منوعات

لبنان في القرون الوسطى: لا تغيير دون نهضة

محاولات التّغيير في لبنان تأتي من بابها الضّيق فتُعيقنا العتبة وصغر المنزل.

ضائعون نحن بين المطالبات بإصلاح النّظام المصرفي، وخلق فرص عمل، وبناء نظامٍ اقتصاديٍّ متين، ونظام أمان صحّي، وشبكة أمان اجتماعية، وإصلاح الكهرباء والطّرقات وغيرها من المشاكل.

لكن كلّ هذه الأزمات زواريب ضيّقة ومن يغوص فيها يخرج في أفضل الحلات مقولبًا على حجمها أو ملطّخًا برائحة فسادها ومفسديها.

فما هو الحلّ؟

الحلّ الأصعب لكن الأنجح على المدى الطّويل هو نهضة ثقافية. هذه النّهضة تنقلنا من القرون الوسطى إلى عصر النّهضة اللّبنانية.

كيف؟ بالعِلم والتّحدي والإصرار.

قد يكون العلم حلًّا طويل الأمد لكّنه الأجدى، إذ يُنتج جيلًا مثقّفًا مدركًا يعرف حقوقه وواجباته لا يُجرّ بغرائزه ويتحكّم فيه هذا أو ذاك الزعيم.

هذا الجيل عليه أن يدرك أهمّية البيئة وضرورة الحفاظ عليها.

عليه أن يكون علمانيًا وحرّ المعتقد، له حرّية الاختيار لا تتحكّم فيه وبتصرّفاته وحياته الخاصة المؤسّسات الدينية، ولا تُنزل عليه قصاصا يخرج عن التّسامح الذي أوصى به الرّب في كتبه السّماويّة.

عليه تقديس الحرّيات ورفض شيطنة الآخر رغم اختلاف الرّأي، فالاختلاف حقّ مشروع ولا مضرّة فيه بل على العكس يكرّس التنافس نحو مجتمع أفضل.

عليه أن يسعى من أجل دولة المواطنة التي تعامل كلّ رعاياها بالتّساوي تحت سقف القانون.

الأهم من ذلك، خلق فرد في المجتمع يفكّر تفكيرًا نقديًّا تجاه كلّ ما يراه كي يكوّن صورة يصنعها بنفسه نابعة من قناعته.

عليه أن يدرك قيمة الإنسان انطلاقًا من نفسه ويرفض أيّ شكلٍ من أشكال الذّل وينتفض في وجهها.

النّهضة هذه تحتاج علماء على كافّة أنواعهم، من الطّبيب إلى الفيزيائي إلى النّحات والرّسام وكلّ مبدع في مجاله.

هذه النّهضة تحتاج إلى أمثال مايكل أنجِلو وغاليليو، وأيضا مارتن لوثر.

تحتاج إلى روح الانتفاض التي كانت لدى أولئك العلماء في أوروبا ما ساهم بنقلها على مدى مئات السّنين من العصور الوسطى إلى الحضارة في عصر النّهضة.

تحتاج إلى أشخاص غير تقليديين مستعدّين للمواجهة لتغيير الجوهر ونزع ثوب القداسة عن كلّ شيء حتّى عن أنفسهم. وهنا تبدأ الإرادة.

إصلاح المجتمع هو الخلاص الوحيد وهذا الإصلاح هو حجر الأساس في نهضة ليس هناك سبيل لهذا الوطن من دونها.

عند حدوثها، كلّ الحقوق تعود إلى المواطن.

إذًا السّعي في سبيل النّهضة المجتمعية معركة صعبة وقاسية إنّما هي الطّريق الوحيد إلى دولة المواطنة. فتثقيف الفرد وتحريره فكريًّا يؤدّي تلقائيًا إلى تغيير شامل، يلغي الظّلامية التي تتحكّم فينا.

 

هادي وهاب

هادي وهاب

باحث في سياسة الشرق الأوسط. حائز على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة إكسيتر البريطانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى