الانتخابات النيابية الفرعية… اختبار سيهرب منه الجميع
في وسط أزمة سياسية حالكة، ومحاولات نقل البلاد من حقبة فارغة تتخبط بالفساد إلى مرحلة تحظى بالدعم والرعاية الدوليين، برزت استقالات عدد من النواب من المجلس النيابي في خطوة بدت ناقصة للدفع نحو إقرار إجراء انتخابات نيابية مبكرة. تسارع الأحداث الذي ترافق مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الثانية، والتي تضمّنت تسمية رئيس مكلّف تشكيل الحكومة مرّرت فرنسا اسمه للبنانيين، يكشف أنّ مطلب الذهاب نحو انتخابات مبكرة بات في مصاف المستحيلات. من هذا المنطلق، وبعد عدم توفّر الظروف الفعلية لهذا المطلب، يدرس الجميع إمكانية المشاركة في انتخابات فرعية تعيد ملء فراغ المقاعد التي استقال نوابها، إن تمكنت السلطة فعليًا من إجراء الانتخابات كما ينص الدستور.
استقال ثمانية نواب، ومن المفترض أن تحدّد حكومة تصريف الأعمال (وهذا قد يطرح جدلًا دستوريًا)، أو الحكومة المقبلة في حال تشكيلها عمّا قريب، موعد إجراء الإنتخابات الفرعية في دوائر الشوف وعاليه وبيروت الأولى والمتن الشمالي وكسروان وزغرتا. وبحسب طبيعة الاستقالات وشغور المقاعد، لا يصلح إجراء الإنتخابات الفرعية على أساس القانون الإنتخابي النسبي الذي جرت على أساسه انتخابات 2018، نظرًا لكون الشغور حصل في مقعد واحد في أربع دوائر ومقعدين اثنين في دائرتين هما بيروت الأولى والمتن الشمالي، على أساس القانون الأكثري.
من هنا، تنطلق النظرة الفعلية إلى الانتخابات الفرعية وحجم الإستفادة منها. فالظروف التي أوصلت نواب 2018 تختلف بشكل جذري عن ظروف أي انتخابات تجري بعد واقعتي 17 تشرين والرابع من آب. الكثير تغيّر، أهواء الشارع وحجم القوى السياسية والتحالفات، وأيضًا عدم مرونة القانون الانتخابي في بعض المناطق. قد يكون المجتمع المدني قد حضر فعليًا في الانتخابات الماضية، إلّا أنّ اليوم قد تبدّل وجهه ليصبح “ثورة” لها حجمها. وعلى عكس ما يعتقد كثر أنّها تمثّل نصف اللبنانيين، فقد نقلت أكثر من شخصية إلتقت الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في زيارته السابقة إلى لبنان أنّ فرنسا تقدّر أنّ حجم الثورة والثوّار هو حوالي ثلث اللبنانيين. فالثورة، غير الموحدة طبعًا، ترى بعض مجموعاتها أنّ الانتخابات الفرعية فرصة للوقوف على الأحجام، فيما يجزم آخرون أنّ خطوة المشاركة فيها بعد الدعوة إلى الاستقالات هو ضرب من الجنون.
في هذا الإطار، علم “أحوال” أنّ دراسة أعدّتها بعض مجموعات الثورة بما فيها أحد الأحزاب البارزة، خلصت إلى نتائج غير محسومة في دائرتي المتن الشمالي وبيروت الأولى واللتين قد تشهدا معارك طاحنة في حال قررت الثورة المشاركة موحدة بالانتخابات، فيما ستكون دائرة كسروان محط اختبار لضبابية المشهد فيها، وستحسم أحزاب الإشتراكي والمردة الانتخابات الفرعية في كل من عاليه والشوف وزغرتا.
وفي التفاصيل، فإنّ توزّع القوى في منطقتي المتن الشمالي وبيروت الأولى يبدو متشابهًا، حيث يقف التيار الوطني الحر في مواجهة القوات من جهة والثورة من جهة أخرى. هنا يُطرح سؤال أساسي: هل ستتحالف قوى 17 تشرين مع القوات في أي انتخابات مقبلة؟ الجواب قطعًا لا بحسب مختلف قيادات المجموعات. في هذا الإطار يشير استطلاع للرأي أعدّه تطبيق مايساي أن 77% من جمهور الثورة لن يصوّت لمرشحيها في حال تحالفوا مع حزب القوات اللبنانية. هذا الجو يوحي أنّ القوات خذلت جمهورها يوم لم يستقل نوابها مع موجة الاستقالات وأنّها سعت لخداع الرأي العام يوم استعجلت استقالتها من حكومة الحريري 2019، فيما يعتبرون أنّ الكتائب بنسخته الحديثة بقيادة سامي الجميل يتماهى كثيرًا بأدائه مع مطالب مجموعات الثورة، لذلك يبدو أنّهم ألين في قبوله من قبول أي حزب من الأحزاب الست التي يرفضونها.
في هذا الإطار، يبدو أنّ رصيد القوات في المنطقتين لا يزال على حاله، فيما يشير استطلاع نُشر سابقًا أنّ التيار الوطني الحر قد خسر نسبة كبيرة من مؤيديه في الشارع المسيحي. هنا يبرز موقف الطاشناق، ففي حال حافظ الحزب الأرمني الأقوى تمثيلًا على تحالفه مع التيار الوطني الحر تكون معركة كسر العضم في الأشرفية والرميل المدوّر والمتن الشمالي قد تأمنت، أما في حال تنحى الطاشناق جانبًا سيكون التيار في ورطة فعلية!
فالطاشناق الذي رفد لائحة التيار بحوالي 6000 صوتًا عام 2018 في بيروت الأولى، قد تكون استقالة بولا يعقوبيان حافزًا له للمشاركة وانتزاع أحد مقاعد الأرمن الأورثوذكس الثلات، ومن هنا يجري تبادل الأصوات بين العونيين والطاشناق على مقعدين ماروني وأرمني في بيروت الأولى ومارونيين في المتن الشمالي. أما الكتائب والذي برز ثقله في المتن الشمالي بحوالي 19000 صوتًا، قد تُضاف إليه أصوات “كلنا وطني” وبعض المستائين من أداء أحزاب السلطة ليذهب نحو معركة قاسية في المتن. إلى هذا، تشير أرقام الكتائب في الأشرفية إلى ضعف بسيط نتيجة تأمين نائبه المستقيل نديم الجميل حوالي 4000 صوت جراء تحالفه مع القوات، فكيف اليوم في حال أراد مواجهتها! أما المجتمع المدني، المتحالف مبدئيًا مع الكتائب، يبدو أنّ أسهمه قد ارتفت في الدائرتين مع ملاحظتين أساسيتين: ضرورة عدم انقسام مرشحيه في أكثر من لائحة وضرورة انتقاء أسمائهم بعناية. وعليه، ستشهد دائرتا المتن الشمالي وبيروت الأولى معركة فعلية بين التيار الوطني الحر والمجتمع المدني مدعومين بالطاشناق والكتائب على التوالي، فيما حظوظ القوات في الدائرتين ليست بكبيرة.
أما في كسروان، ومع خروج النائبين نعمة افرام وشامل روكز من كتلة لبنان القوي، باتت المنطقة بحاجة لاختبار فعلي للوقوف على حجم الرجلين الانتخابي من دون التيار الوطني الحر، وعليه تبقى الصورة هنا قاتمة نوعًا ما لحين اتضاح التحالفات، حيث تسجّل القوات اللبنانية حضورًا مقبولًا فيما المجتمع المدني، مع افرام وروكز، حضورًا مقبولًا هو الآخر.
هذا المشهد يضع الجميع أمام اختبار فعلي يسبق الانتخابات النيابية عام 2022، لا سيّما وأنّ متغيرات هائلة وقعت قد يصعب على أي ماكينة انتخابية تحديد حجمها الفعلي قبل إغلاق صناديق الإقتراع.
وعلم “أحوال” أنّ قرارًا شبه نهائي قد اتخذ من قبل النواب المستقيلين بعدم إعادة ترشحهم على مقاعدهم، فيما تدرس مجموعات الثورة خيارًا غير نهائي بمقاطعة الانتخابات الفرعية.
قد يخشى كثر الوقوف على أحجامهم في هكذا ظروف يمر بها لبنان، وبعد استعراض الأرقام يبدو أنّ لا شيء محسوم، ما قد يدفع بكثيرين نحو السعي إلى عدم إجراء الانتخابات الفرعية حفظًا لماء الوجوه، والدعاء لتبدّل الظروف الحالية قبل الإستحقاق الفعلي المقبل.
ماهر الدنا