مع تسارع الاستحقاقات السياسية وتزاحم الموفدين الدوليين إلى بيروت، يقفز ملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية إلى الواجهة من جديد بحيث يصل مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد شينكر لبنان مطلع الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يكون ملف الترسيم هو الطبق الرئيس على طاولة لقاءاته.
وكانت المحادثات مع الأميركيين في ملف ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة قد أصبحت في خواتيمها، بحسب ما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري منذ أسبوعين في حديث صحافي.
ويقول مصدر مطلع على الملف لـ “أحوال” إنّ أميركا تعطي الترسيم اهتمامًا كبيرًا، وهي تضغط بهذا الاتجاه من باب تشكيل الحكومة، على قاعدة سرعة إنهاء الترسيم يعني تيسير تشكيل الحكومة، وهذا ما قد يفسّر الإيجابية التي أبدتها واشنطن تجاه مشاركة “حزب الله” في الحكومة.
إذ يرى المصدر في قول معاون وزير الخارجية الأميركية للشؤون السياسية، ديفيد هيل إنّ “الولايات المتحدة تمكّنت من التعامل مع حكومات لبنانيّة سابقة تضمّنت عناصر من حزب الله، وسننظر في الأمر في حال تكرر ذلك”، يرى فيه رسالةً لحزب الله أنّ مرونته بملف الترسيم ستُقابل بمرونة بملف التشكيل”.
الأميركي سيحاول عرقلة تشكيل الحكومة إلى حين إنضاج مسألة ترسيم الحدود
ويتوقع الصحافي والكاتب السياسي ياسر الحريري أن يحاول الأميركي عرقلة تشكيل الحكومة إلى حين إنضاج مسألة ترسيم الحدود، “لذلك سنرى أنّ شينكر سيستبق زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان ليرعى هذا الاتفاق”.
ويقول ياسر الحريري لـ “أحوال” إنّه من المتوقع أن يعلن الاتفاق بالتزامن مع الحكومة الجديدة لكن في حقيقة الأمر المتطلبات كثيرة إلا إذا في حال نجح الرئيس الفرنسي ماكرون كما يشير في اتصالاته مع الأميركيين والإيرانيين والسعوديين في تذليل العقبات التي تقف في وجه الحكومة اللّبنانية.
ويرى المحلّل السياسي أنّ موضوع التشكيل ليس مرتبطًا فقط بالترسيم وإن كان الأهم فهناك مسائل أخرى تتعلق بالفساد والنظام المصرفي والإصلاح والتحقيق المال، موضحًا “طبعًا ليس كرمى لعيون اللّبنانيين، بل لأن للبنان مشروعًا إقليميًا متطوّرًا من مختلف النواحي، ويجب أن يكون هناك إدارة إلى حدّ ما مقبولة بنظافة الكف لكي تتلاءم مع المعطيات التي ستستجد في الأشهر المقبلة”.
مضمون الوساطة الأميركية في ملف الترسيم
طرحت أميركا وساطة عُرفت بـ “خط هوف” عام 2012 عندما كان السفير فريدريك هوف يقوم بوساطة كموفد أميركي بين لبنان والعدو الإسرائيلي فيما يتعلّق بالنزاع البحري الحدودي بين الجانبين، بحيث قدّم اقتراحًا للجانب اللبناني بأن يقبل ولو مؤقتًا أن يتراجع الجانب الإسرائيلي بما يقارب 60% من المنطقة التي تحاول الاستيلاء عليها والتي تبلغ مساحتها الكاملة 860 كلم2. أما 40% من المنطقة المتبقية (أي 310 كيلومترات) فتبقى كما هي من دون أن يستثمر فيها لبنان ولا حتى العدو الإسرائيلي.
ويعلّق ياسر الحريري في هذا الإطار بالقول إنّ الأميركي تطوّر في الموقف وصار أقرب إلى الرؤية اللّبنانية في الحل، طبعًا ليس منّة منه بل لأنّ الخرائط الدّولية الموجودة في الأمم المتحدة منذ عصبة الأمم تشير إلى حدود لبنان البحرية مع فلسطين المحتلّة والتي يحاول العدو الإسرائيل أن يقضم منها وهذا ما لم ولن يقبله لبنان.
ويضيف: لقد وُضعت صيغ للحل في هذا الموضوع وأعتقد أن الجميع توافق على بعض النقاط التي سيُعلن عنها مع مجيء شينكر إلى لبنان في حال أُنجز كما كان قد أعلن الرئيس نبيه بري في وقت سابق”.
تقوم صيغة الحل على بدء الشركات المعروفة التي لُزّمت عبر توتال، وسيكون معها شركات أخرى أميركية وبريطانية وقد تكون يونانية في الحفر في كلا الجهتين. وبالفعل بدأت السلطات اللبنانية تحضّر لبدء الحفر في في بلوك رقم 9 اللّبناني وكذلك عمد العدو الإسرائيلي إلى إجراء التلزيمات اللّازمة في البلوك 72 المحاذي لبلوك رقم 9 وقام بعقد اتفاقات مع المجموعة الأوروبية لذلك، وذلك سيكون عبر الخط اليوناني خارج الخط اللّبناني كما سيكون الخط اللّبناني أيضًا منفردًا.
ويقول ياسر الحريري: “إطلاق العدو الاسرائيلي لعملية تلزيم البئر 72 ما كان ليحصل لو لم يكن هناك أجواء ايجابية محددة بالاتفاق والتفاهم، فتأخير تلزيم البئر الغازي الاسرائيلي منذ سنوات كان لأسباب أمنية”.
خلفية النزاع على الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي
يعود التنازع بين لبنان والعدوالإسرائيلي على ترسيم الحدود البحرية إلى عقود خلت، بدأ إثر هفوة ارتكبها لبنان عام 2007 أثناء توقيعه مع قبرص على اتفاقية حول تعيين حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة بين البلدين.
وفي التفاصيل، فقد تم ترسيم الحدود مع قبرص بخط وسط مؤلف من ست نقاط، من النقطة (1) جنوباً حتى النقطة (6) شمالاً.
الخطأ وقع عندما لم تحسم هذه الاتفاقيّة طرفي خط الحدود البحرية بين لبنان وقبرص، بل ترك الأمر إلى حين استكمال ترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة للدولة اللّبنانية من جهة الشمال مع سوريا، ومن جهة الجنوب مع فلسطين المحتلة، والتي تتقاطع في كل جهة مع امتداد خط الوسط الذي تم الاتفاق عليه بين لبنان وقبرص.
في عام 2009، استكملت الدولة اللّبنانية ترسيم حدودها الشمالية والجنوبية وأصبحت هذه الحدود مع قبرص تمتد جنوباً الى النقطة (23) بدلاً من النقطة (1)، وشمالاً الى النقطة (7) بدلاً من النقطة (6).
في عام 2010، استغل العدو الإسرائيلي هذه الثغرة في الاتفاقية بين لبنان وقبرص لناحية ترسيم حدودهما انطلاقاً من نقطة مؤقتة يمكن تعديلها لاحقاً وهي النقطة الرقم (1)، وبدلاً من أن يرسّم حدوده مع قبرص اعتباراً من النقطة (23)، بدأ بهذا الترسيم اعتباراً من النقطة (1) حتى النقطة (12).
في تموز 2011، عمد العدو إلى ترسيم حدوده البحرية مع لبنان بخط يبدأ من رأس الناقورة حتى النقطة (1) بدلاً من النقطة (23)، وأبلغ الأمم المتحدة بهذا الترسيم، ويكون بذلك قد خلق منطقة بحرية متنازعاً عليها تقدر بحوالى 860 كلم2.
نُهاد غنّام