نشاطٌ “وهمي” في سوق العقارات وعودة للركود!
شكّل القطاع العقاري في لبنان، منذ بداية الأزمة الاقتصادية، الملاذ الآمن للمودعين لتحرير أموالهم المحتجزة في المصارف، فما كان أمام المودع سوى أن يشتري إحدى الشقق السكنية أو الأراضي كسبيلٍ لتحرير جزء من أمواله؛ ورغم الأزمة الاقتصادية التي استفحلت، فقد شهد القطاع العقاري نشاطًا ملحوظًا.
ازدهرت حركة البيع والشراء في سوق العقارات اللبناني منذ منتصف عام 2019 وخلال النصف الأول من 2020، حيث زادت قيمة معاملات المبيع العقارية بنسبة 97.94% إلى 5.40 مليارات دولار. وبحسب آخر الأرقام، ارتفعت حركة بيع العقارات بنسبة 110% خلال النصف الأول من عام 2020، مقارنة بالفترة نفسها من 2019.
طرفان يستفيدان من ازدياد حركة شراء ومبيع السوق العقارية في لبنان؛ الأول هو المطوّر العقاري الذي كان يريد تسديد ديونه المتراكمة لدى المصارف، وبهذا أصبحت إمكانية الدفع عبر الشيكات المصرفية مُتاحة، بينما الطرف الثاني المستفيد فهو المودع المحتجزة أمواله في المصارف، حيث استثمر جزءًا منها في شراء عقار (شقة أو أرض)، وبالتالي استفادت المصارف أيضًا من تخفيض الديون العقارية المتراكمة.
حركة الإزدهار التي طاولت القطاع العقاري في لبنان، يمكن وصفها بـ”الانتعاش الوهمي”، وذلك بدأ يظهر في النصف الثاني من عام 2020 ومطلع 2021، حيث تراجعت حركة المبيع العقارية بشكل ملحوظ خلال تلك الفترة.
وبحسب أمين سر “جمعية المطورين العقاريين”، مسعد فارس، فالسبب وراء هذا التراجع هو أن المطورين العقاريين سدّدوا الديون المتراكمة للمصارف، وبالتالي لن يستوفوا المزيد من المبالغ عبر الشيكات المصرفية، كما أنّهم أصبحوا يطلبون من الزبون الدفع “كاش” بالدولار، فانخفضت حماسة الراغبين بشراء العقارات والشقق السكنية.
وأوضح مسعود في حديث لـ”أحوال” أن عدد الوحدات السكنية التي كانت موجودة منتصف عام 2019 هي 60 ألفًا، بينما لا يوجد سوى 7 آلاف وحدة سكنية على أبعد تقدير منذ بداية 2021، ما يعني انخفاض في العرض، مضيفًا: “كما أن تراجع عدد الوحدات السكنية يترافق مع تراجع كبير في حركة الاستثمار في هذا القطاع، أي إنشاء مشاريع عقارية/سكنية جديدة، بسبب الأوضاع السياسية المضطربة في البلد، إلى جانب ارتفاع سعر صرف الدولار، ما يصعّب عملية استيراد مواد البناء من الخارج”.
تتأثر أسعار العقارات بشكل كبير إثر العرض والطلب، وعلى وجه الخصوص من خلال طريقة الدفع؛ فالوكيل العقاري يطلب دفع جزءًا كبيرًا من المبلغ “كاش بالدولار”، بينما يسدّد الجزء الآخر عبر الشيك المصرفي، وبالتالي يكون المودع عندها أمام خيار يجبره على تحرير ودائعه من المصارف عبر الشيك المصرفي، فيدفع قيمة إضافية للعقار الذي يشتريه ليتم القبول بالشيك المصرفي.
وفي هذا السياق، لفت فارس إلى أن المطوّر العقاري، وفي حال تسديد المبلغ عبر شيك مصرفي، يقوم برفع سعر مبيع العقار بنسبة 30% كطريقة لتوزيع الخسائر بين المطوّر العقاري والمودع، “كما أنه يلجأ أحيانًا إلى رفع أسعار الشقق، ليس بسبب طريقة الدفع وإنما بحجّة التنبّه من إجراءات مصرفية قد تُتّخَذ في المستقبل القريب، وبالتالي تؤثّر على أمواله مثل “الهيركات” مثلًا”، بحسب تعبيره.
من جهة أخرى، وصف مسعد فارس، في حديثه لموقعنا، نشاط الفترة السابقة بأنه كان “غير مُتوقّعًا”، ليُعاود الركود بعد انخفاض عدد الشقق والوحدات السكنية المستعملة، إلى جانب عدة عوامل أخرى، ليختم كلامه بالإشارة إلى أن القطاع العقاري مقبل على سيناريوهين: الأول، وفي حال تحسّن الوضع الاقتصادي في لبنان، فالأشخاص الذين استثمروا وأفرجوا عن أموالهم عبر شراء العقارات، سيقومون بإعادة بيعها لاستثمار أموالهم في قطاعات أخرى، بينما السيناريو الثاني، وهو في حال لم يكن الحل الاقتصادي قريبًا، فسيلجأ الذين اشتروا العقارات لإعادة بيعها، لعدم قدرتهم على تأمين مصاريفها بعد نفاذ أموالهم المتبقية في المصارف.
إيمان العبد