مجتمع

رواية “حاكم.. جنون ابن الهيثم”: أن تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تَراه

رواية “حاكم.. جنون ابن الهيثم”: أن تسمعَ بالمعيدي خيرٌ من أن تَراه
كتب زياد أمين العريضي
قرأتها لما رأيت حماس واعجاب معارفي بها وبعدما سمعت عبارات المديح والإطناب لها ولكاتبها الأديب العالمي، صاحب الخمس وسّبعون كتاباً، الّذي وصفت آراؤه ورؤاه بأنّها أثارت العواصف الفكرية في عقول وأذهان المعاصرين.
قيل “أنّه من الكتّاب القلائل الّذين انصفوا شخصيّة الحاكم بأمر اللّٰه الخليفة الفاطمي في روايته هذه”، لكنّ الحقيقة أنّه أدخل، عن قصدٍ أو غير قصد، عدّة مغالطات تاريخيّة خصوصاً في شخصيّة الحاكم، ولم يلتزم بسرد الأحداث التّاريخيّة الصّادقة.


وفي بعض الملاحظات أنه قد أظهر الحاكم، للقارئ في عصرنا الحالي، أنه شخصيّة مضطربة مخيفة، سفاكٌ لا يخبو ظمؤه للدماء، مضطرم الأهواء والنّزعات، متناقض الرّأي والتّصرفات، ميّالاً إلى الشّرّ، لا يستقر على ثقة أو صداقة لأحد سوى لراوي الرواية “مطيع السّهمي” زميل دراسته.
وبلغ به الأمر أنه لفّق حديثاً غريباً للحاكم في سياق الحديث مع “مطيع” بقوله له “أشتهي أحياناً أن أذبح رجلاً وأمزّق جسمه بالسّكين والسّاطور أمام الناس”.
يفترض بكاتبٍ مشهور، مثل يوسف زيدان، أن يلتزم الصّدق ويتحرى الحقيقة أثناء سرده لروايته التّاريخية، وعدم الإساءة لشخصيّة من أعجب وأغمض الشّخصيّات التاريخية عنيت بها الحاكم بأمر اللّٰه، سعياً لاستغلالها بغية تحقيق الشّهرة وجذب الانتباه لروايته.


لم يذكر نواحي الخير والخصال الحسنة للحاكم، ويمكن تلخيصها بالتالي:
كعدالته وزهده وتعففه عن أموال العامة وصونه للبلاد والدّفاع عنها ضد البيزنطيين والعابثين والخوارج، ولم يتطرّق لانجازاته الحضارية والعمرانيّة.
والأهم أنه في العام 404 هجريّة حين أعتق الحاكم بأمر اللّٰه الرّقيق وجرّمه في كلّ أنحاء مملكته في زمن كثر فيه الظّلم والاسترقاق والسّبي، والذي كان غالباً مغلفاً باللبوس الديني وبالتشريع الديني.
الحاكم بأمر اللّٰه لم يكن تلك الشّخصيّة المضطربة الّتي تقدّمها إلينا الرّواية، ولم تكن أعماله وأحكامه كما صوّرت مزيجاً من الأهواء الجنونيّة، إنّما كان لغز عصره، وكان يتمتع بعقليّة تسمو على مجتمعها وتتقدّم عصرها بمراحل، عبقريّة يجب أن تتبوأ في التّاريخ مكانها الحقّ والصّائب.
لم يوفّق الكاتب في محاولته الدّمج بين سيرة الحاكم وبين سيرة العالم ابن الهيثم أثناء سرد الرّواية عبر اختلاقه لشخصيّة مطيع راوي الرّواية.
فمن المعلوم أنّ علاقة ابن الهيثم بالحاكم لم تدم طويلاً ولم تكن مؤثّرة، وإنّما الحقت بالرّواية لشهرتها وجذباً للقراء، ولدينا أشخاص كثر ألصق وأقرب من ابن الهيثم بالحاكم.
الرّواية لم تأت بجديد يجذب القارئ المثقّف، جلّ ما ورد فيها موجود في كتب التّاريخ، أهملت الأحداث الكبرى لصالح أحداث الرّواية، الّتي أجاد الكاتب في بدايتها السّرد والتّعبير، لكن عند ذكره لمطيع والتّطرق لمجريات حياته اليوميّة حتّى الجنسيّة منها، أضعف قيمة الرّواية.
هذه الرّواية، برأيي المتواضع، لم ترتق لاسم وشهرة يوسف زيدان، ولم تضف أي جديد على الرّواية العربيّة الحديثة، وإن كان يسجّل له محاولته سرد روايتين في رواية واحدة، الأولى واضحة سلسلة أورد فيها بعض أفكاره التّحرريّة المعاصرة على لسان بطلتها “أمنيّة” المتمردة والثّائرة على التّقاليد والأعراف مقابل نقيضها الملتزم بالحياة القرويّة العاديّة حبيبها ابن الصّعيد الأستاذ “راضي”، والثّانية شائكة معقّدة، حاول أن يقلّد أسلوب الكتّاب المتأخرين فلم يوفّق .
دمجه للرّوايتين، المعاصرة والقديمة، عبر “راضي” الطّموح لتحسين وضعه المادي وايجاده مخطوطة “مطيع السّهمي” في مكتبة والده الّتي تنقل لنا فترة حكم الحاكم بأمر اللّٰه الخليفة الفاطمي في مصر وأحداثها، والّتي ما زالت غامضة ومجهولة لدى الكثيرين، ساهم في حثّ القارئ على اكمال الرّواية، ليحيا تلك الحقبة بكل تفاصيلها الصّغيرة والدّقيقة.
لا يصح تسميتها برواية تاريخيّة ولا الاعتماد عليها لمعرفة تلك الحقبة التّاريخيّة المهمة من تاريخنا.
ومن الجدير التذكير هنا بشخصيّة “تمنّي” المظلومة، المثيرة للإعجاب في حسن تفكيرها يوم ذاك من العصر الفاطمي، رغم أنها لم تعط حقّها في الرّواية،
كذلك شخصيّة أمنيّة، الثائرة في عصرنا الحالي، الثّائرة على التّقاليد في بداية الرّواية.
يبقى التأكيد أنها رواية تستحق القراءة رغن أننا ننتظر من كاتب كما يوسف زيدان أكثر وأدق في نقل الوقائع التاريخية والقضايا الشائكة كما شخصية الحاكم بأمر الله.

أحوال

موقع أخباري يصدر عن شركة مدنية غير ربحية في بيروت، يقدم من خلال مساحة رقمية حرة وعصرية أخبارًا سريعة، عظيمة الثقة، لافتةً للنظر، ثريةً، وتفسيرًا للاتجاهات الحالية والمستقبلية، التي تؤثر في أحوال الناس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى