منوعات

استعدادٌ دولي لتعبيد الطريق إلى سوريا

يُبدي المطّلعون على مسار الأزمة السورية حذرًا مما تحمله معها الإدارة الأميركية الجديدة من سياسات حيال الإقليم: هل ستدفع الساحات في المنطقة باتّجاه مزيد من التأزيم؟ يستند هؤلاء إلى محطّات سابقة، كانت خلالها الولايات المتحدة الأميركية تلعب أدوارًا سلبية، خصوصًا في سوريا، عبر دعم جماعات مسلّحة بطرق غير مباشرة، أو إجهاض خطوات الدولة السورية التي كانت تحارب تلك الجماعات الإرهابية والانفصالية. يومها كانت واشنطن تتذرّع بحماية مشروع  المعارضة السورية التي بعثرت أوراقها خلال السنوات الماضية: أين “المجلس الإنتقالي”؟ أين المنصّات؟ غابت كل أنواع المعارضات المدنية، وحلّت مكانها مجموعات مسلحة انحصرت بشكل رئيسي بين تنظيم “القاعدة” بواجهة “جبهة النصرة” التي تتبناها أنقره وتساندها في شمال سوريا، وبين تنظيم “داعش” الذي عاد للانتعاش بعد خروجه من “الملاذات الآمنة” وعودة نشاطه في العراق وسوريا عبر عمليات انتحارية.

لا علاقة للأميركيين بعودة النشاط الإرهابي في “سوراقيا”، لا الإدارة الجديدة -عمادها “الدولة العميقة”-، ولا الإدارة التي رحلت مع دونالد ترامب للتفرّغ إلى مقارعة “المؤسسة الحاكمة” في داخل الولايات المتحدة. هنا يمكن الجزم أن قرار إنعاش “داعش” يرتبط بشأن التنظيم الداخلي، حيث تريد أن تثبّت القيادة الجديدة نفسها في إدارة تنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”. يُمكن العودة إلى ستة أشهر مضت، كانت فيها بوادر الانتعاش المُشار إليه تتزايد، بعد تولّي “ابو ابراهيم” زمام القيادة في التنظيم الإرهابي.

بجميع الأحوال، قد تتخذّ “الدولة العميقة” في واشنطن محطة انتعاش “داعش” سوريًّا وعراقيًا، حجّة لإبقاء القبضة العسكرية الأميركية في شرق سوريا، بعد أن كانت باشرت إدارة ترامب الراحلة سحب الجنود الأميركيين من مواقع عدة في الإقليم. لكن هذا البقاء لا يكفي وحده، ولا يخدم سياسات واشنطن في الخارج، بعدما أظهرت تعيينات جو بايدن أنّه يريد اعتماد سياسات دبلوماسية بدءًا من الملف الإيراني، مرورًا بالسوري وما بينهما في العراق وكل الإقليم.

لم تعد الولايات المتحدة هي ذاتها عام 2011، ولا عام 2015، تغيّرت موازينها الداخلية بعد اهتزازات أحدثها ترامب، تفرض تفرّغ الحزبين “الديمقراطي” و “الجمهوري” لأحوال الولايات، بعد أن كاد يفرض الرئيس السابق حالة شعبية ترامبية سيحاول تكريسها في حزب أميركي جديد غير تقليدي.

من هنا، تبرز أسئلة عن حجم الاهتمام الأميركي بالإقليم: هل تبقى الحروب العسكرية المكلفة واردة؟ هل هناك شعبية أميركية لمناخات التوتر، أم لفرض تسويات وصفقات تجرّ معها مكاسب مالية ومن دون دفع تكاليف باهظة بشرية ومادية؟ يبدو أنّ الأميركيين في “المؤسسة الحاكمة” بدأوا يجهّزون منذ ما قبل استلام بايدن السلطة للدخول في صفقات عالمية، أساسها إعادة الود مع الصين، ومحاولة تقليم الأظافر الروسية، وعقد اتفاقية مع إيران. يُصادف أنّ الساحة السورية هي في قلب الإقليم، حيث تتواجد المصالح الروسية والنفوذ الإيراني معًا. هناك كلام أميركي بدأ يتردّد عن ضرورة مهادنة سوريا، “لأن حصارها وفرض العقوبات الاقتصادية عليها زادها ارتماءً في الحضنين الروسي والإيراني”. لذا، فإن سوريا هي في مقدمة الاهتمامات الأميركية. ومن هنا تتعالى الأصوات الأميركية لتخفيف العقوبات عن دمشق، تحت عنوان إنساني، كان آخرها ما كتبه الدبلوماسي الاميركي جيفري فيلتمان، بالتزامن مع تسليم العواصم الدولية بوجوب بقاء الرئيس السوري بشار الأسد رئيسًا للجمهورية العربية السورية. لا يعني ذلك أن واشنطن قرّرت فتح صفحة جديدة مع السوريين من دون أي شروط. لكن الاستعداد الدّولي بدأ لتعبيد الطريق إلى دمشق.

واذا كانت إسرائيل تحاول أن تفرض تسوية دولية تضمن فيها بقاء الحدود السورية الجنوبية خارج المخاطر الاستراتيجية، فإنّ تركيا ستحاول إجهاض أي مشروع يعيد الاستقرار إلى سوريا. سيحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يمنع إعادة المناطق الشمالية إلى حضن الدولة السورية: على الأقل يرغب أن يكون لاعبًا في الانتخابات السورية عبر النازحين المحتجزين من قبله في مخيّمات في المناطق الحدودية، قرب تركيا. وإذا كان الأميركيون يريدون ضرب أردوغان على يديه، فإنّ المهمّة تبدأ من سوريا التي يضرب الرئيس التركي وحدتها الجغرافية والديمغرافية، ويسرق خيراتها، فيما لا يزال العرب غائبين عن دمشق: ستجد العواصم العربية نفسها تقف خلف دولة الإمارات التي كانت أعادت افتتاح سفارتها في سوريا. تستطيع الإمارات أن تُسمع صوتها بشأن دمشق، للعرب والغرب، خصوصًا أنّ أنقره تسعى لإحباط أيّ دور عربي بنّاء يعيد المجد للعرب انطلاقًا من الشام.

 

عباس ضاهر

عباس ضاهر

كاتب وصحافي لبناني. باحث متخصص بإدارة الأزمات والخطاب السياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى