سياسة

الممر الذي غيّر وجه السويداء: من الهامش إلى قلب الصراع

“كتب الدكتور هشام الاعور ” لأحداث الأخيرة التي شهدتها محافظة السويداء وضعت هذه المنطقة في واجهة المشهد السوري مجدداً. فالتظاهرات الشعبية التي اندلعت احتجاجاً على الفوضى الأمنية والتدهور المعيشي، وما رافقها من مواجهات بين الأهالي والمجموعات المسلحة، وتورط نظام احمد الشرع في المجزرة التي ارتكبت بحق الدروز في محافظة السويداء كشفت حجم الانسداد الذي يعيشه الجنوب السوري. ومع تفاقم الأوضاع، تحوّل الحديث عن “ممر إنساني” من بلدة حضر إلى محافظة السويداء وإدخال المساعدات والاغاثة إلى خيار مطروح بقوة، قبل أن يصبح اليوم واقعاً فعلياً بعد أن تم الاتفاق عليه برعاية أميركية – إسرائيلية، وبموافقة ضمنية من الأطراف المعنية.
تشير المعلومات المؤكدة إلى أنّ الشيخ موفق طريف نجح في تثبيت جميع المطالب التي عرضها على مبعوث الرئيس الأميركي توم براك، وهو ما انعكس مباشرة في تسريع التفاهم حول الممر. والأهم أنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب تابع شخصياً تفاصيل هذا الملف، مدفوعاً برغبة في تسجيل اختراق ميداني – سياسي يضمن لإدارته ورقة نفوذ في الجنوب السوري. أما إسرائيل، فقد وجدت في الممر فرصة استراتيجية لربط السويداء بها مباشرة، تحت غطاء “إنساني”، بما يحقق لها مكاسب أمنية وسياسية على حد سواء.
إعلان الممر كأمر واقع يعني أن السويداء لم تعد على هامش الصراع السوري، بل أصبحت مركزاً لإعادة صياغة التوازنات. فالمنطقة التي عانت طويلاً من التهميش والضغوط المعيشية، تحوّلت فجأة إلى نقطة تماس بين مشاريع دولية متنافسة. ومع أنّ الهدف المعلن للممر هو تخفيف معاناة الأهالي وكسر الحصار الاقتصادي، إلا أنّ البعد السياسي لا يمكن إغفاله: إنه خطوة على طريق إدماج السويداء في معادلة إقليمية جديدة تُدار من واشنطن وتل أبيب، مع مراقبة دقيقة من موسكو وباريس.
أما لبنان، فليس بعيداً عن هذا التطور. إذ إنّ الجبل الدرزي اللبناني يشكّل الامتداد الطبيعي لجبل العرب، وبالتالي فإن أي تغيير في وضع السويداء ينعكس بالضرورة على دروز لبنان، سواء على مستوى دورهم الداخلي أو موقعهم في التوازنات الإقليمية. وقد بات واضحاً أن القيادات الدرزية في لبنان تتابع التطورات بدقة، مدركة أنّ الممر الذي أُنجز في سوريا سيترك بصماته على الداخل اللبناني، وربما يفتح الباب أمام مقاربات جديدة لدور الطائفة في المستقبل.
السيناريوهات المحتملة:
السيناريو الإيجابي: أن يتحوّل الممر إلى شريان حياة فعلي، يخفف الضغط عن الأهالي ويعيد دمج السويداء في دورة اقتصادية أكثر استقراراً. هذا السيناريو يعزز وضع الدروز كمكوّن وازن في سوريا، وقد ينعكس إيجاباً على استقرار الجبل اللبناني عبر فتح آفاق سياسية واقتصادية جديدة.
السيناريو السلبي: أن يستغل الممر كأداة سياسية – أمنية، بحيث يتحوّل إلى مدخل لإعادة رسم خرائط السيطرة بما يخدم واشنطن وتل أبيب، ويثير حساسيات مكونات سورية أخرى، فيدفع بالسويداء نحو مزيد من العزلة والاتهام بالارتباط بمشاريع خارجية. في هذه الحال، قد يكون الممر مقدمة لصراع جديد بدلاً من أن يكون حلاً.
السيناريو المختلط: أن يؤدي الممر إلى مكاسب إنسانية واقتصادية ملموسة على المدى القريب، لكن مع بقاءه ورقة ضغط تفاوضية في يد القوى الدولية. أي أنّ السويداء ستستفيد نسبياً، لكن من دون أن تحسم موقعها الاستراتيجي، لتبقى رهينة تفاهمات مؤقتة قابلة للانقلاب في أي لحظة.
في كل الحالات، المؤكد أنّ السويداء دخلت مرحلة جديدة. فالممر لم يعد فكرة بل واقعاً، ومعه انتقلت المحافظة من دائرة التهميش إلى قلب لعبة الأمم، في توقيت حساس يربط مستقبلها بمستقبل التوازنات في سوريا ولبنان والإقليم بأسره.
**

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى