العمل في محطات الوقود وظيفة اللبناني الجديدة
لطالما ارتبط العمل في محطات الوقود باليّد العاملة الأجنبية، في وقت قلّة قليلة من اللبنانيين كانوا يقدمون على هذا العمل؛ إنّما بظلّ ما فرضته جائحة كورونا من بطالة عالمية، وركود إقتصاديٍّ كونيّ، وإقفال مصالح، وإفلاس شركات، وإنهيار قطاعات اقتصادية، وجد الشباب اللبنانيّ أن أحد منافذه ليتنفس معيشيًّا قبل أن يلفظ أنفاسه اقتصاديًّا هو العمل على محطات الوقود. موقع “أحوال” ينقل تجربة بعض الشبّان العاملين مؤخرًا في هذا المجال، كما يستعرض رأي أهل الاختصاص من الناحية الاجتماعية، بظلّ اتهامات تطال اللبناني بالعنصرية والفوقية. فهل اللبناني فعلاً عنصري وطبقي لناحية الوظيفة؟
شربل: العمل للعِلم
يلخّص الشاب شربل، طالب سنة أولى هندسة ميكانيكية، تجربته في العمل على محطة وقود بالقول: “لا أتوّقف عن العمل كي لا أتوّقف عن العلِم”. ويتابع، “آخر ما كنت أفكر به هو العمل على محطة البنزين، لطالما كنت الزبون الملك وأترك “البخشيش” للعمّال؛ أما اليوم فأنا أصبحت الموظف الذي ينتظر “البخشيش”، بالإضافة إلى الراتب كي أكمل مصاريفي الجامعية، بعدما أغلق المطعم حيث كنت أعمل أبوابه.
روني الهارب من البطالة
حالة مشابهة مع روني، الذي يختصر ظروفه قائلاً: “أصبحت أعمل في هذه المحطة منذ شهرين، عندما فقدت الأمل بالعودة إلى متجر الألبسة حيث عملت لمدة ثلاث سنوات؛ ويكمل متنهدًا: “العمل في المحطة صعب ولكن الأصعب منه المكوث في المنزل، ومراقبة عقارب الساعة ليمرّ الوقت دون منفعة.”
ويختم روني حديثه مشددًا على ضرورة العمل في أي مجالٍ وعدم الرضوخ لآفة البطالة وآثارها على الفرد والمجتمع.
المحطة تستر وجه منصور
وضع شربل وروني لا يختلف عن وضع منصور، الأبّ لولدين وسائق سابق لسيارة الأجرة، والذي نجا من حادث سير دون أن ينجو وضعه المادي من الإنهيار.
ويشكو منصور همّه لـ “أحوال”: بعدما كنت أمرّ يوميًّا على هذه المحطة و “أفوّل” تاركًا “البخشيش”، أصبحت أنا اليوم من ينتظر البخشيش لأعيل عائلتي”؛ ويتابع، “العمل على محطة الوقود أفضل من البطالة، فلدي عائلة وديوني كثيرة.”
عبدو: العمل ليس عيباً
قصة عبدو النازح من الشمال إلى جبيل، مغايرة بعض الشيء. فهو كان يعمل بزراعة الأرض منذ صغره وبعد شحّ تصريف الإنتاج الزراعي في ظل الأزمة، أصبح عاملاً على إحدى محطات مدينة جبيل. “أخذت القرار عن قناعة تامةٍ، انطلاقاً من أنّ العمل ليس عيباً وكلّ البشر متساوون بالكرامة.”
ويضيف مستطردًا: “أنا راضٍ بعملي وأداوم يوميًا بفرحٍ ونشاطٍ، وأخلق جوَّا من البهجة على المحطة، أساير الزبائن كي استرزق من “البخشيش” ما يزيد من راتبي ويكفيني لأرسل قسما منه لأهلي في الشمال.”
يشير عبدو إلى “ضرورة إحياء الأمل الداخلي في نفوسنا لنستمرّ بالحياة. ولا يجب أن نخجل إلا من العيب في حياتنا”؛ وينهي حديثه متأثرًا: “الوضع الصعب والآتي أعظم، لازم نتقبّل كل شيء كي نكمل!”
المصيبة تجمع ربّ العمل والموّظف
موقع “أحوال” التقى برجل أعمال صاحب إحدى محطات الوقود وسأله عن تجربة توظيف شبّان لبنانيين.
ولفت “أ.خ” إلى أنّ إقدام الشباب اللبناني على تقديم طلبات توظيف على المحطات مبادرة عظيمة، وقد تلقيناها بإيجابية وسهّلنا عدة أمور، ورفعنا الأجور تقديرًا لإندفاع الشباب اللبناني للعمل معنا.
ويوضح صاحب المحطة: “المصيبة تجمع”. فنحن في النهاية لبعض، وكلنا بمستنقعٍ واحدٍ؛ وأرباب العمل يواجهون أزمة شح الدولار وتراجع الأرباح، بالتالي لا قدرة على استقدام عمّال أجانب لتوظيفهم، لذلك سهّل توظيف اللبنانيين علينا الكثير من الامور وبتنا نفيد ونستفيد.”
هل اللبنانيّ عنصريّ؟
يتعرّض اللبناني إلى اتهامات بالعنصرية والفوقية، مميّزاً نفسه عن باقي الشعوب. في هذا الإطار، تقول الناشطة الإجتماعية والأستاذة المحاضرة في علم النفس التربوي في جامعة البلمند في دبي، الدكتورة جنى بو رسلان، إنّه لا يمكن تعميم مبدأ العنصرية على الجميع، موضحة أن ليس كل لبنانيّ عنصرياً. فالعنصرية تبرز في أقوال وأفعال بعض اللبنايين تجاه أخوتهم في الإنسانية.
وتشير بورسلان في هذا السياق، إلى استقدام اللبنانيين لبعض العمّال الأجانب في المنازل دون تأمين أبسط حقوقهم المدنية من إجازة أسبوعية، وحجز أوراقهم الثبوتية، إضافة إلى ممارسة التعنيف اللفظي أو الجسدي في كثير من الاحيان. وتضيف، العنصرية تكمن أيضاً في تهكّم بعض اللبنانيين على لهجة ولون ونمط حياة بعض أبناء البلدان المجاورة للبنان.
أما بشأن خطوة بعض اللبنانيين للعمل على محطات الوقود بسبب ما نتج عن كورونا من تأزمٍ للوضع الإقتصادي، فتتمنى الأخصائية أن يتوّسع هذا السلوك على أكثر من صعيد ومجال عمل. “فتعمّ إزالة الطبقية عالميًا ويتحرّر الكون من نظرية الفرق الطبقي”، مثنيةً على هذه الخطوة إنطلاقًا من “أن الشغل ليس عيباً “؛ معتبرة أنّ ذلك يساهم تدريجيًا بتخلي المجتمع اللبناني عن عقليّة الفرق الطبقي والخجل من مزاولة بعض المهن.
وفيما يتعلّق بحسنات العمل في غير مجال الاختصاص، تشرح بورسلان أنّ في ذلك فوائد عدة؛ منها اكتشاف الذات وتضاعف الخبرات وبالتالي تحقيق نتائج مبهرة؛
إلى ذلك، تلفت إلى أنّ الميل إلى عمل بعيد عن الاختصاص لعدم توفّر فرص عمل في الاختصاص نفسه، من شأنه ِمحاربة البطالة، وملء وقت الفراغ، وتحقيق الذات وتنمية الشخصية، وتوسيع دائرة العلاقات الإجتماعية.
ها هو اللبناني يثبت من جديد أن لا شيء يعيق حبّه للحياة وطموحه. بجني المال كي يعيش يكرامة، وكلّما اشتدت عليه الصعاب، كلما ازداد عزيمةً وصلابةً لإكمال مشوار الحياة، والتأقلّم مع وضعه الإجتماعي-الإقتصادي المفروض عليه. ولا بدّ من التنوّيه بإبداع اللبناني، حتى بخلق فرص العملٍ مبدعاً، فها هو يبحث عن فرصة عملٍ متواضعةٍ تحقق حياة كريمة.
فادي سلامه