هل تشكيل حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش ممكن بعد الطائف؟
ترتفع بين الحين والآخر أصوات تدعو لتشكيل حكومة عسكرية إنتقالية للخروج من الأزمة الراهنة في لبنان وبعضهم يطالب بأن يكون قائد الجيش على رأسها. لكن هل التجارب مع حكومات عسكرية في تاريخ لبنان مشجعة؟ هل هي متاحة دستورياً بعد الطائف؟ وهل المناخ السياسي يفضي الى هكذا نوع من الحكومات؟
في التجربة، شهد لبنان ما قبل الطائف حكومتين عسكريتين في خضم إحتدام الأزمات وتعثر تشكيل حكومة عادية. الحكومة الاولى شكلت في 23 أيار 1975 برئاسة السني العميد المتقاعد نور الدين الرفاعي بعيد إندلاع الحرب وإستقالة حكومة الرئيس رشيد الصلح. جوبهت هذه الحكومة برفض سياسي وخصوصاً إسلامي كبير، وفشلت في خلق الصدمة المطلوبة فاستقالت بعد 3 أيام.
أما الحكومة الثانية، فأبصرت النور في 23 أيلول 1988 – أي في اليوم الأخير لعهد الرئيس أمين الجميل- برئاسة قائد الجيش يومها الماروني العماد ميشال عون وعضوية اعضاء المجلس العسكري. لكن الوزراء المسلمين أعلنوا استقالتهم من الحكومة فور صدور المراسيم. وعوض أن تخرج هذه الحكومة البلاد من الفراع عبر التحضير لإنتخابات النيابية تعيد تشكيل السلطة، تخطت دورها وأدخلت البلاد في مغامرات سياسية وحروب دموية ثلاث وإنتقلت البلاد من سيء الى أسوأ ولم تتنحَ حكومة عون إلا بضربة عسكرية أعقبها لجؤه الى السفارة الفرنسية.
إلا أن ثمة تجربة ناجة لحكومة غير عسكرية وإنما برئاسة عسكري تستحق التوقف عندها وهي الحكومة الثلاثية برئاسة قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب في 18 أيلول 1952 التي شكّلها الرئيس بشارة الخوري وقدم إستقالته على الفور وذلك بعد الاحتدام السياسي والتوترات والتظاهرات على الارض جراء التمديد لخوري عام 1949 وجراء ممارسات شقيقه طيلة عهده وقد لقب يومها بـ”السلطان سليم”. وكان الهدف من هذه الحكومة تسيير البلاد إلى أن يتسنى لمجلس النواب انتخاب رئيس للجمهورية بأقرب ما يمكن من الوقت وفقاً للدستور. وفي 23 أيلول 1952 انتخب كميل شمعون رئيساً للجمهورية، فقدم شهاب له استقالة حكومته.
في الدستور، تشكيل الحكومات بعد إتفاق الطائف ليس كما قبله، وهذا ما يؤكده الوزير السابق المحامي زياد بارود لـ”احوال” موضحاً: “المادة 53 من الدستور التي كانت تنص على أن “رئيس الجمهورية يعين الوزراء ويسمي منهم رئيساً ويقيلهم” عدّلت حيث أصبحت تنصّ على “یسمي رئیس الجمهوریة رئیس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئیس مجلس النواب استناداً إلى إستشارات نیابیة ملزمة یطلعه رسمیاً على نتائجها”. وكذلك نصت على “یصدر بالاتفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”.
إلا أن بارود يشير الى مخرج في حال تقرر تسمية قائد الجيش لرئاسة حكومة إنتقالية عبر تسميته في الاستشارات النيابية الملزمة رغم كونه مارونياً لأن حصر رئاسة الحكومة بالسنة هو عرف، لكنه يربط الأمر بالتوافق بالسياسة على هكذا خطوة وإلا يصبح المس بهذا العرف كإستهداف للسنة.
أما في السياسة، فتشكيل حكومة عسكرية لم يطرح بشكل جدي حتى الساعة. وإن كان الهدف منها ان تتولى ادارة انتخابات نيابية، فربما تشكيل حكومة عادية اسهل من كسر العرف. لكن هل يدخل لبنان مرحلة انهيار المؤسسات والفوضى الشاملة التي يعجز أي طرف سياسي على تحمل تداعياتها، فيستسلم السياسيون ويتوافقون على حكومة عسكرية؟ وهل تكون كحكومة شهاب فتنجح بالسهر على إجراء إنتخابات نيابية لإعادة انتاج السلطة أم على شاكلة الحكومتين العسكريتين اللتين عرفهما لبنان؟
جورج العاقوري