حقوق

اليوم العالمي للمرأة: حقوق مسلوبة ونضال مستمر

يصادف الثامن من اذار من كل عام اليوم العالمي للمرأة. يخرج النساء في هذه المناسبة للمطالبة بالحقوق المسلوبة والمساواة بين الجنسين في ظروف صعبة، من حالات العنف والتمييز ضد النساء بل والقتل والجرائم المرتكبة بحق النساء والتي تزداد يوم بعد يوم في ظل دولة تعاني من ازمة اقتصادية ونقدية غير مسبوقة وتشريعات لا تزال تمييز النساء بما يخالف اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو).
التمييز بحق النساء ليس بجديد في لبنان ويظهر بتشريعات تشوبها الشوائب، فالإعتماد على 15 قانون للأحوال الشخصية يوسع حقل اللاعدالة وخاصة بإختلاف هذه القوانين بين الطوائف وإعتمادها على تشريعات طائفية تحرم النساء من الحماية ويجعلهن تتعرضن للعنف بشتى أنواعه من جسدي الى معنوي واقتصادي.
في ظل ازدياد حالات العنف الممارس على النساء في فترة الحجر المنزلي ظهر يصيص أمل غير مكتمل في هذا العام هو تعديل قانون حماية النساء وأفراد الأسرة من العنف الأسري والذي بالرغم من حسناته والضرورة له الا أنه شابه بعض السلبيات التي أثرت على شي من الجوهر.
ابرز الايجابيات التي شملها الإقتراح اعتبار “الطليق” من الأسرة ما يجعل ضرب الطليق لطليقته يدخل ضمن الحماية المعطاة من هذا القانون، الا أن اللجنة النيابية رفضت هذا التحديث الضروري ليبقى العنف قائم اذا وقع أثناء العلاقة الزوجية أو بسببها ليحرم النساء من الحماية بعد الطلاق وخاصة أن الكثير من حالات العنف تحصل من قبل الطليق بحق طليقته.
بمعنى اخر لا يزال تعريف العنف الأسري ضيق فبذلك يوحي أنه يشمل فقط “العنف الزوجي”. بذلك يكون تعريف العنف الأسري في القانون اللبناني لا يرتقي للتعريف المعتمد دولياً. يذكر ايضاً رفض اللجنة اخضاع المعنف لدورات تأهيل واعداد نفسي واكتفت بالشق العقابي الذي سيؤدي الى اجرام المعنف أكثر بعد انتهاء فترة العقاب، فلا بد بعد تقضية العقوبة أو خلالها ان يخضع المعنف الى جلسات اعادة تأهيل لتخفيف ردود فعله بعد الخروج من السجن. كما لم يشمل مفهوم “سوء استعمال السلطة داخل الأسرة بالقوة الجسدية أو غيرها” فلم يكبح سلطة المعنف، فالرجل في مجتمعاتنا هو الطرف الأقوى في العلاقات لإعتبارات تاريخية ذكورية وموروثات ما يجعله يستثمر هذا النفوذ لفرض أمور قد لا ترغب النساء بها ويستعمل بهذا الفرض شتى الوسائل العنفية وغير العنفية للوصول الى مبتغاه فالقانون الجديد لم يحمي النساء من هذه الواقعة. في المقابل هناك بعض الجوانب الايجابية في هذا القانون فهو شمل الأطفال والطفلات حتى 13 سنة بتدابير الحماية بعدما كان يشمل فقط من هم في سن الحضانة المعتمدة من قبل المحاكم الروحية والشرعية والتي قد تكون بعض الأحيان سنتان ما قد يحرم الأطفال الأخريين من الحماية.أضف لها تشديد العقوبة على مخالفة قرار الحماية كما وتنفيذ هذا القرار من النيابية العامة بعدما كان يفتقد القانون القديم هذه الخاصية. ولكن تبقى النقطة الأهم في هذا القانون هو تجريم كل من العنف المعنوي والإقتصادي إضافة الى الجسدي الذي كان هو فقط العنف الذي يشمله قانون 2014.
لم يقم لبنان ببادرة حسن نية لتحقيق العدالة والمساواة بين الجنسين اذ ضرب بعرض الحائط المواثيق الدولية. فلبنان بالرغم من توقيعه ومصادقته على “اتفاقية سيداو” لالغاء كافة اشكال التمييز ضد المرأة من خلال قانون رقم 572 تاريخ 24-7-1996 الا أنه لم يوافق على جوهر هذه الإتفاقية الدولية وأبدى تحفظاته على منح الجنسية لأسرتها في حال زواج النساء من أجنبي فإبن وابنة المرأة اللبنانية المتزوجة من أجنبي لا يحق لهم/ن الجنسية اللبنانية لإعتبارات غير حقوقية بل وعنصرية وبحجج واهية. كما تحفظ لبنان على مبدأ المساواة بالحقوق والمسؤوليات المتساوية اثناء الزواج وعند فسخه، بالاضافة الى بند عرض الخلافات بين الدول حول تفسير او تطبيق الاتفاقية على محكمة العدل الدولية لتبقي الدولة نفسها بمأمن من أي مطالبة دولية بإنفاذ هذه الإتفاقية بكاملها أو عرض تحفظات لبنان على المحاكم الدولية. ليبقى الغائب الأكبر هو قانون أحوال شخصية مدنية موحد متحرر من سلطة الطوائف والمذاهب.
لا يزال ينقص مسار العدالة الكثير، فهناك نصوص قانونية يجب أن تطبق من رأس الهرم وصولاً للموظفين العامين من ظابطة عدلية وغيرها. ويتوجب تطوير فكر القضاة الى فكر جندري يساوي بالحقوق بين الجنسين للعمل على صون الحقوق والمساواة والحماية.

بهاء مرشاد

مجاز في الحقوق من الجامعة اللبنانية، باحث في القانون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى