هل يمهد انخفاض سعر الصرف لتأليف الحكومة؟
عجاقة: التهريب وارتفاع الطلب سببان لارتفاع الدولار والمركزي تدخل للجمه
على وقع الأزمة السياسية والتطورات الأمنية في الشارع، تتسلط العملة الخضراء على رقاب البلاد والعباد وتفرض نفسها على الاسواق في أسوأ أزمة مالية واقتصادية يعيشها لبنان.
فقد سجل سعر صرف الدولار انخفاضاً دراماتيكياً من 39 ألف ليرة الى حدود الـ36500 ليرة اليوم، أي بانخفاض حوالي 3000 ليرة في يوم واحد، بعدما لامس سعر الصرف منذ يومين الـ39500 ليرة، إذ تم بيعه في الضاحية الجنوبية ومناطق أخرى بحسب معلومات “أحوال” بـ40 ألف ليرة.
ما يطرح علامات استفهام عدة حول أسباب هذا الارتفاع الكبير والهبوط السريع خلال أيام قليلة، ومن الذي يحرك سوق الصرف وما دور مصرف لبنان؟
يشير الخبير الاقتصادي د. جاسم عجاقة الى جملة أسباب أدت الى هذا التذبذب الدراماتيكي بسعر صرف الدولار، منها سياسية ومنها مالية واقتصادية وأمنية.
لكن عجاقة يلفت لـ”أحوال” الى وجود سببين أساسيين لارتفاع سعر صرف الدولار الأسبوع الماضي: الأول ارتفاع الطلب على الدولار من قبل التجار والمستوردين للاستيراد أكبر كمية ممكنة لتعبئة المخازن والمستودعات البضاعة قبل إقرار الدولار الجمركي، والثاني التهريب المستمر على الحدود.
ويؤكد عجاقة بأن المصرف المركزي سارع للتدخل للجم سعر الصرف الذي كان سيستمر بالتصاعد الى فوق الأربعين ألف ليرة لولا تدخل المركزي، لكن لم يعرف المعايير التي تدخل على أساها مصرف لبنان بهذا الاطار. إلا أن الخبير الاقتصادي ينبه الى أن المركزي لا يمكنه الاستمرار بسياسة لجم الدولار الى ماشاء الله، في ظل استنزاف احتياطاته وتهريب وارتفاع الطلب المستمر على الدولار.
وتكشف جهات اقتصادية لـ”أحوال” عن زيادة حجم الاستيراد بشكل لافت منذ أشهر قليلة لا سيما السيارات والأجهزة الكهربائية والالكترونية، حيث بلغ حجم الاستيراد منذ بداية العام حتى الشهرين الماضيين 8 مليار دولار منهم 800 مليون دولار سيارات. وهذا ما رفع الطلب على الدولار.
ويرى عجاقة الى أن التجار والمستوردين على أنواعهم استفادوا من الأزمة السياسية وتقلص حجم الاحتياط بمصرف لبنان في عمليات المضاربة والتلاعب بالدولار ورفع الأسعار السلع والمواد الغذائية والمحروقات.
و في هذا السياق تكشف جهات في السوق السوداء أن “تعليمة” وصلت الى الكثير من تجار الاستيراد والى كبار الصرافين مساء أمس للتخلص من الدولارات التي بحوزتهم قبل انخفاض الدولار، وذلك لتجنب خسارة كبيرة، ورغم ذلك فإن “التعليمة” لم تصل الى كل التجار والصرافين غير الشرعيين فتكبدوا خسائر فادحة.
لكن ما هي الأدوات والوسائل التي استخدمها المركزي للتدخل بسوق القطع لضبط الدولار؟
يوضح عجاقة أن المركزي يصدر تعاميمه وقراراته وفق القوانين أهمها قانون النقد والتسليف، وبالتالي المركزي ليس لاعباً مباشراً بالسوق السوداء، بل يتعامل وفق القانون مع الدولة والمصارف والصرافين من الفئة الأولى. وبالتالي ضخ المركزي كمية كبيرة من الدولارات في السوق لامتصاص الطلب المرتفع على الدولار وتلبية حاجات السوق ما أدى الى توازن في العرض والطلب وتراجع بسعر الدولار.
ووفق معلومات “أحوال” فإن التهريب الى سوريا تصاعد بشكل كبير في الآونة الأخيرة لا سيما السيارات والمحروقات والمواد الغذائية ما يحرم لبنان نصف الاستيراد وبالتالي خسارة كمية كبيرة من العملة الصعبة. وقد تحولت سوريا وفق المعلومات الى مركز لمافيات التهريب لتهريب البضاعة الى 4 دول عربية أخرى.
لكن لا يستطيع المصرف الاستمرار بضخ الدولار نظراً لتناقص الاحتياطات لديه، ويجب أن تتخذ الحكومة سلسلة إجراءات مالية واقتصادية لضبط سعر الصرف. لا سيما إقرار القوانين الإصلاحية كالموازنة والسرية المصرفية والكابيتال كونترول وإصلاح قطاع المصارف والتدقيق بحسابات مصرف لبنان.
ولا يمكن توقع مستقبل سعر الصرف في الأيام أو الأسابيع المقبلة كون الدولار يتأثر بجملة عوامل لا سيما العامل السياسي، والربط واضح بين الصعود الأخير للدولار وشد الحبال السياسية حول تأليف الحكومة وعمليات اقتحام المصارف من قبل المودعين وسلسلة الأحداث الأمنية التي سبقتها ورافقتها.
وليس محض صدفة تزامن انخفاض سعر الصرف مع أجواء تفاؤلية في ملفات ثلاث: تأليف الحكومة بعد تراجع رئيس الجمهورية ميشال عون والنائب جبران باسيل عن مطلب إضافة ستة وزراء على الحكومة مقابل تخلي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي عن شرط تسميته لوزيري المهجرين والاقتصاد والاتفاق على تعويم الحكومة الحالية مع بعض التعديلات الطفيفة في ثلاث أو أربع وزارات. وقد يكون تدخل مصرف لبنان للجم الدولار تعبير عن هذا المناخ الإيجابي وتمهيد الأجواء لتأليف الحكومة. والملف الثاني هبة الفيول الإيراني والذي إن وصل الى لبنان سيحل أزمة الكهرباء وبالتالي يخفض فاتورة استيراد الفيول وعجز الموازنة والخزينة. أما الملف الثالث فهو ارتفاع فرص التوصل الى اتفاق على ترسيم الحدود البحرية الجنوبية.
محمد حمية