إثنان وسبعون عاماً على احتلال الصهاينة لفلسطين، من أكذوبة “أرض بلا شعب” إلى “شعب بلا أرض” تستمر محاولتهم تثبيت الكذبة الكبرى بكل الوسائل وأبرزها عبر ترسيخ مفاهيم ومصطلحات إعلامية كأنها حقيقة مطلقة.
من نكبة 1948 إلى نكسة 1967 استمرّ العدو في التوغّل في الداخل الفلسطيني، قتل ودمّر وهجّر الفلسطيني من بيته واستعمر الأراضي وبنى المستوطنات، وهذه الوقائع انتقلت من جيلٍ إلى جيل عبر قصائد الشعراء وخطابات الاستنكار والحناجر المبحوحة في الساحات وعلى المنابر، لكن العدو تقدّم بمسافات عبر مشروع إعلامي ضخم ومدروس.
مشروع العدو بدأ العمل به عبر إنشاء قناة ديزني للأطفال لإيصال الرسائل المبطنة واحتلال باطن عقول الأطفال، لم يكن التوجه بالمباشر مع أو ضد فلسطين، ولكن سرعان ما برزت عناصر ثقافية تخاطب أدمغة الأطفال لتحفر في لاوعيهم قبولاً تدريجيًا لحضارة العدوّ وعاداته وتقاليده ما يخلق حالة من الشعور الإيجابي، كأن يرى الأطفال “الشمعدان اليهودي” و”عيد الهونيكا اليهودي” وأسماء الشخصيات اليهودية. استمرّت الرسائل بالافلام الهوليوودية وتطوّرت هذه الصناعة واحتلّت بثقل معنى الكلمة عقولَ المراهقين في كل العالم.
وبهذا الشأن تقول لـ”أحوال” معدّة البرامج والمخرجة روضة قاسم “عندما نتحدث عن هولييود نحن لا نتحدث عن تصنيفات في الإنتاجات وفروقات شاسعة بين الكبار والصغار فمثلا يمكن لفيلم كارتون أن يكون مسلياً للكبار ويمكن لفيلم سينمائي أن يكون مناسبا للمراهقين او بالأحرى يتوفر على التطبيقات التي تعنى ببث الأفلام بعد عرضها في صالات السينما. هل هناك رقابة على ما يشاهده الصغار خاصة في ظل تواجدهم في المنزل خلال أزمة جائحة كورونا؟ الجواب حتماً كلا!”.
هوليود أدخلت الصهيوني أو مفهوم التطبيع مع العدو بطريقة غير مباشرة، فقد كرّست عبر إنتاجاتها في السنوات العشر الأخيرة مفاهيم خاصة، ما يدفع للتساؤل عن أهمية طرح هكذا مفاهيم وسبب التمهيد لها وتكريسها حتى تصبح عادات ثم أفعال ثم طباع وصولًا إلى برمجة العقول.
بدأ احتلال الأدمغة عبر الأفلام منذ أكثر من خمسين عاماً وتطوّر الاحتلال الفكري من الأفلام حيث المشاهد كان فقط متلقّيًا إلى قنوات التواصل الاجتماعي حيث المتلقي بات متلقيًا ومرسلًا في آنٍ.
مع انتشار الفيسبوك والانستغرام وتويتر وغيرها، باتت الحوادث المرتبطة بالقضية الفلسطينية أوسع انتشارًا، بحيث عمل الأوفياء للقضية على نشر صور الواقع الفلسطيني أكثر فأكثر، حتى راشيل كوري المقاومة الأمريكية التي استشهدت في وجه جرافة صهيونية كان هدفها هدم بيت فلسطيني في رفح، عُرفت قصّتُها عبر قنوات السوشيل ميديا، هي التي كتبت في مدوناتها “لقد فتحت أعين الناس على الوضع في غزة”.
يملك مناصرو القضية اليوم وسائل إعلامية تمكنّهم من إيصال أفكارهم وثقافاتهم، في المقابل يجدون أنفسهم في مواجهة مع “لوبي إعلامي صهيو-أمركي” بنى أعوامًا من الأكاذيب والمعلومات المغلوطة لذا فإنّ دور “المقاومين” الثقافي، ما عاد يقتصر على نشر معطياتهم بل أيضًا مواجهة هذا اللّوبي بنشر الوعي والحق وتصحيح الأكاذيب بالصور والحقائق، وهذا ليس بالعمل السهل لأنّه وببساطة حتى قنوات التواصل هي صناعة هذا اللّوبي وهي تحاربهم وتغلق حساباتهم.
وعليه يرى مناصرو القضية الفلسطينية أنّهم لا يحاربون على الصعيد الإعلامي وحسب بل يقاومون في سبيل الصمود بوجه هذه الماكينة الخطرة التي تعمل على طمس حضارتهم.
يقول خرّيج اختصاص السينما الشاب الفلسطيني أحمد أبو سالم “على أفلامنا أن تقدّم حلولاً للتخلّص من الاحتلال. الشاشة الكبيرة هي أهم وأسرع طريقة لتصل الأفكار للعلن، لذا وبهذا الوقت وبعد الهرولة التي نراها نحو التطبيع من الضروري التركيز على الحلول وتوضيح من هو عدوّنا وكيف يفكر واستراتيجية عمل الكيان باستخدام التكنولوجيا”.
أبو سالم يضيف بلهجته التي يعتبرها إحدى طرق مقاومة الإلغاء: “احنا قبل كنا نعبر عن غضبنا بالشارع هلق عم نعبر عنو ببوست مع هاشتاغ، برأي نصير نحكي تحت هاي العنواين ونطلع من سياق الدراما الّي بتعبر عن معاناة الفلسطينيين لأنو مش رح يغير شي هلق بهيك نوعية افلام كل الافلام اللي انعملت عن القضية الفلسطينية بيّنت المعاناة عند هاد الشعب بس قليل ما نشوف فيلم وهي اذا شفنا فيو حل كيف نتخلص من هاي المعاناة”.
ويضيف: “سهل تعملي فيلم دراما وتخلي العالم تتأثر فيه وممكن ياخد جوائز كمان بس الأهم تعملي فيلم تقدمي فيه حل للخلاص من المحتل ومش ضروري ياخد جوائز بس المهم لما نشوفو نتحمس عاللي شفناه متل أي فيلم منشوفو ومنحبو ومنتأثر ببطل او بطلة الفيلم ومنتخيل حالنا مكانهم “.
اليوم يقف المخلصون للقضية الفلسطينية أمام استحقاق ثقافي فعلي، لديهم الأدوات والمعرفة كما لديهم الاختصاص السنيمائي والإعلامي لممارسة فعل المقاومة بجانبها الفني والثقافي. الفن يخلّد المقاومة والمقاومين ويجعلهم حبر التاريخ، فبِصَوْن الثقافة يُصان الدم فتستمر القضية من جيلٍ الى جيل…
تمامًا كما السلاح الفنّ مقاومة.
ربى حداد