيفية استخدامه، وستزورنا ناشطة فرنسية، معها تصاميم معينة، وسنقوم بتنفيذها وتسويقها ضمن معرض بيئي في فرنسا”.

وأشارت المعلم إلى أنه “حاليا لدينا إنتاج مونة بيتية من المكدوس والزيتون والكشك والمربيات وغيرها، وكلها مصنوعة بالطريقة التقليدية القديمة باستخدام الحطب، وحاليا نحن بصدد الحصول على ترخيص لتعاونية العسل وسيكون مجالها صناعة صابون العسل والشمع والحلويات”.

صناعة الصابون

وعن صناعة الصابون، قالت المعلم: “يتم تحت إشراف أخصائية في الكيمياء، وبدأنا بتصنيع الصابون بزيت زيتون ومواد أخرى وبمعايير وجودة مميزة وبمقادير مدروسة، تؤدي دوراً تجميلياً وعلاجياً، بإضافة زيوت أخرى ذات خواص طبية مثل زيت البركة وزيت القهوة، والفحم والورد والذهب والعسل وغيرها من المواد، ويعمل قسم من السيدات على الإنتاج وقسم آخر من الجنسين على تسويقها”.

وعن المركز، أوضحت المعلّم أنه “عبارة عن بيت سياحي نستقبل فيه الأجانب مع إقامة، لتعريفهم على تراث لبنان، بالإضافة إلى دورات صابون وتربية نحل ولغة عربية، وخلال سنتين استقبلنا أكتر من 150 سائحاً من مختلف دول العالم”.

وأضافت المعلم: “دراستي محتلفة تماما عن نوع عملي، فقد كنت خارج لبنان وبالتحديد في سويسرا وكنت أعمل مترجمة فورية، أما مجال دراستي فهو التعليم وتطوير المناهج والمؤسسات، لكن هذا النوع من العمل الإجتماعي بالريف والتربية الزراعية كان هواية، وهو اليوم عملي الأساسي من خلال فريق مؤلف من 13 شخصا من الذكور والإناث”.

محاسن: إستقلال مادي ومعنوي

وقالت سهيلة محاسن وهي من التابعية السورية، وتعمل في هذا المشروع: “أحب تجربة كل ما هو جديد، خصوصاً في مجال الطبيعة، بدايةً تابعت دورة عن تربية النحل مع الإتحاد الأوروبي وأعطوا المشاركين قفران نحل، ومن وقتها ونحن نتابع إنتاج العسل وتسويقه، وعدا ذلك ساهم قربنا من الطبيعة ومتابعة النحل وعلاجاته ومراقبته في تحسين حالتنا النفسية والإحباط الذي نعيشه وخصوصا في ظروف الحظر”.

وقالت محاسن: “دورات تربية النحل، مكنتني من الإستقلال المادي والمعنوي إلى حدٍّ ما، لكن لا يكفي أن يشارك أي شخص في دورة ما، بل عليه أن يتابع ويثابر ويتطور، وحالياً، هناك إقبال كبير وخصوصا لمزايا العسل بالنسبة لوباء كورونا، ونأمل التطور أكثر، وإنتاج المزيد من العسل بالإضافة إلى تربية ملكات وإنتاج عسل ملكي، كما أدخلنا العسل في صناعة الصابون الذي نصنعه في المركز وغيرها من النشاطات المتعددة في المركز”.

سلامة: تسويق العسل

وقالت أخصائية التغذية مروة سلامة: “على الرغم من تحصيلي العلمي، فلم أستطع في ظروف البلد الحالية تأمين عمل، كما وأنني مطلّقة ومعيلة لولدين، والنفقة غير كافية لتوفير كافة المصاريف، لذا بدأت بتربية النحل وإنتاج العسل وتسويقه، خصوصاً وأنه لا يحتاج لجهد ووقت كبيرين، ويمكنني تأمين بعض الإستقلال المادي والعناية بأسرتي”.

وأضافت: “أصبح الإتجاه السائد حالياً نحو الإنتاج الزراعي، كما وأن تخصصي ومعلوماتي حول العسل وفوائده ساعداني كثيراً، وصار الناس يطلبون منتجاتنا، وينصحون بها أقاربهم، خصوصا وأنّ أسعارنا رخيصة مقارنة بغيرنا، والهدف توسيع مجال عملنا في المجالات كافة، كما نعمل على تسويق العسل من أشخاص نثق بهم ونتابع إنتاجهم بهدف دعمهم”.

ورأت سلامة أنّ “النتيجة المادية هي تفصيل لتوفير مصروف بسيط، ولكن الأهم العلاقة مع الطبيعة، فضلا العمل الجماعي في الهواء الطلق”.

ملاعب: التكافل الإجتماعي

وقالت رئيسة “جمعية سيدات بيصور الإجتماعية الخيرية” هيام العريضي ملاعب: “نحن مجموعة من السيدات من أبناء، وقد نلنا فرصة العمل ضمن مشروع (مصنع الغرب للإنتاج الغذائي)، قُدِّم لاتحاد بلديات الشحار والغرب الأعلى بتمويل من USAID وكاريتاس، ويساهم تجار الغرب بتسويق المنتجات، وتعمل في المصنع سيدات من بيصور والبلدات المجاورة، وذلك بعد أن خضعن لدورات تدريبية على الإنتاج، وفق معاير صناعية بجودة عالية، وقد بدأنا منذ الإفتتاح في أيار 2019 بالإنتاج على الرغم من عدم اكتمال كافة تجهيزات المصنع”.

وأضافت ملاعب: “كانت الأولوية بالنسبة إلينا كجمعية نسائية إدارة المشروع وحاليا فأنا مديرة المصنع بالتعاون مع الزميلة جمانة علم الدين ملاعب، فمنطقتنا، ومعظم المناطق، بحاجة لمثل هذا المشروع التنموي، الذي يستقطب المواطنين من القرى المجاورة، ولا سيما ربات البيوت، لجهة التجهيز والمعالجة بالطبخ والتجفيف والتبريد وغيرها من طرق الحفظ، بالإضافة إلى التوضيب والتعليب والتصميم، حيث خضعن لدورات أجرتها جمعية (أطايب الريف) ضمن معايير عالمية ما يمكننا من المشاركة بمعارض محلية ودولية، وقد وفّر هذا المشروع فرص عمل لكثير من السيدات واستقلالاً معنوياً واقتصادياً واجتماعياً، وأصبحنا عائلة واحدة”.

ولفتت ملاعب إلى أنّ “المصنع يضم حالياً 18 سيدة خضعنَ لدورات وهن عاملات بأجور، وساهمت كاريتاس بالخمسة أشهر القادمة، وننتج حوالي 44 منتجاً متنوعاً من مجففات كالبندورة وبودرة البصل والثوم والملوخية والزعتر والسماق والكشك وغيرها، إضافة إلى المربيات مثل مربى الباذنجان والتين والسفرجل، فضلاً عن المكدوس واللوبياء مع البندورة والمكسرات وغيرها”، وأشارت إلى أنّ من “بين مبادراتنا تجهيز سلة متكاملة من منتجاتنا تقدم كهدية في المناسبات أيضا”.

وختمت ملاعب: “العمل (ماشي ببركة السيدات) والنوايا الطيبة لدى الجميع، والتكافل الإجتماعي بين أبناء البلدة”.

أمل ملاعب: مدخول مقبول

من جهتها، قالت أمل ملاعب وهي عاملة في المصنع: “أعمل يومياً من الساعة 9 إلى 2 ما عدا السبت والأحد، وهذه الفرصة سمحت لي بالتعرف على أناس جدد، وهو مشروع مهم للغاية، سمح لي بتوفير مدخول مقبول وسط هذه الأزمة الإقتصادية الصعبة، خصوصاً وأنني وأختي كنا نعتمد على إخوتي في كافة مصاريفنا”.

وأشارت إلى أن “كل شيء أسعاره مرتفعة، فنحن في منطقة جبلية وسعر برميل المازوت 220 ألف لبرة، ونحتاج من 2 إلى 3 براميل خلال فصل الشتاء، عدا المصاريف الأخرى”، وأكدت أنّ “هذا العمل حسَّن نفستي إلى أبعد الحدود، وأصبحنا عائلة في المصنع، على أمل أن يتحسن الوضع لنتمكن من الإستمرار”.

أنور عقل ضـو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى