تختلف مواقف الدول داخل أروقة الأمم المتحدة بشأن التدابير الاقتصادية الانفرادية، حيث تعرب بعض الدول عن قبول هذه التدابير في ظروف معينة، في حين تعرب دول أخرى عن عدم موافقتها على فرض التدابير الاقتصادية الانفرادية، وتعتبرها وسيلة للقسر السياسي والاقتصادي ضد العديد من البلدان ومن ضمنها سوريا. وترى أن هذه التدابير تتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة ومعايير القانون الدولي والنظام التجاري المتعدد الأطراف. وأعربت هذه الدول الأعضاء عن القلق إزاء ما يترتب على التدابير الانفرادية من آثار ضارة في التنمية المستدامة للبلدان المتضررة.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت قراراً حثّت من خلاله المجتمع الدولي على اتخاذ تدابير عاجلة وفعالة لوضع حد لاستخدام التدابير الاقتصادية القسرية الانفرادية، وتقدمت بطلب للأمين العام للأمم المتحدة لمواصلة رصد ما يُفرض من هذه التدابير وأن يدرس أثرها الاقتصادي في البلدان المتضررة.
خضعت سوريا لسنوات عديدة، وحتى الآن، لأشكال متعددة من التدابير القسرية الانفرادية، ولا سيما العقوبات الاقتصادية والمالية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض البلدان الغربية الأخرى، منها المملكة المتحدة والنرويج وأستراليا وكندا، وكذلك جامعة الدول العربية، وكان أشدها تأثيراً ووقعاً سلبياً على القطاعات الاقتصادية السورية “قانون قيصر” الذي بموجبه تم فرض حصار اقتصادي كامل على سوريا وشعبها، وذلك منعاً لإعادة البناء.
وترى اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا أن فرض تدابير انفرادية على سوريا، ولبنان، وليبيا، واليمن يضر بالنتائج الإنمائية لهذه البلدان ويؤثر سلبا على حقوق الإنسان ويؤدي إلى وقوع أزمات إنسانية. وفي حين أن التدابير المتخذة في حالات لبنان وليبيا واليمن تستهدف أساسا أفرادا ومؤسسات وجماعات معينة، فإن التدابير المتخذة ضد سوريا ذات طابع شامل، وتستهدف العديد من جوانب الحياة. وتضر هذه الإجراءات بصورة غير متناسبة بالفئات الأكثر ضعفاً في المجتمع. وتعتبر هذه التدابير بمثابة تهديدات للمبادئ الرئيسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، وعلى الأخص الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالتشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة وشاملة للجميع، وإتاحة إمكانية الوصول إلى العدالة، وبناء مؤسسات خاضعة للمساءلة.
ومدد الاتحاد الأوروبي تدابيره القسرية الانفرادية ضد سوريا لمدة عام إضافي في 1 حزيران 2021، ولجأت أيضا الولايات المتحدة إلى تعزيز وتشديد تدابيرها القسرية الانفرادية ضد سوريا، من خلال تنفيذ ما يسمى بقانون قيصر في حزيران 2020 لمدة خمس سنوات، بغية فرض حصار اقتصادي كامل على سوريا وشعبها لعرقلة جهود الحكومة لإعادة البناء.
وفي عدة رسائل موجهة إلى الأمين العام ورئيس مجلس الأمن أعلن الممثل الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة ان التدابير الانفرادية على سوريا وشعبها استهدفت الخدمات والقطاعات الحيوية بشكل مباشر مثل الوقود وإمدادات النفط، وقطاع الطاقة، والنقل، والاتصالات والتكنولوجيا، والكهرباء، وصيانة وتأهيل المعدات الصحية اللازمة لتوفير الخدمات الصحية الحيوية، خاصة في ضوء انتشار جائحة كوفيد-19 التي كانت سوريا الأكثر تضررا منها بسبب عجزها عن استيراد احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الاحتياجات الطبية.
القطاع المالي والاقتصادي
أدى اللجوء إلى فرض تدابير قسرية من جانب سلطات الاتحاد الأوروبي وسلطات الولايات المتحدة (مجلس الاتحاد الأوروبي، ومكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة في الولايات المتحدة)، واستهداف القطاع المصرفي، ولا سيما المصرف المركزي السوري والبنك التجاري السوري، وتجميد الأصول المالية والمصرفية في الخارج، إلى تقويض قدرة سوريا على تمويل شراء الاحتياجات الأساسية والحيوية من خلال خلق صعوبات إضافية تؤثر على قدرة البلدان على توريد السلع الأساسية وزيادة أسعارها وتكاليف النقل، وتدفعها في كثير من الأحيان إلى إلغاء عقود التوريد المبرمة أو الامتناع عن بيع المواد إلى الشركات والمؤسسات في سوريا خوفا من التعرض للعقوبات بسبب تعاملها مع تلك الشركات أو المؤسسات.
وعلاوة على ذلك، تسببت هذه التدابير في خسائر غير مباشرة للاقتصاد الوطني في عام 2019 بلغت 69 بليون دولار، وفي عجزٍ في الميزانية العامة، ومعدلات سلبية للنمو الاقتصادي شملت جميع القطاعات وأدت إلى انخفاض كبير في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي وانخفاض في حجم التجارة وزيادة في معدل التضخم إلى مستويات غير مسبوقة.
قطاع الطاقة
أدت التدابير التي أثرت على قطاع الكهرباء إلى إلحاق أضرار جسيمة بالقطاعات الحيوية والخدمات الأساسية الأخرى وتدهور الحالة الإنسانية للمواطنين، مما انعكس سلبا على حياتهم اليومية، بما في ذلك الحاجة إلى الكهرباء للدراسة والتعليم، وتوفير الرعاية الطبية اللازمة وتشغيل المعدات الحيوية في المرافق الصحية، مثل حاضنات الأطفال لحديثي الولادة. وبالإضافة إلى ذلك، أثر نقص الكهرباء على تشغيل محطات ضخ المياه للشرب والاستخدام المنزلي وللري، مما انعكس سلبا على جودة المياه وأدى إلى انتشار العديد من الأمراض بسبب استخدام مياه ملوثة. وعلاوة على ذلك، نجمت الخسائر التي لحقت بالاقتصاد الوطني عن حرمان القطاعين الصناعي والخدمي من مصادر الطاقة، ولا سيما الكهرباء، بسبب فرض تدابير قسرية انفرادية على هذا القطاع الحيوي، وامتناع الشركات الدولية عن المشاركة في العطاءات لتنفيذ محطات توليد جديدة أو المشاركة في إصلاح محطات توليد الطاقة المتضررة. وبالإضافة إلى عدم القدرة على الاستفادة من مشاريع الطاقة المتجددة، حيث امتنعت العديد من الشركات عن تمويل هذه المشاريع وتوريد وبناء ونقل المحطات المتخصصة نتيجة لهذه التدابير، وصعوبة استيراد الوقود اللازم لتشغيل محطات توليد الطاقة، فإن تزايد الطلب على قطاع الكهرباء للأغراض المنزلية أدى إلى أضرار كبيرة بمختلف عناصر شبكات نقل وتوزيع الكهرباء.
القطاع الصحي
حدَّت التدابير القسرية الانفرادية من إمكانية توفير الأدوية الحيوية والمناعية، وأدوية الأورام، ومشتقات الدم، والأجهزة الطبية وقطع الغيار، والمعدات ذات الصلة بالصحة، مثل التصوير بالرنين المغناطيسي ومعدات التشخيص عالية الدقة، وسيارات الإسعاف والعيادات المتنقلة وخطوط الإنتاج للصناعات الصيدلانية، مما خلّف أثرا سلبيا للغاية على الرعاية الصحية وخدمات المستشفيات، وأدى إلى تعطيل قدرة المستشفيات والمراكز الطبية على تقديم خدماتها بالفعالية المطلوبة وتوفير الرعاية الطبية اللازمة والمناسبة لمرضى كوفيد-19.
قطاع النقل
أدت الإجراءات القسرية الانفرادية المفروضة على قطاع النقل إلى صعوبة الحصول على السفن أو الطائرات أو ناقلات الشحن للبضائع السورية، وتسبب التأخير في توريد المواد اللازمة إلى سوريا في جميع القطاعات، وخاصة القطاعات الحيوية، وارتفاع تكاليف نقلها إلى زيادات في الأسعار وأحيانا إلى إلغاء عقود التوريد. وعلاوة على ذلك، أدى عدم تغطية العديد من شركات التأمين الدولية للنقل إلى سوريا إلى تراجع الواردات، بما في ذلك المواد الغذائية الأساسية، بشكل يهدد الأمن الغذائي ويؤثر على القطاع الزراعي والقدرة على توفير السلع الأساسية، مثل تركيبات حليب الرضع، والأرز، والزنك، والسكر، والبذور الزراعية، والأعلاف، والزيوت، والدهون النباتية الخام.
قطاع التعليم
أدت آثار التدابير القسرية الانفرادية إلى فشل بعض المشاريع المتعلقة بالمباني المدرسية، وإلى تقليل فرص التبادل الثقافي والعلمي، ونقص أو عدم توافر المعدات المختبرية والحاسوبية والمكتبية اللازمة للعمليات التعليمية والبحثية. وعلى الرغم من استمرار الحكومة السورية في توفير احتياجات العملية التعليمية، فإنها اقتصرت على الأساسيات مثل الكتب المدرسية واللوازم الأساسية، بسبب الوضع الاقتصادي.
تيما العشعوش