مجتمع

ثلث اللّبنايين يعانون أمراضاً نفسيّة والعلاج… للأغنياء

واحد من كل أربعة لبنانيين معرضٌ أن يكون لديه مرض نفسي، هكذا تقول عدد من الدراسات المختصة وتقييم أصحاب الإختصاص، كيف لا وقد أرخى الواقع الاقتصادي والاجتماعي بظلاله على صحة المواطنين وقلب حياتهم رأساً على عقب، وأدّى إلى إفقار غاليبيتهم وحرمانهم أبسط حقوقهم الحياتيّة، فالاضطراب النفسي والضائقة الاجتماعية والعوامل المتراكمة يتداخل فيها النفسي بالبيولوجي بالاجتماعي… فهل يستغربن أحد إن دفعت هذه العوامل بالبعض بالتفكير والإقدام على الانتحار؟.
مهى .ن. (27 عاماً)، تشعر بضغوطات نفسيّة مختلفة الأشكال والشدّة، ما جعلها تفقد السّيطرة على إدارة حياتها اليوميّة والسّعي نحو أهدافها الشّخصية والاجتماعيّة.
مهى التي نالت شهادتها الجامعية منذ خمس سنوات (قسم إدارة الأعمال) ولم تجد عملاً حتى اليوم، لا تتورع عن القول لـ “أحوال” أنّها “تعيش حالة قلق وإرباك شديدين، لا أستطيع النّوم خلال اللّيل بل أتقلّب على سريري يميناً ويساراً، ولولا عدة موانع لكنت أقدمت على إنهاء حياتي وارتحت”، لكنها سرعان ما تعتذر عن الفكرة وتشعر بالذنب “ما تاخذي كلامي جد والله يسامحني على هيك أفكار”.
مهى زارت طبيباً نفسياً في وقت سابق، شخّص حالتها ووصف لها العلاج، إلا أنّ أزمة شحّ الدواء ورفع الدّعم عنه منعها من متابعتة.
ويعود تاريخ آخر دراسة شاملة أُجريت حول انتشار الاضطرابات المختلفة في لبنان إلى عام 2006، ووفقاً لهذه الدراسة، كانت الاضطرابات الأكثر شيوعاً بين اللبنانيين هي الرهاب والاكتئاب والقلق وكانت هذه الاضطرابات مرتبطة غالباً بالصّدمات التي أحدثتها الحرب.
وتبّين الدراسة أن “الاكتئاب هو الاضطراب الفردي الأكثر شيوعاً في لبنان، حيث سُجّلت معاناة 16.7٪ من السكان باضطرابات القلق ومعاناة 12.6٪ من الاضطرابات المزاجية. وعانى ما يقرب من 4.3٪ من السكان أيضاً من الأفكار الانتحارية. والأفراد الذين تعرّضوا لصدمات مرتبطة بالحرب يكونوا مهددين أكثر للإصابة بواحدة من هذه الاضطرابات، حيث يكونون أكثر عرضة ثلاث مرات للإصابة باضطراب المزاج وأكثر عرضة مرتين للإصابة باضطراب القلق. ومن المحتمل أن يكون لهذا الخطر المضاعف تأثير واسع في لبنان، حيث تعرض ما يقرب من 70٪ من السكان لواحدة أو أكثر من حالات الصراع العنيف”.
فكيف أثرت أزمات لبنان المتتالية التي مرّت خلال العامين الماضيين على المجتمع اللّبناني وعلى صحة المواطنين النفسية؟
الإختصاصية في الصحة النفسية د. سهام رمضان تقول لـ”أحوال” أن “في لبنان كل شيء يثير اهتمامنا إلا موضوع الصّحة النّفسية، إما لأنها منسية أو لأنها تشكّل وصمة عار”، مشيرة إلى أنّ “نحو 30% من اللّبنانيين يعانون من أمراض نفسية على درجاتٍ مختلفة”.
وتتابع “أكثر الحالات التي نشهدنا في وقتنا الحالي والتي نواجهها في العيادات النفسية هي: القلق، الاكتئاب النفسي، الاكتئاب النّفسي الحادّ، عوارض ما بعد الصّدمة (PTSD)، اضطرابات في النّوم، نوبات الهلع، اضطرابات الذّاكرة….”.
وتعزو سبب ذلك إلى “الواقع الذي يعيشة اللّبناني اليوم من الأزمة الاقتصاديّة إلى جائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى غياب الأمن الاجتماعي والمعيشي والسّياسي”.
وتتابع “على الرّغم من تزايد أعداد الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، إلا أن هناك قلة ممن يزورون العيادات النّفسية للعلاج والاستشفاء، لأنّ الاستشفاء في أقسام الصّحة النّفسية والأمراض النّفسية في لبنان أصبح مكلفاً ويفوق قدرة المواطن الشّرائية، إذ يتراوح ما بين 400 إلى 800 ألف ليرة للجلسة العلاجيّة أو الاستشارة الطّبيّة”.
وتضيف رمضان “أزمة انقطاع أدوية الأعصاب والاكتئاب وارتفاع أسعارها بسبب رفع الدّعم عنها، يمنع المرضى من زيارة الطّبيب أيضاً، ما يؤزّم حالتهم لأنّ انقطاعهم عن تناول الدّواء يؤدي إلى عودة ظهور العوارض وتعرّضهم لانتكاسات الأمر الذي يعتبر في غاية الخطورة على الصّعيد النّفسي. ومن الأسباب أيضاً، “وصمة العار الاجتماعي” التي ما زالت مرتبطة بالمرض النّفسي على رغم اجتيازنا شوطاً لا بأس به من ناحية التّقبل، إلّا أنّنا ما زلنا بحاجة إلى مزيد من التّوعية حول الموضوع”.
وعن الفئة العمريّة الأكثر عرضة للأمراض النّفسية تقول “معظم الأشخاص الذين أنهوا حياتهم وأقدموا على الانتحار أو الذين يزورون العيادات النّفسية هم من المراهقين والبالغين التذين تتراوح أعمارهم ما بين 17 و34 عاماً”.
وتلفت رمضان إلى “وجود العديد من الجمعيّات والمؤسسات والخطوط السّاخنة في لبنان للدّعم النفسي وهم على أتم الاستعداد لمساعدة أي شخص بحاجة الى استشارة نفسية أو أفكار انتحاريّة”.

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى