مجتمع

الأمن الاجتماعي مفقودٌ في لبنان والجرائم تحصل بالجملة

يكاد لا يخلو يومٌ في رزنامة الشهر الحالي من حادثة سرقةٍ أو خطفٍ أو اعتداءٍ. خبرٌ ينتشر عبر مواقع التواصل، ففيديو يوثّق ما جرى، فبيانٌ للجهة الأمنية المعنية يوضح ماذا ومَن وكيف، من دون أيِّ حلٍّ جذريٍّ لخطر يتجذّر شيئًا فشيئًا في مجتمعنا.

على هذه الوتيرة بتنا نعيش، في ظلِّ إقفالٍ عامٍّ تفرضه جائحة كورونا، وضائقة اقتصادية خانقة، وأزمة سياسية لا حلولَ مرتقبة لها. بمعنى آخر، فقد المجتمع اللّبناني معظم مقوّمات الأمن الاجتماعي الذي تدور مفاهيمه حول توفير حالة الأمن والاستقرار والطمأنينة في المجتمع المحلّي، في مسعى للحفاظ على سلامة الفرد والجماعة من الأخطار الداخلية كالقتل والخطف والاعتداء على الممتلكات بالتخريب والسرقة والأخطار الخارجية.

الأزمة الاقتصادية الحالية تشكل عاملًا أساسيًا قد يدفع الناس إلى التفكير بالسرقة وارتكاب الجرائم وفق ما يؤكد الباحث في علم الاجتماع السياسي د. طلال عتريسي، مضيفًا أنّ الإرباك السياسي الحاصل والتقاعس عن تطبيق القانون قد يسوّل للبعض القيام بالأخطاء، ولا سيّما أنّ الهرب من العقاب ممكن ويحصل دائمًا من خلال الاحتماء بجهاتٍ معينةٍ.

يشير د. عتريسي إلى أنّ الوضع الضاغط شجّع على السرقة، ولكن هنا يجب التدقيق في الدوافع، فهناك من يسرق لأنّه محتاج، وقد شاهدنا فيديوهات توثّق قيام البعض بسرقة الطعام لسدِّ الجوع، ولكن هذا لا يعني أبدًا أنّ الفقر يبرّر السّرقة. وهناك من يستغلّ الظروف الرّاهنة، فالشوارع شبه خالية من السيّارات والمارّة، والمحال التجارية خالية من موظّفيها، ممّا يسهّل عمليات النّهب، ولكن هؤلاء تحديدًا هم أشبه بعصاباتٍ متمرّسةٍ ليست حديثة النّشأة وليست وليدة الأزمة الحالية.

ويوضح عتريسي أن هناك فرق بين من يقتحم مؤسسةً ويسرق خزنةً بما فيها، ومن يدخل صيدليةً ويأخذ دواءً من دون أن يدفع ثمنه، وبين السّرقة لسدادِ احتياجاتٍ محدودةٍ وهذه قد لا تُعتبرُ سرقةً، والسرقة المتخصصة التي ترتكبها عصاباتٌ تنهب الأرزاق وترهب المواطنين وتستخدم قوّة السّلاح.

السرقات التي شهدناها مؤخرًا تنوّعت بين عملياتٍ لسرقة سياراتٍ وهواتف محمولة وأجهزة توزيع انترنت وأسلاك كهربائية، بعضها ترافق مع عنفٍ جسديٍّ أدّى إلى الموت في حالاتٍ معيّنة، وهو ما حصل خلال عملية النّشل التي تعرّض لها المواطن عصام خميس بتاريخ  13-1-2021 في منطقة الجناح وتسبّبت بوفاته في المستشفى متأثّرًا بجروحٍ في رأسه، وفي 7-1-2021 خلال محاولة خطف عسكري في الجيش اللّبناني كان بلباسه المدني فور مغادرته أحد محال الصيرفة في منطقة الفرزل – زحلة، حيث حصل تبادل لإطلاق النّار أدّى إلى وفاة العسكري وأحد الخاطفَين.

وعن العنف الذي يرافق جرائم السّرقة والخطف وغيرها من تفاصيل حياة اللّبنانيين حاليًا، يقول عتريسي إنّه أصبح نوعًا من الثّقافة العامّة في لبنان، ولا سيّما عندما نرى رجل أمنٍ يعنّف مواطنًا، في إشارةٍ إلى الفيديو الذي يظهر فيه عنصر في قوى الأمن الداخلي يصفع مواطنًا، وهذا امتداد للعنف الرّمزي الذي يُمارَس ضدّ المواطن من قبل الموظفين في مؤسسات الدولة أثناء تخليص المعاملات من خلال التّعامل معه باحتقارٍ وتهميشٍ وإذلالٍ، لافتًا إلى أنّ العنف المختزن في نفوس الأفراد يمكن أن يخرج عند حصول أيّ احتكاكٍ سلبيٍّ مع أفراد الأسرة في المنزل أو الجيران في الحيّ أو حتى الغرباء في الشارع، لتسود ثقافة العنف في المجتمع سواء في البيوت أو الشارع أو المؤسسات.

بحسب عتريسي، إنّ احتمالات أن نقع في خطرٍ مجتمعيٍّ حقيقيٍّ تتزايد مع استمرار الوضع على ما هو عليه، وغياب سياسة فاعلة تعالج الأزمة الاقتصادية والفقر، وتغاضي السّلطة عن محاسبة المخالفين ومرتكبي الجرائم، خصوصًا في ظلِّ الأزمة السياسية الحاصلة والتي يضعف معها القانون والقضاء والقوى الأمنية، ليختم بالقول إنّ كلّ هذا الخلل بحاجةٍ إلى إعادة ترميم كي يعود شعور الخوف من المحاسبة إلى النّاس، وتعود الأنظمة والضوابط التي يعيش الناس في المجتمع وفقًا لها.

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى