منوعات

“عيون السّمك” جنّة لبنان المنسيّة.. تنوع بيولوجيّ فريد وإهمالٌ مزمن!

تكاد تكون “جنةً مُهمَلة”، بالرغم من أنّها تمثّل إرثاً طبيعياً للبنان في اتّساقها الساحر الفريد. هي منطقة “بحيرة عيون السمك” المسكونة بعبق الجمال، عطراً ومناظر ومطلّات خلّابة تحضنها أقضية عدّة في شمال لبنان.

Photo Credit: Michel Sawan

ولكن من المفارقات، أن قلّة من اللبنانيين تعرف معالمها، إذ فوجئ الكثيرون بما تختزن من مواقع ثريَّة بتنوّعها، حيث يُذهل الناظر إليها بين روعة المناظر الطبيعية من أشجار وشلالات وبحيرة مترامية الأطراف، وبين ما تزخر به من تنوّع بيولوجي من نباتات وحيوانات وزواحف، ما جعلها تستقطب الباحثين عن فسحة طبيعية في ما تبقى من بيئة لبنان ومعالمه، كما وقد ساهمت الطريق، التي شُقّت أواخر عام 2009، في زيادة عدد الزيارات إلى المنطقة، حيث يمكن ممارسة رياضة المشي والتعرّف على الحياة الريفية البسيطة، وكرم الأهالي على الرغم من الفقر المدقع.

منطقة “بحيرة عيون السمك” كانت تُعرف سابقاً بمنطقة البحيرات السبع، قبل إنشاء السدّ فيها عام 1956، والذي توجد عليه محطّة لتوليد الطاقة الكهرومائية، كما يحجز خلفه بحيرة بمساحة تقارب الـ 140 ألف متر مربع.

تبعد “عيون السمك” 120 كيلومترًا عن بيروت، وتقع على ارتفاع حوالي 220 مترًا عن سطح البحر، في نقطة التقاء ثلاثة أقضية، وهي عكار والمنية والضنيّة، وضمن بلدتَي “بطرماز” و”عزقي” جغرافيًا، ولكنّها تتبع إدارياً لبلدة “سفينة القيطع” في عكار.

Photo Credit: Michel Sawan

أما عن تسميتها بـ “عيون السمك”، فيعود إلى سببين: الأول، وجود نبعين كبيرين يأخذان شكل عينَي سمكة، والثاني وجود أسماك ذات عيون جميلة.

صوّان: تنوّع بيولوجي فريد

يؤكّد الناشط البيئي والأخصائي في الطب الفيزيائي، د. ميشال صوّان لـ”أحوال” أن المنطقة تُعتبر ثروة لجهة التنوع البيولوجي الفريد فيها، قائلًا: “تمكّنا من توثيق ما يزيد على 50 نوعًا من الطيور، بينها “الشحرور أزرق الزور، أبو الحناء الأوروبي، العراب الأبقع، الغطاس الصغير، رفراف أبيض الصدر، حوّام طويل الساقين، ذُعرة صفراء، ذعرة رمداء، ذعرة بيضاء، تيّان أوراسي، الحوام الشائع، صقر الجراد، سمنة الصخور الزرقاء، سمنة الصخور الشائعة، خطاف الذباب المطوّق، برقش أوروبي، خطاف الذباب المرقط وغيرها كثير”، بالإضافة إلى عدد كبير من الزواحف والحشرات والحيوانات المختلفة”.

Photo Credit: Michel Sawan

من هنا، يشير صوّان إلى أنّه لاحظ وجود عدد كبير من أسماك الزينة، والتي من الممكن أن تكون من نوع Koi carps، وهي كائنات مستوطنة واسمها العلمي Red-eared slider، يمكن أن تتحوّل إلى كائنات غازية وتتسبّب بضررٍ للتوازن البيئي، إذ تتغذّى على بيوض وصغار الأسماك الأخرى والزواحف، وفي حال كثرت أعدادها، قد تؤثّر على التنوّع البيولوجي.

من جهة أخرى، يأسف صوّان لحجم الإهمال الذي تعاني منه المنطقة والتلوّث الكبير والمزمن، في ظلّ الغياب الفعلي لدور الدولة في هذا الخصوص، الذي وإن وُجد يمكنه أن يساهم في رفع مستوى البحيرة على كافة الأصعدة، وحماية التنوّع البيولوجي الفريد الذي تتمتع به.

زكريا: لإعلانها محمية!

بدوره، يقول رئيس المجلس المدني لإنماء عكار، والعضو المؤسّس لـ”تجمّع عكار الوطني”، حامد زكريا لـ “أحوال”: “منطقة بحيرة عيون السمك، تقع بين عكار والضنية، واستقطبت أهالي الجوار الذين بدأوا باستثمار الأراضي في السياحة وزراعة الحمضيات”، لافتًا إلى أن مياهها تشكّل مصدرًا لريّ سهل عكار.

Photo Credit: Michel Sawan

ويتابع: “نعمل في “تجمع عكار الوطني”، منذ تشرين الأول 2019، على تفعيل نشاطات بيئية تشمل عكار، من ضمنها خطّة، بالتعاون وبتفويض من “شركة كهرباء البارد” لمدّة عام، للإهتمام بالمنطقة بيئيًا وسياحيًا، وتحديدًا لتنظيف وتعزيل سد مياه بحيرات “عيون السمك” بعد تجمّع النفايات بالأطنان فيها وعلى سطحها”، حيث قاموا بحملة امتدت من أواخر أيلول إلى أوائل تشرين الأول، شارك فيها أكثر من 350 متطوع، جمعوا خلالها أكثر من 100 طن من النفايات الصلبة، وقد واكبهم في هذه الحملة وزير البيئة السابق، فادي جريصاتي، وأثنى على جهودهم، خصوصًا عندما علم أن التكلفة لا تتجاوز 11 مليون ليرة لبنانية، والتي تمّت من قبل متطوعين.

وفي السياق، يوضح زكريا أن دخول البلاد في دهاليز الأزمة الإقتصادية ووباء كورونا، منعهم من تنفيذ خططهم التي كانت تشمل زراعة أغراس واستقدام حيوانات وطيور، فضلًا عن التعاون مع شركات تُستثمر في مجال السياحة مع قوارب للنزهة في البحيرة على غرار “بحيرة بنشعي”، ما يساهم في تنشيط الدورة الإقتصادية من باب السياحة والبيئة، بالإضافة إلى إعلان المنطقة “محمية أرض رطبة” (رامسار)، أسوة بغيرها من المحميات في لبنان.

Photo Credit: Michel Sawan

البحيرة والتلوّث

وعلى الضفّة المقابلة، يلفت زكريا إلى أن المنطقة مهملة بشكل كبير وبحاجة لتنظيف ومتابعة، كما أنها تعاني من تلوّث من جهتين، الأولى متعلّقة بالنفايات الصلبة التي يتم رميها من كافة القرى من جهة، والثانية مرتبطة بمياه الصرف الصحي الذي تعاني منه جميع المسطحات المائية، نظرًا لعدم وجود بنية تحتية لمعالجة جذرية للمشكلة، إذ وبحسب قوله، “تبيّن أن نهر البارد وبحيرة عيون السمك هما الأكثر تلوثًا وفقًا لفحوصات أجرتها مصلحة الأبحاث العلمية والزراعية – فرع العبدة، يتبعها نهر الأسطوان، ثم نهري عرقا والكبير”.

Photo Credit: Michel Sawan

وفي السياق عينه، يقول أحد الناشطين من المنطقة، فضّل عدم ذكر اسمه، لـ”أحوال” إن البحيرة ملوّثة بشدّة، بفعل مياه الصرف الصحّي التي تصبّ فيها والناتجة عن مخلّفات قرى الحوض الأعلى والأدنى للنهر، مشيرًا إلى أن جميع محاولات وحملات التنظيف لم تجدِ نفعاً في ظلّ غياب الخطط في هذا الصدد، ليؤكد بالمقابل أن محطّة تكرير مياه الصرف الصحي، التي كان من المزمع البدء بإنشائها قبل عامين في بلدة “مشمش” وبتمويل إيطالي، بإمكانها أن تساهم في تخفيف التلوّث عن النهر بنسبة تفوق الـ70 بالمئة.

سوزان أبوسعيد ضو

سوزان أبو سعيد ضو

ناشطة وصحافية لبنانية. مجازة في التحاليل البيولوجية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى