“الجمعيات” و”المنظمات”: سلاح سرّي في الإنتخابات النيابية المقبلة
عام 2006 ظنّ الأميركيون أن ولادة الشرق الأوسط الجديد يُمكن أن تمرّ من لبنان، فتلقى المشروع صفعة مدوّية في آب، ولكن من يقرأ “الأميركي” يُدرك أن مشاريعه لا تبدأ بلحظة، ولا تنتهي بلحظة، لذلك استمرّ التخطيط، فكانت محاولة الدفع بالجيش الى المواجهة مع المقاومة، في أيار 2008، وفشل المشروع مجدّدا بسبب عملية قيصرية عسكرية في بيروت. يومها انتهى التفكير العسكري للتغيير في لبنان، وانطلقت الحرب الناعمة التي تُشكّل بعض الجمعيات وبعض المنظمات الدولية التي لا تبغي الربح أبرز أركانها.
منذ 10 أعوام تقريبا أصبحت هذه الجمعيات والمنظمات أكثر فعالية في لبنان، فدخلت في كل وزارة وإدارة، حتى باتت جزءا من اللعبة اللبنانية، ولكن كل تلك السنوات كانت للتحضير لما هو مطلوب منها في اللحظة المناسبة، وهذه اللحظة باتت قريبة وموعدها سيكون مع موعد الإنتخابات النيابية المقبلة، سواء كانت مبكرة، أو لا، وذلك بعد أن فُقد الأمل من تحقيق الاحزاب “14 آذار سابقا” لأي تغيير، مما يجعل التضحية بها كلها، كمنظومة واحدة، أمرا ضروريا لتعزيز قوة المنظمات والجمعيات.
قبل أي استحقاق، هناك تحضيرات ومناورات يجب أن تحصل، والتدريب الأبرز الذي حصل كان عام 2016 في الانتخابات البلدية، حيث قامت “بيروت مدينتي” بالتجربة الأولى ونجحت، فجاءت التجربة الثانية في الانتخابات النيابية عام 2018، ونجحت في عدد محدود من المناطق، ولكن بعد حراك 17 تشرين بدأت الأمور تأخذ منحى جدّيا أكثر.
في بداية الحراك الشعبي في 17 تشرين أول عام 2019، كان واضحا وجود عدّة أقطاب فيه، وعادة القطب الأبرز هو الذي يملك القدرة على التنظيم، وصرف الأموال، إعلاميا وإعلانيا، وفي حراك 17 تشرين كان هذا القطب مُمّثلا بعدد من المجموعات أبرزها على سبيل المثال لا الحصر، “بيروت مدينتي”، حزب 7، مهنيون ومهنيات، الكتلة الوطنية، بولا يعقوبيان (حملة دفى)، وبعض الشخصيات التي تريد الوصول الى السلطة ولم تصل عبر أحزابها فخرجت مثل زياد عبس، بعض الأساتذة الجامعيين، وشخصيات مثل جيلبير ضومط، جاد شعبان، وفرع من العسكريين المتقاعدين.
هؤلاء يشكّلون عصب التغيير في أي انتخابات مقبلة، ويُضاف إليهم بعض الجمعيات، وهؤلاء يملكون القدرة المالية لخوض الانتخابات، واليوم يشكّلون جسر التواصل بين المساعدات الدولية والشعب اللبناني.
بعد إنفجار مرفأ بيروت، لم يبق مسؤولا أجنبيا الا وعبّر عن عدم ثقته بالوجوه الموجودة في السلطة، وأكد أن المساعدات ستكون مباشرة الى الشعب، عبر جمعيات ومنظمات دولية، وشخصيات، وهذا القرار لم يصدر من فراغ، ولا بسبب قلة الثقة بالدولة، إنما بسبب النية الواضحة بضرب منظومة الأحزاب في لبنان، وتعويم الجمعيات والمنظمات، وتمويلها، وخلق علاقة مباشرة بينها وبين الشعب اللبناني، وهذه العلاقة ستكون عنوان العمل في المرحلة المقبلة لإيصال وجوه جديدة الى السلطة، ولكن هذه الوجوه الجديدة لن تكون بعيدة بمعظمها عن السياسة، بل ستدخل في صلبها، والهدف هو المساعدة في تحقيق “الشرق الأوسط الجديد”، الذي تحقّق في دول كثيرة من دول العالم العربي.
وفي هذا السياق تكشف مصادر خاصة بموقع “أحوال ميديا” أن عددا من الجمعيات باشرت التحضير لتحقيق التغيير، وسبقت كل الأحزاب في إطلاق العمل الانتخابي، مشيرة الى أن هذه الجمعيات تلقّت التمويل تحت عنوان “المساعدات”، وهي تستخدم التمويل في الأماكن الصحيحة.
بمقابل هذه الجمعيات تقف الأحزاب اللبنانية، الموالية والمعارضة، عاجزة عن الدفاع عن نفسها، والسبب هو قلة درايتها، وضعف تقديرها للموقف، والذي منعها من تحقيق التغيير خلال الأشهر الماضية، والاستغناء عن بعض وجوهها المستفزة، والدخول الجدي في معركة مكافحة الفساد، لذلك شكّل غباء المنظومة الحزبية فرصة نادرة للجمعيات والمنظمات للبروز أكثر، ما سيجعلها سلاحا مفاجئا في أي انتخابات مقبلة.
محمد علوش