“كورونا” يفتك بعائلات محدّدة هل للجينات علاقة بقوة الفايروس؟
يحيّر فايروس كورونا العلماء حول العالم، إذ لم تكفِ الأشهر الماضية مراكز الأبحاث لدراسته والخروج بخلاصات واضحة حول طبيعته وتأثيره وكيفية عمله، فلا زلنا نرى أن عجوزاً مريضاً ينجو من الفايروس من دون عوارض، بمقابل وفاة شباب لا يعانون من أي أمراض، ولا زلنا نواجه حالات لا ينتقل الفايروس إليها رغم وجودها في نفس المنزل مع مصاب بالفايروس لم يكن مدركاً لإصابته.
الشهر الماضي توفي المواطن ف. الصمد جراء إصابته بفايروس كورونا، من بلدة بخعون في الضنية، وهو كان يخضع للعلاج في المستشفى الحكومي في طرابلس، وهي الوفاة الثالثة التي سجلت ضمن عائلة واحدة نتيجة إصابتهم بالفايروس، إذ توفيت والدته قبل وفاته بيوم واحد، بعدما كان والده توفي قبلهما، كذلك نستذكر علي وفردوس صفوان من بعلبك، وحالة الوفاة الأخيرة التي سجلت في عائلة اللقيس، للصبية نبيلة اللقيس التي كانت قد فقدت والدها مصطفى منذ أسبوعين بسبب الكورونا، ولا يزال شقيقها حسام في غرفة العناية المركزة بسبب الفايروس.
إن هذه الوفيات التي تحصل ضمن العائلة الواحدة تُثير التساؤلات حول هذا الفايروس وإن كان الأمر على علاقة بالجينات، وهذا السؤال الذي تطرحه عائلة اللقيس على نفسها، بعد أن لم يقدّم الأطباء لهم أي أجوبة حول أسباب ما يتعرضون له.
علم “أحوال” أن الأسئلة لدى العائلة بدأت عند إصابة إبن أخ المتوفي مصطفى اللقيس، فالشاب الذي لا يعاني من أي أمراض، وهو من غير المدخنين، عانى في المستشفى، في غرفة العناية المركزة، قبل أن يُشفى، كذلك عند إصابة شقيق مصطفى، الذي احتاج إلى وقت طويل لأجل الشفاء وهو الذي لا يعاني من أي أمراض، ولكن لم يجدوا جواباً.
بعدها أًصيب مصطفى خلال تلقيه العلاج من مرض السرطان في إحدى المستشفيات، فلم يتحمّل جسده الفايروس بسبب نقص المناعة، فتوفّي، ومن ثم دخلت ابنته وابنه إلى العناية المركزة بعد إصابتهما، ونبيلة التي رحلت أمس لا تعاني من أي أمراض، كذلك شقيقها الموجود في المستشفى، مع الإشارة إلى أن 7 أفراد من هذه العائلة أصيبوا بالفايروس، واحتاج 3 منهم إلى العناية المشددة.
الأساس هو جهاز المناعة
يؤكد طبيب الجراحة العامة وأمراض الكبد وفيروسات الكبد محمد حجيج عدم وجود أي دراسة أكيدة تقول بأن الكورونا والجينات يتصلان بعضهما ببعض، مشيراً في حديث لـ”أحوال” إلى أن الدراسات مستمرة وتحتاج إلى وقت طويل ولكن حتى اللحظة لا توجد دراسة مؤكدة حول هذا الترابط.
ويضيف: “ازدياد الحالات لدى الشباب سببه ارتفاع أعداد الإصابات بشكل عام في لبنان، فإذا كنا نصادف إصابة شاب ودخوله المستشفى عندما كان عدد الإصابات 100، فبكل تأكيد سنصادف إصابة أكثر من شاب عندما أصبحت الأعداد 2000، مع العلم أن الأعداد الحقيقية تصل إلى حوالي 15 ألف إصابة يومياً وربما أكثر”، مشدّداً على أن الجهاز الأساسي الذي يحدد مسار الكورونا في الجسم هو الجهاز المناعي.
يشير حجيج إلى أن الفارق بين مصاب وآخر يتحدد بحسب الجهاز المناعي أولاً، ونسبة الفايروس الملتقط ثانياً، فمن يلتقط الفايروس بظل وجود كمامة، لا تكون كميته كبيرة وتأثيره يكون محدوداً، والعكس تماماً، مشيراً إلى أن الرابط قوي جداً بين كمية الفايروس وقوة العوارض.
إذاً هي “قصة” جهاز مناعة بشكل أساسي، مع وجود أسئلة كثيرة بحاجة إلى دراسات، فمثلاً، لماذا نسبة الوفيات لدى الأميركيين من أصل إفريقي عالية في الولايات المتحدة الأميركية، بينما في أفريقيا لا يموت الناس من الكورونا بنسبة عالية، ويشير حجيج إلى أنه من خلال تجربته الشخصية وجد أن “من يعاني من الحرارة المرتفعة في الأيام الثلاثة الأولى يتعب أكثر من غيره بغض النظر عن العمر”.
الجنيات.. سبب محتمل يخضع للدراسة
نشرت مجلة “العلوم والمستقبل” الفرنسية على موقعها الإلكتروني مقالاً طبياً بعنوان “علم الوراثة.. عامل آخر لعدم المساواة أمام فيروس كوفيد-19″، وتناول المقال التفاصيل العلمية لدراسة لجأ من خلالها الباحثون لاستخدام علم الوراثة والجينات لتفسير ظاهرة إصابة صغار السن والشباب الذين يتمتّعون بصحّة جيدة بفايروس كورونا، كما تهدف الدراسة إلى إلقاء الضوء على العلاقة المباشرة بين الجينات الوراثية ومدى مقاومة الجسم لفيروس كورونا، وهو ما يفسر فتك الوباء بالبعض دون آخرين، وفقا للمجلة.
وتحدثت الدراسة عن وجود فرضية هي أن لهؤلاء المرضى عوامل وراثية تكون صامتة لحين التقائها بالفيروس، مشيرة إلى أن “الصدفة” لم تعد جواباً بظل وجود التطور العلمي، ويقول مدير معهد الطبي الجزيئي في هلسنكي مارك دالي، “نحتاج إلى عينة كبيرة جداً وتعاوناً” من باحثين من مختلف أنحاء العالم. والهدف هو تجنيد 10 آلاف مريض، عبر مبادرة “كوفيد-19 هوست جنيتيك”، ومشاركة النتائج مع 150 مركز أبحاث، وفق دالي، على أمل التوصل إلى “معلومات مفيدة بعد انتهاء الدراسات”.
محمد علوش