نقابة المحررين بين الحقوق والوعود
كثيرة هي آمالُ الإعلاميين في لبنان، إلا أنّ أهمّها التمتّع ببيئة مهنيّة ملائمة، عنوانها الحريّة وديمومة العمل والأجر المادي المجزيّ؛ فأقلّ ما يستحقّه الإعلاميّ هو ما يُعادل الجهود والمخاطر المبذولة خلال مسيرة إعلامية ذات مواقف باهظة إنسانياً. لكنّ ظروف البلاد الموضوعيّة والمهنيّة والسياسيّة، وفوقها الطائفيّة، أعاقت أحلام الإعلاميين على الدوام، فظلّت التمنّيات أسيرة الواقع المأزوم، وأسيرة الجمود في أنظمة النقابة العريقة، على الرّغم من المكانة التي تمتّعت بها في البلاد.
وعود الرياشي
وقد انتظر الإعلاميون في عهد الوزير السابق ملحم رياشي تنفيذ التعديلات على قانون المطبوعات التي بادر إليها بمعيّة نقابة المحررين، باعتبارها مكاسب مهنيّة، وفق قول الوزير: “النقطة الأهمّ هي الحصانة النقابية، فلن يكون مسموحاً أن يتّصل أيّ مدعٍ عامٍ أو قاضي تحقيق بأيّ صحافيّ دون العودة إلى النقابة، وسيكون هناك صندوق تعاضد مهنيّ صحيّ وصندوق تقاعد، بالإضافة إلى قاعدة للتعاقد مع المحررين أو مع الإعلاميين بضمانه نقابة المحررين مع وضع حد أدنى لهذا التقاعد”.
لكن التعديلات يومها لم تسلك طريقها التنفيذي في مجلس النواب لاعتبارات مختلفة، ولم يُثر أحدٌ القضيّة بعد ذلك، في ظلّ تفاقم المشكلات محليّاً ودوليّاً، فيما المحرّرون مستمرّون في رفع صوت المطالبة بضماناتٍ ضروريّة في أسرع وقتٍ ممكن.
مطالب المحررين الدائمة
في السياق يُطالب الزميل نذير رضا بضرورة تنفيذ التعديلات القانونية المقترحة، مشدّداً على أن همّ الصحافي ذو ثلاثة مقوّمات هي: “الحصانة المهنيّة في مجال الحريات وسقوفها، وديمومة عمله في مواجهة الصرف التعسفيّ، وأعباء التقاعد حين يشيخ الصحافي ولا يجد معيناً غير ما ادّخره في سنوات نشاطه”، ويرى أن التحدّيات الثلاثة المشار إليها هي مسؤولية نقابة محرّري الصحافة في لبنان، ويُطالب بما نصّ عليه قانون المطبوعات الجديد بخصوص تحوّل النقابة إلى حصن مهنيّ وقانونيّ للإعلاميّ، حتى لا يتحوّل إلى هدفٍ سهل للتعقّبات والملاحقات على أنواعها ومستوياتها.
ولا ينسى رضا التحذير من خطورة الصرف التعسفيّ في حياة الصحافي، حيث لا يكلّف المؤسسة في هذه الأيام إلا القليل، بغضّ النظر عن سنوات الخدمة والانتماء إلى المؤسسة، ويُشدّد على أن المطلوب تعزيز الإجراءات الرادعة، خصوصاً عند الاستغناء عن خدمات المحرّرين واستخدام سواهم”.
التغيير المستحيل
الرغبة في احتضان نقابة المحرّرين جميع الإعلاميين وفق ما نصّ عليه قانون المطبوعات اللبناني، بالإضافة إلى رفض الجمود والاستئثار التاريخيّ بميزات النقابة، حرّكت الأفكار الثوريّة لدى الإعلاميين الشباب، فطرحوا للبحث أفكاراً لم تصل يوماً لتشكّل مشروعاً، فيما بقيت نقابة محرّري الصحافة اللبنانية هي الأصل والمرجع نقابيّاً ورمزياً.
وقد عايشنا تجربة مديدة كانت وعداً برفد النقابة الأم بالكوادر والأفكار، وهي تجربة جمعيّة خريجيّ كلية الإعلام، لكنّها كانت نسخة فاشلة من النُسخات النقابية، وتميّزت بجمود أشخاصها وأعمالها، على الرغم من انتقال بعض أعضائها إلى رحاب النقابة الأم ومجلسها دون بقيّة أهلّ المهنة، كأنّما الاتفاق بين الأطراف المعنيّة بالملف النقابيّ قائم على التّجميد إلى أجل غير مسمّى!
وأمام انسداد الأفق بوجه عموم الإعلاميين، بادر البعض منهم إلى تشكيل جمعيّة “العاملين في الإعلام المرئي والمسموع” عام 2012 بموجب ترخيص من وزارة العمل، وفتحت جدول الانتساب أمام جميع الإعلاميين العاملين في المرئيّ والمسموع”. لكنّها بقيت دون فعالية تُذكر.
النقيب القصيفي والواقعيّة
وسط الواقع المأزوم، يؤكد النقيب جوزيف القصيفي الفائز بولاية نقابة المحرّرين في نهاية عام 2018 أنّ أولويّته تقوم على متابعة مشروع القانون الذي تقدّمت به نقابة المحرّرين، بما يتضمّنه من تعديل أحكام قانون المطبوعات لكي يُصبح قانوناً نافذاً يوفّر فرصة الانتساب لآلاف الصحافيين. وبحسب القصيفي، فإنّ الأمر سيجدّد شباب النقابة ويُعيد الحياة إلى خلاياها في ظلّ الأزمة التي تعصف بالصحافة الورقيّة، ويقول:
“على الرّغم من أنّ نقابة المحررين تُصنّف ضمن عائلة نقابات المهن الحرّة، فإنّها تتميّز عنها باعتبارها تجمع بين المهنة الحرة، كونها مهنة جامعيّة، والنقابة العادية لأن المنتسبين إليها يخضعون لقانون العمل. وأهمية نقابة محرّري الصحافة اللبنانية أنها منشأة بقانون، وأن ما برز وشاع من هيئات، لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالإعلام، إنّما هي مجرّد جمعيّات استحصال على علم وخبر إما من وزارة الداخلية أو من وزارة العمل. إذن لا تجوز المقارنة”.
ويرى النقيب في مقارنة نقابة المحررين بسواها من النقابات ظلماً للنقابة: “المقارنة بين نقابة المحرّرين ونقابات المهن الحرّة التي تضمّ الواحدة منها ما يزيد عن السبعين ألف منتسب، حيث يدفع المنتسبون رسوم انتساب واشتراك عالية، توفر للنقابيين دخلاً محترماً، إضافة إلى الرسوم التي تُستوفى من رخص البناء، عدا عن أنّ المهنة هي مهنّة حرّة بالمطلق، ومفتوحة أمام الخرّيجين، بينما سوق العمل أمام خريجي الإعلام محصور، ما يمكننا من تفسير أن نسبة الفئات العمرية الشابة هي أكبر من تلك الموجودة في نقابتنا والتي نسعى إلى رفعها؛ ومع ذلك فإنّ نسبة تقديمات نقابة المحرّرين قياساً إلى إمكانياتها تُعتبر مقبولة”.
ويُشدّد القصيفي على دور “النقابة في مواكبة وضع المحرّرين بإمكانيّاتها المتواضعة، على الرغم من أن أبناء القطاع عددهم غير كبير، ويقارب عدد المنتسبين إلى النقابة في ظلّ القانون الحالي 1300 منتسب، منهم عدد من الممتنعين عن تسديد اشتراكاتهم”.
وفي مجال ديمومة العمل، يؤكّد القصيفي رفض النقابة الصرف التعسّفيّ، ويقول: “نحن ندعم جهود التوافق، إذا كان هناك مجال لذلك من خلال الحوار، لكنّنا في حال الخلاف نطالب بالحق الأقصى لصالح المحرّر. وقد تمكّنا في إحدى الحالات من الحصول على 12 شهراً تعويضاً لأحد الزملاء المصروفين، ومحامي النقابة جاهز لمتابعة كلّ الحالات وليقف إلى جانب الزملاء، كما حصل مع كثير من الزملاء في الفترة الأخيرة”.
وفي المجال الاجتماعي، يوضح النقيب: “نقوم بالمبلغ المجمّع لدينا بما يتناسب وقدرتنا في مجال المرض وبعض الأمور الطارئة؛ مثال ذلك مواكبتنا لانفجار مرفأ بيروت حين قمنا بالطلب إلى جميع الزملاء الذين تضرّروا بتعبئة ملفّات لتأمين مساهمات ضمن إمكانيّاتنا وقدراتنا”.
ويُضيف: “في الموضوع الصحي، ليس لدينا نظام منفصل عن تقديمات صندوق الضمان الاجتماعي، لكننا وقّعنا مذكّرة تفاهم مع صندوق تعاضد صحيّ اختياريّ لمواجهة أعباء المرض”.
ويُعلن القصيفي تجاوز النقابة “عائق الانتساب المقتصر على الصحافة المكتوبة ليشمل الإعلام التلفزيونيّ والإلكترونيّ” متوقّعاً توسّع “القاعدة النقابية وقدرة النقابة على توسيع مروحة التقديمات ومشاريعها، على قاعدة التكامل بين أجيال النقابة”، مضيفاً القول إنّ “المشروع الجديد للمطبوعات، وهو ثمرة تعاون بين النقابة والوزير، عمل على فك التّشابك القائم في النظام القديم بين نقابة المحرّرين ونقابة أصحاب الصحف”.
ويعترف النقيب بأنّ “الصحافة تمرّ في ظروف صعبة، والحوار هو الآلية الوحيدة التي نتمسّك بها، من دون توتّر أو إثارة وتسرّع، ما يحفظ التوازن وبلوغ الأمر أهدافه المطلوبة”.
ويبدي النقيب انفتاحه شخصياً وانفتاح النقابة على الخيارات التي تضمن حقوقاً وميزات للإعلاميين من قبيل الضمانات الصحية والاجتماعية والمالية، خصوصاً في مرحلة التقاعد، على الرغم من أن كل ذلك يبقى مرهوناً بتوسيع قاعدة النقابة وعناصرها البشرية وبتأمين الإيرادات”.
ويبقى رهان الإعلاميين على نقابة محرري الصحافة في لبنان بتاريخها العريق، وفق ما أكد وزير الإعلام السابق ملحم رياشي الذي عبّر عن فخره “بإطلاق التعاون والتكافل والتضامن مع نقابة المحررين بشكل جديد وحلّة وصورة تتلائم مع مستقبل الإعلاميين في لبنان”، فهي “نقابة عريقة في تاريخ لبنان، صنعت الرأي العام وحمت الحريّة، وسيبقى اسمها نقابة المحرّرين”.
طارق قبلان