منوعات

قراءة في صندوق النقد الدولي والورقة الإصلاحية الفرنسية

“إنّ لبنان يشهد وضعاً اقتصادياً كارثياً بسبب عدم توفر الإرادة السياسية (….). التشرذم السياسي يغرق لبنان ويمنعه من الخروج من الأزمة”. المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا.

هناك شبه اتفاق من قبل السلطة الحاكمة في لبنان على أنّ المخرج الوحيد للبنان من أزمته هو عبر مساعدة صندوق النقد الدولي، ولكن تتغافل هذه القوى السياسية عن قصد أو عن سوء نية رأي الصندوق بأنّ الخلافات السياسية بين هذه القوى هي العائق الرئيسي للخروج من الأزمة، ويتشبثّ هؤلاء بالورقة الفرنسية لتدعيم هذا المسار؛ فما مآل إليه الوضعان الاقتصادي والمالي؟ وهل تحقق الإصلاحات الفرنسية المطلوب؟

تقرير صندوق النقد الدولي الأخير حول لبنان

الوضع الاقتصادي: أصدر صندوق النقد الدولي تقريراً منذ عدة أيام تحت عنوان “آفاق الاقتصاد العالمي” للعام 2020، توقع من خلاله انكماشاً في الناتج المحلي الإسمي للبنان بنسبة 25%، وتوقع أن تبلغ قيمة هذا الناتج 18.7 مليار دولارفي العام 2020 مقابل 52.5 مليار دولار في العام 2019، أي بخسارة شهرية للناتج المحلي بمتوسط 2.8 مليار دولار، وما لذلك من انعكاسات معيشية ونقدية خطيرة.

كذلك توقع ارتفاع معدل التضخم إلى 145% في العام 2020 بعد أن بلغ 7% في العام 2019. وبذلك يكون صندوق النقد قد عدّل من توقعاته في نيسان الماضي والذي توقع فيه أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي للبنان 12% في 2020، وسط أزمة مالية استنزفت العملة الصعبة بالبلد ودفعته للتخلّف عن سداد مدفوعات الدين العام بالدولار وإعلان تعثّره عن السداد. وفي إطار مراجعته الإقليمية لاقتصادات الشرق الأوسط وآسيا الوسطى للعام 2020، ذكّر تقرير أصدره الصندوق أنّ الناتج الإجمالي الحقيقي للبنان انكمش 6.5% في 2019؛ مع العلم أنّ معهد التمويل الدولي توقع أيضاً تعميق انكماش الاقتصاد اللبناني من 15% لعام 2020 إلى 24% خلال هذا العام، إذ إن البلاد تعاني بالفعل من أسوأ أزمة مالية واقتصادية منذ استقلالها عام 1943.

الوضع المالي: توقع الصندوق ارتفاع العجز المالي إلى الناتج المحلي من 10.5% عام 2019 إلى 16.5% في العام 2020 في ظل انخفاض كبير في الإيرادات العامة بسبب الأزمة الاقتصادية والسياسية الحادّة. وهو بذلك أيضاً يخالف توقعاته في تقريره الصادر الأربعاء 15 نيسان 2020  أنّ العجز المالي للحكومة سيصل إلى 15.3% في 2020. وإذا عدنا إلى الموازنة العامة، فإنّ تقديراتها أشارت إلى بلوغ العجز المالي 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشير الأرقام وفي ظل الأحوال العادية أنّ الإيرادات المحصلّة من وزارة المال كانت دائماً أدنى بـ11% من تقديرات الموازنة وفي 2019 كانت أدنى بـ14.2%، فكيف  الحال إذن في ظل الأوضاع المأزومة الحالية وترهلّ سلطة الدولة المركزية؟

الورقة الإصلاحية الفرنسية ناقصة

أمام هذا الواقع الأليم المنهار تم تصميغ آذاننا حول الورقة الإصلاحية الفرنسية في انتشال لبنان من حالة الانهيار. فهل هذه الورقة تحقق فعلياً ما نصبو إليه؟

بالعودة إلى مندرجات الخطة الفرنسية في شقها الاقتصادي، نجدها تتضمن ستة بنود إصلاحية وهي: قطاع الكهرباء، الرقابة المنظّمة لتحويل الرساميل (الكابيتال كونترول)، حوكمة وتنظيم قضائي ومالي، مكافحة الفساد والتهريب، إصلاح الشراء العام وأخيراً المالية العامة.

وهذه الإصلاحات لا تختلف عن كل الخطط الإصلاحية السابقة لا في عناوينها العامة ولا في جوهرها، ولا شك أنّها إصلاحات مهمة وتدفع بالاقتصاد اللبناني للنهوض إلى حدّ ما؛ ولكن ما يلفت الانتباه هو خلو الورقة الفرنسية من معالجة الخلل الأساسي الذي أوصلنا إلى الأزمة الحالية وهو طبيعة وخصائص الاقتصاد اللبناني القائم على الريع وعلى التحويلات الخارجية وضرورة تحويله إلى الاقتصاد الإنتاجي، ناهيك عن تضخّم القطاع المصرفي، دون أن ينعكس على تكبير حجم الاقتصاد بشكل متوازن.

وفي الشق المالي، جلّ ما اقترحته الورقة الفرنسية هو الإعداد والتصويت على مشروع قانون تصحيحي للمالية، يبيّن بشكل صادق وضع الحسابات للسنة 2020 وذلك في غضون شهر، وإعداد واعتماد ميزانية متجانسة لسنة 2021 (قبل نهاية عام 2020)، وبالتالي لم تقترح الإصلاحات في كيفية معالجة هذا الخلل في المالية العامة مع أنّ الورقة تذهب باتجاه صندوق النقد الدولي وتالياً بالإجراءات التقشفية والضرائب والرسوم المقترحة والتي سيتحمل المواطن كلفتها الأساسية؛ فضلاً عن أن الورقة لم تذكر لا من قريب ولا من بعيد ضرورة إجراء قطع حسابات السنوات السابقة وهو بداية إصلاح المالية العامة ومكافحة الفساد.

والأهم من ذلك كله، لم تجب الورقة الفرنسية على مسألة أساسية وهي وضع القطاع المصرفي وكيفية هيكلته وهي مرتبطة بالدرجة الأولى بهموم الناس الحالية وحقوقهم في استعادة ودائعهم بالدولار، وفي ضخّ القروض والسيولة في الماكينة الاقتصادية وخاصة في القطاعات الإنتاجية لزياد نمو الناتج المحلي.

ومن نواقص الورقة الفرنسية، مقاربتها للنظام الأمثل لسعر صرف الليرة اللبنانية في المرحلة المقبلة، و في كيفية هيكلة الدين العام. ومع كل ذلك، فإنّ هذه الإصلاحات يُبنى عليها لانطلاق قطار الإصلاح، ولكن العبرة في التنفيذ لأنّ التجارب التاريخية مع هذه الطبقة الحاكمة لم تكن مشجعة في هذه المجالات.
في استقراء المؤشرات أعلاه يتبين لنا مأساوية وكارثية الأزمة التي نعيشها وتداعياتها الاجتماعية والمعيشية، الأمر الذي يتطلب المعالجة السريعة وهي سياسية بامتياز تبدأ بحكومة فاعلة جامعة تتضمن أخصائيين وتبثّ الروح والثقة من جديد.

د.أيمن عمر

أيمن عمر

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية والسياسية محاضر في كلية العلوم الاقتصادية وإدارة الأعمال في الجامعة اللبنانية له العديد من الأبحاث والمؤلفا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى