الكيلو تخطّى العشرة آلاف دولار… “الذهب الأحمر” يُزرع في الجنوب
تصنّف من بين أغلى النباتات في العالم، وتشكّل دعامة اقتصادية في العديد من الدول، إنّها نبتة الزعفران أو كما تسمى الذّهب الأحمر، كدليل على قيمتها وسعرها المرتفع.
لبنان الذي لم يعرف هذه الزراعة من قبل، لغياب الخبراء والمختصين والموجهين لها، خطا الخطوة الأولى في إنتاج الزعفران، وذلك في بلدة معركة الجنوبية. الكيميائي والخبير الزراعي حسين جرادي أكد أن النتائج كانت مبهرة خصوصًا هذه السنة، لأن السنة الماضية كانت لتحضير الأرض والتربة وتجهيز الزرع وكان حقلاً جديدًا، أما هذه السنة فالإنتاج تضاعف ثلاث مرّات، ما يعني نجاح هذه الزراعة في الجنوب، وإمكانية اعتمادها بشكل واسع، ومن المتوقع أن يصل الإنتاج إلى ذروته العام القادم.
ولفت جرادي إلى أنّ الزعفران نبتة تنتمي إلى عائلة السوسنيات وتحديدا إلى فصيلة الزنبقيات، ولدينا في العالم 70 صنفًا مختلفًا، والزعفران يتكون من بصيلة وأوراق وزهرة، وأكثر جزء حساس فيها هي الزنبقة، وتحتاج إلى عناية فائقة خلال نموّها السريع، وصولاً إلى قطفها واستخراج الشعيرات منها، وأشار إلى أنّ الزعفران يدخل في إنتاج التوابل والأدوية ومستحضرات التجميل وبعض العطورات.
وأوضح جرادي أنّ معظم زراعات الزعفران السابقة التي أقيمت كانت محصورة ومحدودة، ولم تكن تجربة حقيقية لدراسة إمكانية زراعة الزعفران وإنتاجه، مشيرًا إلى أنّ أوّل تجربة حقيقية أُجريت العام الماضي وهذا هو العام الثاني من التجربة، حيث تمّت دراسة كل العوامل والمؤثرات والإنتاج، عبر مراقبة حقلين مختلفين مزروعين بالزعفران.
ويشير جردادي إلى أنّ شتلة الزعفران بطبيعتها تتحمّل الظروف الجوية القاسية يعني أنّها تتحمّل البرودة الشديدة وأيضاً درجات حرارة عالية ، شرط أن لا تكون هذه العوامل القاسية خلال مراحل حساسة من نمو النبتة، وبشكل عام يزرع الزعفران في العالم بمناطق مرتفعة، وخصوصاً التي ترتفع عن 600 متر عن سطح البحر، وهنا كان التحدي في زراعتها على علوّ منخفض بين 200 و 250 متر عن سطح البحر، وأنتجت وأعطت بشكل كبير، وهذا بفضل الطبيعة المناخية المعتدلة للجنوب اللّبناني، ويلفت جرادي أنّه كلما دخلنا إلى المناطق الداخلية في الجنوب كلما كان الإنتاج أفضل، وذلك لأن الظروف الطبيعية والمناخية هناك أفضل.
وحول التقنيات التي تحتاجها زراعة شتلة الزعفران أكّد جرادي أنّ الزعفران يحتاج إلى تربة جيدة الصرف، يعني إمكانية تصريف جيدة للمياه فيها، أمّا التربة الطينية الكتومة لا تصلح لهذه الزراعة، لأنّ الزعفران يتضرّر من الرطوبة الزائدة في التربة، كذلك يتضرّر من التربة الرملية لأنّه يصاب بالجفاف بشكل سريع، ويضيف جرادي أنّ شتلة الزعفران موسمية، إذ ممكن أن تبقى من سنة لسنة أخرى، وهي تتكاثر عبر نمو بصيلات جديدة جنب البصيلة الأم، وبالتالي تُنبت هذه البصيلات شتولًا جديدة، مشيرًا إلى أن البصيلات تبيّت في التربة صيفًا، وتنبت في أوائل الخريف، وتزهر في تشرين الثاني إلى كانون الأول.
أما عن التّحديات والصّعوبات التي تواجه هذه الزراعة فيفصّل الجرادي الأسباب بدءً من صعوبة الحصول على الأصناف الجيدة من البصيلات، خصوصًا أن من يملكونها في العالم يستأثرون بها وهم بخلاء في تقديمها للناس، ولا يعطون سرّ زراعتها لأحد خوفًا من المنافسة، كذلك عجز المُزراع عن تأمينها لعدم توفرها في الأسواق، وإن توفّرت فأسعارها باهظة.
جرادي وجّه رسالة للمعنيين من أجل إيلاء هذه الزراعة الاهتمام اللازم، عبر تأمين الدعم لمن يرغب بالبدء بزراعة الزعفران، إضافة إلى تأمين أسواق لتصريف الإنتاج في الخارج، مع تسليط الضوء عليها عبرالإعلام، لتعريف المزارعين بها وبقيمتها وإنتاجيتها، ويضيف أنّ هذه الزراعة قد تكون صالحة للحلول مكان العديد من الزراعات، التي أصبحت غير منتجة والتي تتطلب وقتًا أطول ومجهودًا أكبر وتستهلك مساحاتٍ كبيرةً وتستنزف التربة.
قد تكون زراعة الزعفران كوّة الضوء في النفق المظلم الذي تمرّ به الزراعة اللّبنانية، خصوصًا أنّ هذه الزراعة تدرّ أموالًا طائلة، إذ يبلغ سعر الكيلو الواحد من الزعفران عشرة آلاف دولار أميريكي، وهناك أصنافًا منه يتجاوز هذا الرقم بأضعاف، ما يعني إمكانية دخول العملة الصعبة إلى لبنان وتأمين مداخيل مرتفعة للمزارعين وعائلاتهم، وفق ما يؤكد الخبراء كجرداي وإخوانه الذين بدأوا بوضع خبراتهم بخدمة المزارعين الراغبين في تعلّم هذه الزراعة عبر ندوات متخصصة، ما يشير إلى أن التجهيز لقطار الذهب الأحمر بدأ، أمّا السكة فبناؤها يقع على عاتق الحكومة بوضع خطّة متكاملة لرعاية هذه الزراعة وإيلائها الاهتمام اللّازم.
منير قبلان