جهنم النقد: ارتفاع طباعة الليرة اللبنانية 303%
لبنان ثالث أعلى دولة تعاني من تضخّم مفرط بعد فنزويلا وزمبابوي
المصرف المركزي والسلطة السياسيّة استسهلا مواجهة الأزمة المالية والاقتصاديةً، بالاعتماد على التوسّع في طباعة العملة للتعامل مع أزمة فقدان شح الدولار. فارتفعت عملية طباعة الليرة اللبنانية 303%.
وبتدرج متهور مع كل طباعة سُجِّل انهيار سعر الليرة وارتفع التضخم والبطالة! مع العلم أن إيقاف طباعة الليرة وتعديل ميزان المدفوعات السلبي، بحسب الخبراء الماليين، يمكن أن يخفّضا سعر صرف الدولار إلى أقل من 7 آلاف ليرة.
ورغم التضخم الشديد يأتي اختراع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لمنصة “صيرفة” لتسعير الدولار وتحديده سعر سحري 12000 ليبيد التوقعات بتخفيف الكتلة النقدية اللبنانية في السوق اللبناني ويقضي بالتالي على أي إصلاح يفترض الذهاب باتجاه ضبط القدرة على طباعة الليرة.
وعلى الرغم من تضخّم الكتلة النقدية المتداولة خارج مصرف لبنان، تؤكد المعلومات أن طبع الأوراق النقدية سيستمر في المرحلة المقبلة بمعزل عن أي إجراءات سيتّخذها المصرف، وذلك لأسباب عدة أبرزها استمرار المصارف بضخ الليرات في السوق من خلال تمويل السحوبات النقديّة باللّيرة من الودائع المقومة بالعملات الأجنبية، واستمرار المصرف بخلق النقد لإقراض الدولة وتمويل عجز الموازنة العامة. وقد بلغ لغاية شهر آب الماضي 2.53 مليار دولار، أي بمعدّل سنوي يقارب 3.8 مليار دولار. إضافة إلى خلق النقد لإقراض الدولة من أجل سداد مستحقاتها للمصارف بالعملة المحلية. وبلغت قيمة الأموال التي أقرضها مصرف لبنان للدولة لهذه الغاية 2.77 مليار دولار في عام 2020.
في هذا الوقت يستمر تغوّل السوق التجاري وأسعار السلع والخدمات تتصاعد بشكل جنوني. وبحسب إدارة الإحصاء المركزي، سجل مؤشر أسعار الاستهلاك لشهر آذار 2021 ارتفاعاً نسبته 157.86 في المئة (كان 145 في المئة في شباط 2021) مقارنة بآذار 2020. كما سجل تضخم الأسعار خلال الفصل الأول من هذا العام 16.5 في المئة.
وقد بلغ الأمر إلى حدّ التحذير من مستوى التضخم المفرط أو ما يعرف بـhyperinflation وهو أحد أنواع التضخم الذي يحدث نتيجة زيادة عرض النقد في السوق، والتي يبلغ فيها معدل الزيادة في الأسعار عن 50 في المئة شهرياً.
خلال اجتماع الكتروني مع أعضاء لجنة الاقتصاد والتجارة والصناعة والتخطيط النيابية، منذ شهرين، حذّر الخبير المالي المختص في الاقتصاد التطبيقي applied economy في جامعة جون هوبكنز البروفسور ستيف هانكي، من أن تضخّم الأسعار في لبنان بلغ 319 في المئة وسطياً عام 2020، ما يدفعه إلى تصنيف لبنان على لائحة الدول التي تعاني التضخّم المفرط، لا بل إنه يصنّف لبنان ثالث أعلى دولة تعاني من تضخّم مفرط بعد فنزويلا وزمبابوي.
ومع ازدياد الكتلة النقدية في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2021 بلغ لبنان مرحلة التضخم المفرط بسبب الزيادة الكبيرة في المعروض من النقود المتداولة التي يضخها المصرف المركزي لدفع الرواتب والنفقات الأساسية الأخرى.
قيود قانون “النقد والتسليف” واضحة بالنسبة لطباعة النقد اللبنانية. وتلزم المادة 69 المصرف المركزي بتغطية ما لا يقل عن 50 في المئة من النقد الوطني بموجودات من الذهب واحتياطي العملات الأجنبية التي تضمن سلامة تغطية النقد اللبناني بنحو 30 في المئة من قيمة النقد الذي أصدره وقيمة ودائعه تحت الطلب، إلا أن الاتساع الهائل في الفجوة المالية بين طلب السوق اللبنانية المقدرة شهرياً بنحو 600 مليون دولار لتغطية الاستهلاك المحلي، مقابل العرض الذي لا يتجاوز 120 مليون دولار، دفع باتجاه طباعة أطنان من العملات الورقية بالليرة اللبنانية دون اعتبار لتبعاتها الاقتصادية وتأثيراتها السلبية على المواطن.
قفزت قيمة النقد المصدّر بنسبة 399.67 في المئة منذ تشرين الأول 2019، من 7 آلاف و305 مليارات ليرة إلى 36 ألفاً و502 ملياري ليرة في نهاية آذار 2021.
وبحسب البيانات المصرفية، بلغت الودائع تحت الطلب 39 ألفاً و812 مليار ليرة في نهاية آذار 2021. وإذا ما أضيفت إلى النقد في التداول في الفترة المذكورة، فهي تصل إلى حوالي 76 ألفاً و315 مليار ليرة.
في المقابل، يملك مصرف لبنان حالياً ما مجموعه 16.7 مليار دولار (25 ألفاً و253 مليار ليرة) كاحتياطي من العملات الأجنبية. وهي مبالغ تتناقص شهرياً نتيجة دعم سلع أساسية مقابل غياب التدفقات من العملات. في أيار من العام الماضي، كانت هذه الاحتياطات تبلغ 34.2 مليار دولار لكنها تراجعت بشكل متتالي لتصل نسبتها 37.3 في المئة أو ما قيمته 12.7 مليار دولار.
على الرغم من هول الكارثة المالية، لا تزال الدولة اللبنانية بكافة مؤسساتها تتصرّف وكأن شيئاً لم يكن، وتستمر بدفع الرواتب والأجور، بواسطة طباعة العملة من جانب المصرف المركزي وليس من خزينتها، ولا خطّة واضحة لكيفية الخروج من النفق المظلم.
تبريرات المصرف المركزي لهذه الكميات الكبيرة من العملة الوطنية، هو التزامه بسد الفجوة المالية في موازنة الدولة بموجب قانون “النقد والتسليف”، بحيث أن الدولة تحتاج شهرياً إلى ألف و300 مليار ليرة مصاريف ورواتب لموظفي القطاع العام، في وقت تشهد واردات الخزينة منذ نهاية عام 2019 تراجعاً حاداً. وبحسب مصادره أن المصرف المركزي يتولى دفع ثمن عجز الدولة وتأمين رواتب 39 في المئة من القوى العاملة، وهم موظفو القطاع العام والقطاعات الأمنية والعسكرية.
لكن تبريرات المصرف المركزي في شأن طباعة الليرة بأنها تهدف إلى حماية المواطنين وتأمين السيولة، ليس لها معايير اقتصادية صحيّة، بل على العكس فإن طباعة الأوراق النقدية تعد مؤشراً على مواصلة مسار زيادة مستوى التضخم المفرط أساساً، والانهيار الإضافي في قيمة العملة الوطنية ودخول جهنم نقدية تحتاج لعقد من الزمن للتعافي منها.
رانيا برو