منوعات

كارتيل المولّدات: “تشبيح” و”تشليح” وهدر لموارد الدولة

في خضم الأزمات التي تعصف بلبنان وعشية انتهاء عقد الكهرباء مع شركة “سونطراك” نهاية العام الجاري، وتوجّه الدولة إلى رفع جزئي للدعم عن المحروقات، وتقنين جديد للتيار الكهربائي في مختلف المناطق اللبنانية؛ لم يبقَ أمام المواطن إلاّ المولّدات الخاصة كوسيلة إنقاذ وحيدة من ظلمة الليل الآتية مع حلول فصل الشتاء والبرد القارس سيما في المناطق الجبلية.

هذا سيعيد إشكالية هذا القطاع “غير الشرعي” إلى واجهة المشهد، ما سيدفع المسؤولين عن هذا القطاع إلى مزيد من التحكّم برقاب الناس وبأسعار الاشتراكات والعدّادات الشهرية، فضلاً عن الإحتكارات في ظل غياب أي رقابة أو تنظيم حكومي، لهذا القطاع الذي تتحكّم به “مافيات” تحظى بغطاءٍ حزبي ومناطقي وسياسي ورسمي أيضاً، ليصبح كل صاحب مولّد على “مزبلته صياح” كما يقول المثل الشعبي الشائع. فإلى أين تتجه الأزمة وماذا يحصل في جمهورية المولّدات؟

 عصابات غش وبلطجة

مصادر ميدانية مطلعة على الملف كشفت لـ”أحوال” عن عمليات غش و”تشبيح” و”تشليح” تقوم بها عصابات المولّدات في أحياء وأزقة المدن سيّما في بيروت، فيما يدفع المواطن وخزينة الدولة الثمن. فكيف ذلك؟

تشرح المصادر بأنّ أغلب المناطق اللبنانية وبفعل النظام السياسي والطائفي السائد، تخضع لسيطرة حزب أو جماعة سياسية معينة. فلا يحصل شيئ في تلك المنطقة من دون علمها أو الرجوع إليها بكل شاردة وواردة؛ وبالتالي تحتكر جماعاتها كل المصالح والتجارة في نطاق المنطقة، كإشتراك “الستالايت” وخدمة “الأنترنت” والمياه والمولّدات الخاصة وغيرها. ويجري توزيع أنصبة الأرباح بين أصحاب هذه المصالح والمسؤولين الحزبيين والجهات النافذة التي تغطيهم في الدوائر الرسمية.

وفيما خص المولّدات الكهربائية، أشارت المصادر إلى أنّ أغلب عمليات الإحتكار والتلاعب بالأسعار والسرقة تتم في المدن، أي المناطق المكتظة بالسكان والتي تستحوذ على عشرات آلاف الزبائن، وحيث يختلف نظام تقنين الكهرباء فيها عن القرى مثلاً. فكل حيّ يخضع لنظام تقنين خاص بعدد الساعات، ما يسمح لأصحاب المولّدات بالإستفادة من ذلك عبر تزويد المشتركين بالكهرباء من خطوط مختلفة تعود لكهرباء الدولة لساعات عدة. فيما يزودون المواطن من كهرباء “الموتيرات” لبضع ساعات ويجبون من الزبائن ثمن هذه الساعات في عملية غش وتشليح واضحة.

كارتيل موحّد

يمدّ أصحاب المولدات خطوطاً كهربائية من عدة خطوط لكهرباء الدولة والتي تصل إلى خمسة خطوط، كما يجري التنسيق بين أصحاب المولدات في الأحياء لتبادل هذه الخدمة غير الشرعية. كما يؤلفون فيما بينهم ما يسمى بـ “كارتيل” يحمون بعضهم بعضاً، ويحتكرون حصرية العمل في قطاع المولّدات من جهة، وتقديم خدمة الإشتراكات للمواطنين من جهة ثانية، فضلاً عن تبادل الزبائن أحيانأً ورفض التعامل مع أي زبون يتمرّد على صاحب مولدٍ آخر”.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد بحسب المصادر، فقد عمد هؤلاء إلى نسج شبكة علاقات مع بعضهم في معظم المناطق اللبنانية، لتتطوّر على شكل “كارتيلات” المولّدات؛ والغاية منها الإحتكار وتوحيد أسعار هذه الخدمة والإنضواء ضمن إطار نقابة لمواجهة أي تحرّك شعبي أو رسمي ضدهم؛ وهذا ما حصل منذ سنوات حينما نفذوا عصياناً مدنياً ضد قرار وزارة الاقتصاد في الحكومة السابقة.

أما في القرى، فتتقلّص نسبة الفساد التي تعتري هذا القطاع غير الشرعي أصلاً، لأنّ أبناء القرى يعرفون بعضهم جيداً، فضلاً عن أنّ ساعات التقنين معروفة ومحدّدة بأربع ساعات كحد أقصى، وأيضاً مزوّدة بخط كهربائي واحد من الدولة، وبالتالي لا مجال للتلاعب والسرقة. كما تحدثت المصادر عن ابتزاز بعض أصحاب المولدات للمواطنين وإجبارهم على عدم تركيب عدادات، سيّما وأن بعضهم يقوم بالتلاعب بالعدادات باستخدام بعض التقنيات العلمية.

لماذا يُسمح ببقاء هذا الملف بيد هؤلاء التجار المحظيين بالسطوة والحماية السياسية؟

الحلّ بيد البلديات

يقترح خبراء ورؤساء بلديات حلاً ينظم القطاع ويقوننه ويقضي على الإحتكارات وعمليات الغش والتلاعب بالأسعار ويدخل عائدات إلى صندوق البلديات. وبحسب ما علم “أحوال”، فإن الحلّ بحسب هؤلاء هو أن تكون المولدات تحت سيطرة البلديات؛ وهذا الحلّ ليس جديداً أو وهمياً بل هو ممكن ومعتمد في عدة بلديات لبنانية، كبلدية المجيدل في جنوب لبنان على سبيل المثال لا الحصر، التي تملك مولّدات خاصة وتزوّد جميع مواطنيها بالكهرباء بثمن متوسط يبلغ 70 ألف ليرة لـ 15 أومبر، و50 ألف لـ 10 أومبير؛ فيما تستوفي منها البلدية نسبة 10 في المئة إلى صندوقها الخاص. فلماذا لا يُعمّم هذا الحل على باقي البلديات اللبنانية ريثما تُحل أزمة الكهرباء في لبنان؟

في المقلب الآخر، يكمن الفساد الأخطر بقيام عدد كبير من أصحاب المولّدات الخاصة بشراء كميات ضخمة من المازوت المدعوم على أساس أنهم تجار، ويقومون بتخزينه في المستودعات، ثم بيعه في السوق السوداء بأسعار أعلى أو تهريبه إلى سوريا.

وتقدّر مصادر أرباح هذا القطاع بمليارات الدولارات التي تتوزّع على أصحاب المولدات والجهات السياسية النافذة التي تؤمّن الحماية لها، وهذا أحد الأسباب الذي يمنع السياسيين من إصلاح قطاع كهرباء الدولة لكي تبقى “المافيات” تغتني على حساب المواطن تحت أعين الدولة وأجهزتها.

تجمّع المولدات

في المقابل رفض تجمّع أصحاب المولّدات الخاصة الإتهامات التي تُساق ضدهم واعتبروا أنّ خدمة المولّدات كغيرها من الخدمات التي جاءت لتسد عجز الدولة في تزويد المواطنين بالنقص في كهرباء الدولة. ولفتت المصادر لـ”أحوال” إلى أنّ تأمين الكهرباء 24 ساعة للمواطنين في كافة الأراضي اللبنانية هي مسؤولية الدولة، أمّا المولّدات الخاصة فتساهم بسد حاجة المواطن الإضافية لا أكثر ولا أقل، ووفقاً للائحة الأسعار التي حدّدتها وزارة الطاقة.

لكن مصادر التجمع حذّرت من أنّ رفع الدعم عن المحروقات سيؤدي إلى ارتفاع صفيحة المازوت، وبالتالي سعر الكيلوواط ما سيرتب ضغوطاً إضافية على المولدات الخاصة، وبالتالي أعباءً مالية، أي يصبح ثمن 5 أمبير بـ400 ألف ليرة وأكثر، ما سيجعلنا مجبرين على رفع الفاتورة.

واقترح أصحاب المولّدات على الحكومة خلال اجتماعات وورش العمل التي حصلت في السراي، دعم الزيوت وقطع الغيار في حال اتُخذ قرار رفع الدعم وإلا أمام صاحب المولد حلّين: إما رفع التعرفة بنفس نسبة ارتفاع سعر صفيحة المازوت، وإمّا وقف محركاته عن العمل وغرق المواطن في الظلمة. وأكدوا بأن الحل هو وقف التهريب؛ لكن خبراء أوضحوا بأنّ رفع الدعم عن المحروقات يمنع التهريب إلى الخارج بسبب ارتفاع سعرها، ما يحدّ من التخزين والإحتكار وبالتالي خفض فاتورة إستيراد المحروقات.

وعوّلت مصادر رسمية على الرد العراقي الإيجابي على طلب لبنان بدعمه بالمحروقات على مدة سنة مع تسهيلات بالدفع، علّ هذا الحل يخفف من حدة الأزمة ومن ارتفاع فاتورة المولدات. وعلم “أحوال” أن هذا الملف سيكون محل بحث الخميس المقبل على طاولة لجنة الطاقة النيابية”.

أبو شقرا: لا أزمة مازوت

من جهته أكد ممثل موزعي المحروقات فادي أبو شقرا لـ”أحوال” أن “الأمور لم تتضح بعد بشأن رفع الدعم عن المحروقات”، مشيراً إلى أن “النقابة تلقت وعداً من رئيس الحكومة والوزراء المعنيين بأن لا رفع للدعم، بل نتوقع ترشيداً للدعم”. وطمأن إلى أن لا أزمة محروقات مقبلة سيما المازوت والغاز، كاشفاً أن “رفع الدعم سيطال البنزين بنسبة معينة ولن يطال المازوت بأي شكل من الأشكال، نظراً لحيوية هذه المادة بالنسبة للمواطن والتي تدخل في الصناعات والزراعات والتدفئة”.

وأوضح أبو شقرار أن “وزارة الطاقة بالإتفاق مع نقابات المحروقات اتخذت إجراءات مشددة للحدّ من تخزين المازوت وذلك من خلال تحديد الكمية التي تُعطى لأصحاب المولدات والمحطات ما يمنعهم من تخزينها”، ودعا الجميع إلى عدم تخزين المحروقات سيما المازوت لأنه لن يطالها رفع الدعم.

وتبقى الإشارة إلى أن تدهور الأوضاع السياسية والطائفية والمالية والاجتماعية والنقدية والأمنية، سيشرّع نظام “المولدات الخاصة” أكثر بسبب حلول “الأمن الذاتي” مكان أمن الدولة وأجهزتها ومؤسساتها، ما يعني توجه كل طائفة أو حزب إلى حماية منطقته أو بيئته عبر تخزين المواد والسلع الغذائية والأدوية في مخازن خاصة، وتجهيز خزانات للوقود وتأمين مولّدات ضخمة لمد المناطق بالكهرباء في حال انقطاع الفيول والمازوت، أو بدء التقنين الرسمي لساعات التغذية الكهربائية كما بشّرت اجتماعات السراي الحكومي. وبحسب ما علم “أحوال”، فقد باشرت معظم الأحزاب باتخاذ إجراءات ميدانية محلية على هذا الصعيد لاحتواء أي ردات فعل من مناصريها وجمهورها وبيئتها، فيما لو تفاقمت الأزمات أكثر ما سيؤدي إلى خلق نظام “فدرالية المولدات”.

محمد حمية

 

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى