تحرير الجنوب أسّس لانتصارات المقاومة في الإقليم
النابلسي لـ"أحوال": حزب الله ساهم بفعالية في تغّيير وجه المنطقة
يحُلّ عيد المقاومة والتحرير هذا العام في ظلّ تحوّلات عدة على الساحتين الإقليمية والدولية. فتحرير الجنوب من الإحتلال الإسرائيلي في العام 2000 ليس مجرد مناسبة وطنية يحتفي بها اللبنانيون فقط، بل هي محطة أساسية تأسيسية للكثير من الأحداث والتطوّرات السياسية والعسكرية على مستوى لبنان والمنطقة.
فما هي أبعاد هذا الحدث الإستراتيجي في رسم مسار الأحداث في لبنان، خلال العشرين عام الماضية وما تأثيره على خيارات شعوب ودول المنطقة؟
التحرير كرّس المقاومة كخيار وحيد للشعوب المحتلة
جاء تحرير الجنوب بعد سنوات من الإنقسام السياسي الداخلي اللبناني والخارجي، حول جدوى وفعالية المقاومة في مواجهة إسرائيل والإحتلالات الخارجية. حيث طرحت بعض القوى السياسية نظرية قوة لبنان في ضعفه وحياده كخيار لتحقيق أمنه واستقراره، في مقابل طرح فريق آخر خيار التحرير واستعادة الحقوق بالقوة العسكرية التي تمثلها المقاومة.
وأتى التحرير بعد مرحلة تاريخية من التسويق الإقليمي – الدولي لخيار التفاوض والسلام العربي – الإسرائيل وحل الدولتين، ما أدى إلى تعويم خيار هذ الخيار على حساب خيار المقاومة والتشكيك بجدوى الإستمرار به. فجاء طرد الجيش الإسرائيلي من معظم الأراضي المحتلة، بعد سقوط كل مشاريع السلام في فلسطين والمنطقة، وتتويجاً لنجاح خيار المقاومة؛ كما يؤكد أستاذ العلوم السياسية الشيخ صادق النابلسي، الذي يشير لـ”أحوال” إلى أن “أهمية تحرير الجنوب يكمن في تكريس المقاومة كخيار أوحد لاستنهاض شعوب دول المنطقة ضد الإحتلالات والإعتداءات الإسرائيلية والأميركية، وهذا ما أثبتته الحرب على سوريا والعراق واليمن وغزة”.
حزب الله عامل أساسي في رسم المشهد الإقليمي
ويرى النابلسي بأن “محور المقاومة تقدم خطوات كبيرة رغم العقوبات والضغوط والحصار المالي والاقتصادي والإعلامي، وسجّل أركانه من لبنان إلى فلسطين إلى سوريا واليمن فالعراق، إنتصارات غيرت وجه المنطقة؛ وكانت المقاومة في لبنان وحزب الله بالدرجة الأولى عاملاً وقوة أساسيين في تغيير مشهد المنطقة، ورسم مشهد جديد من خلال قتاله في جنوب لبنان وفي سوريا، ودعمه المتنوع لحركات المقاومة الفلسطينية. إذ تمكّن هذا المحور من ردع العدوان، وإسقاط مشاريع الحرب العسكرية والسياسية ما يؤسس لمستقبل مزدهر للأمة العربية لبناء استراتيجية سياسية واقتصادية قوية”.
فهذا الإنجاز التاريخي أفرز واقعاً عسكرياً جديداً، وولّد طاقة معنوية ونفسية هائلة وفائض قوة تجاوزت حدوده المدى الجغرافي والقومي اللبناني، لتصل إلى كل شعوب المنطقة. وتبدلت القناعات من الإستسلام والسلام إلى المواجهة والمقارعة؛
فهذا الفائض، إضافة إلى نمو القدرات العسكرية والإستخبارية لدى المقاومة، كان الحافز الأساس لمواجهة عدوان تموز 2006، الذي انتهى بنصرٍ تاريخي إستراتيجي لازالت إسرائيل تعاني تداعياته السلبية حتى الآن. في المقابل، أدى إلى نشوء المعادلة الذهبية في لبنان: الجيش والشعب والمقاومة؛ كما استعانت المقاومة بهذا الفائض المعنوي والعسكري والشعبي في تغيير وجهة الحرب الكونية في سوريا، حيث تمكنت إلى جانب الجيش السوري والقوات الروسية الجوية والدعم الإيراني، من القضاء على كافة أنواع التنظيمات الإرهابية المدعومة من أميركا وإسرائيل ودول عدة، وتحرير معظم الأراضي السورية وإعادتها إلى كنف الدولة. فهل كان ليصمد العراقيون واليمنيون والفلسطينيون والسوريون لو أنّ المقاومة اللبنانية لم تُنَجز التحرير أوهُزِمت في حرب تموز؟
التحرير أعاد قسماً أساسياً من لبنان إلى حضن الدولة
التحرير أعاد مئات آلاف الجنوبيين إلى أرضهم بعد عقود من التهجير؛ وتكفي المقارنة بين حال الجنوب عام 2000 وحاله بعد واحد وعشرين عاماً من الإزدهار والعمران في مدنه وقراه، لا سيما في جنوب الليطاني؛ يكفي ذلك للإشارة إلى أهمية التحرير في استرداد قسم أساسي من الجنوب إلى حضن الوطن بعدما تركته الدولة نهباً للمخالب الإسرائيلية.
ومذاك الحين _باستثناء عدوان تموز، لم يتجرأ العدو الإسرائيلي على اجتياح متر مربع واحد من الجنوب أو الإعتداء على قراه وسكانه. في المقابل، لم يعرف مستوطنو قرى شمالي فلسطين الأمان والإستقرار النفسي يوماً واحداً… فلعنة “الجليل” تلاحقهم إلى غرف نومهم.
المقاومة حفظت مستقبلها ووجودها رغم التضحيات الجسيمة
بعد انتصار خيار المقاومة وسقوط خيار السلام، عمد منظروه إلى التسويق لنظرية أخرى لتشويه إنجازات المقاومة كخيار في التحرير والدفاع والردع، وإرساء الإستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. فسوّقوا لنظرية باتت إشكالية خلافية على مستويات عدة. وهي هل أن خيار المقاومة العسكرية تمكّن من تأمين شبكة أمان اقتصادي واجتماعي ومالي؟ أم أن نعمة قوة المقاومة المتعاظمة ومشاركتها في حروب المنطقة كسوريا مثلاً تحوّلت إلى نقمة كونها استدرجت حصاراً مالياً اقتصادياً خارجياً أدى إلى انفجار الأزمات ووضع دول المقاومة على حافة الإنهيار؟
لا يوافق الشيخ النابلسي على هذه النظرية، ويقول إنّ “المقاومة لا تُقاس بحساب المعاناة والخسائر والتضحيات البشرية والمادية والاقتصادية، بل بحماية الأوطان والشعوب والمقدرات، واستعادة الحقوق وحفظ الكرامة والسيادة الوطنية. فكم من شعوب ودول دفعت أثماناً بشرية واقتصادية باهظة، لكنها حمت بلدها من الإحتلال، وسجّلت إنتصارات تاريخية حفظت وجودها ورسمت مستقبلها لمئة عام. وكذلك مقاومات المنطقة اليوم ترسم بانتصاراتها مستقبلها لعقود مقبلة رغم التضحيات الجسيمة”.
محمّد حميّة