بيوت اللبنانيين بلا عاملات منزليات… كيف يعوّضون غيابهن؟
كشفت الأزمة الإقتصادية الأخيرة عن خلل في هذا المجتمع الهمايوني الذي نعيش فيه؛ حيث وصل الأمر أن يستقدم كل بيت لا تتعدى مساحته الـ40 متراً لعائلة لا يزيد عدد أفرادها عن شخصين، مُساعدة منزلية. وأتت هذه الأزمة لتفرض على العائلات التخلّي عن هذه المُساعدة والإتكال على جهود أفرادها النواة. فكيف علّق المعنيون على هذه الظاهرة؟
ضربة شبه قاضية للقطاع
علي الأمين نقيب مكاتب استقدام الخدم، وفي اتصال مع “أحوال”، يشرح الوضع الجديد الذي تعيشه أُسَر في لبنان لجهة العاملات المنزليّات، فيقول: “تراجع في العام 2020 عدد استقدام العاملات في الخدمة المنزلية حوالي 90 بالمئة عمّا كان قبلاً لأسباب متعددة، أولها الأزمة الإقتصادية وتراجع سعر صرف الليرة اللبنانية”.
ويفصّل الأمين حديثه، “فلم يعد باستطاعة شريحة واسعة جداً استقدام عاملة منزلية بسبب تراجع قيمة مداخيلها، مما شكّل ضربة شبه قاضية للقطاع، خاصة مع انتشار فيروس كورونا، وإغلاق بعض الدول، والخوف من العدوى”.
فالقطاع واجه “تراجعاً كبيراً إلا أننا لا نستطيع القول إنه توّقف أو انتهى، إذ أن هناك شريحة مهمة من المجتمع اللبناني لا تزال تسعى لوجود مساعدة منزلية، ولديها القدرة على الإيفاء بالمستلزمات المادية لوجود هذه العاملة لديها”.
وجاء التعويض من خلال “اعتماد أكثرية العوائل على نفسها في الأعمال المنزليّة أو من خلال الاستعانة بمن تساعدهم على العمل المنزليّ، وتتقاضى أتعابها على الساعة، بمعنى أنها لا تبيت في منزل مخدومها”.
لكن، برأي الأمين “حتى الساعة ليس هناك من بديل حقيقي عن العاملة الأجنبية، خاصة بالنسبة للعائلات التي لديها حالات خاصة، أو للمرأة والرجل الذين يعملان خارج المنزل، أو في ظل وجود الرجل في بلاد الاغتراب، والمسؤوليات الكبيرة على ربة المنزل، أو وجود مريض داخل المنزل”.
ولا يرى في العاملة اللبنانية أو السورية بديلا أبداً لسببين، “الأول عدم توّفر عاملات راغبات بهذا العمل لأسباب عديدة منها اجتماعية. والثاني، لعدم قبول العائلة اللبنانية بوجود إمرأة من نفس جنسيتها وبيئتها تفهم لغتها وجميع التفاصيل، حيث بنظرها تخسر خصوصيتها وأسرارها، ويصبح ما هو داخل منزلها في الخارج”.
تقسيم العمل هو الحل
بتول عزالدين (أم لخمسة أولاد)، هي أم عاملة تحتاج إلى مساعدة منزلية كونها تدّرس في إحدى المدارس الخاصة. لذا “المُساعدة موجودة في منزلها منذ 17 عاماً، ولم تستغنِ عن خدماتها إلا مؤخراً أي بعد ارتفاع سعر الدولار وهبوط سعر الليرة”.
أما عن البدائل، فتقول عزالدين “أعتمد اليوم على أفراد الأسرة، كل واحد بات مسؤولاً عن عمل ما في المنزل”. رغم أنّ “الجميع كان يتكّل على المساعدة المنزلية كليّاً. ولم يعرف أفراد الاسرة قيمة دور المُساعدة إلا بعد تسفيرها مؤخراً إلى بلادها إثيوبيا”.
ولا مجال لعودتها، بحسب بتول، لأنّ “راتبها بات مُكلفا للعائلة، خاصة أنّ المردود المالي للعائلة تراجع كثيرا بعيد الأزمة الاقتصادية”.
واللافت بالنسبة لبتول أنّ “المهام التي كانت مُلقاة على عاتق المُساعدة كبير جداً، لكن “أولادها تجاوبوا سريعاً مع تقسيم العمل داخل المنزل بينهم”.
عاملة أجنبيّة والعمل على الساعة
ونتيجة تسفير العدد الأكبر من العاملات، باتت الحاجة لمساعدة منزلية كبيرة في بعض المنازل، مما استدعى الإستعانة بمساعدة مؤقتة أي “على الساعة”، فـ(آنيسا) العاملة البنغاليّة، التي أتت إلى لبنان منذ العام 2001 وتعمل لحسابها الخاص بعيداً عن مكاتب استقدام الخدم، لديها صبي في بنغلادش تشتاق إليه كثيراً، تروي لـ”أحوال” قصتها. فتقول، إنّها كانت “تتقاضى 5 دولار على ساعة العمل المنزلي في بيوت اللبنانيين”. فباتت تقبل “بـ 10 آلاف ليرة فقط على الساعة”. و”الارتفاع بسعر الدولار لم يخفف الطلب، بل ارتفع”. مع العلم أنّ هناك من لا زال “يدفع لها بالدولار”، وإن كانوا قلّة لكنهم “يشعرون معها، كونها ترسل أموالها إلى بلدها بالعملة الصعبة”.
وأبدت انزعاجها من البعض، حيث لم يسأل عنها أحد مع بداية انتشار وباء كورونا، حيث كانت قبل ذلك تعمل في عدد كبير من المنازل، فتقول (كلو بدو آنيسا بس لما إجت كورونا ما حدا بدو آنيسا)، إذ عندما حلّ فيروس كورونا خفّ عملها، ولم يعد أحد يطلبها للعمل، فعانت كثيراً”. وأيضاً “عندما حلّت أزمة الدولار عشت أزمة جديدة، لكن بمستوى أقل”.
وتتصف آنيسا، بحسب ربّة أحد البيوت، بعملها الجيد مما يرفع نسبة الطلب عليها. وهي عكس العاملة اللبنانية التي تعمل بشكل غير مُتقن.
شرخ بين طرفي العمل
يرى المدير العام السابق لوزارة العمل عبدالله رزوق، صاحب خبرة 40 عاماً في العمل الإداري، أنّ “موضوع العمالة الوافدة له انعكاسات سلبيّة بسبب الوضع الاقتصادي الحالي على جهتيّ العمل، أي صاحب العمل والعاملة”.
ويتابع رزوق لـ”أحوال” بالقول “وهذا يتعلق بالوضع النقدي للعاملة بالخدمة المنزلية كونها تستوفي بدل عملها بالعملة الصعبة أيّ الدولار. إذ كان باستطاعة صاحب العمل تأمين بديل عنها قبل حلول الأزمة الحالية، ولكن حاليّاً من الصعب ذلك، فثمة انعكاسات سلبية على طرفي العقد”.
ويفصّل بالقول “إذا إحتسبنا بدل إيجار العاملة بالدولار، حسب الصرف “التعسفي” في السوق اللبناني، قد يتساوى بدل ايجار العاملة وبدل صاحب العمل وربما أعلى منه”.
وبرأي رزوق “لا يستفيد صاحب العمل كونه يتقاضى راتبه بالعملة اللبنانية، الذي لم يطرأ عليه أية زيادة، لا بل انخفضت قيمته الشرائية إلى مستوى متدن جداً. هذا الوضع المضطرب تسبّب بايجاد شرخ بين طرفي العمل، وهذا الشرخ بمعظم الأحيان غير قابل للحلّ، خاصة أنّ عقد العمل محدّد بالعملة الصعبة، مما ولّد بالنسبة للعاملة مشكلة كبيرة، فسافر قسم كبير منهن إلى بلده نظراً للظروف السيئة، وقسم آخرهرب من بيت مخدومه كي يعمل بصورة غير قانونية في منازل أخرى ببدل إيجار بالعملة الصعبة، وقسم ثالث لجأ ربما إلى بدائل عمل غير أخلاقية”.
ويؤكد أنّه “بالأساس وضع العمالة الأجنبية في لبنان في السنوات الخمس الأخيرة قد خرج عن إطار القوانين اللبنانية. وهذا الوضع أدى إلى حالات هروب مخيفة ومرعبة، وفي بعض الأحيان إلى ارتكاب جرائم في منازل مخدوميهن أو الانتحار في حالات نادرة”.
ويختم عبدالله رزّوق “الخلل والفوضى في سوق العمل خلقت وضعاً مريباً ومرعباً، بالنسبة للعاملات، فلا عدد محدود للعاملات الهاربات. والوضع السائد حاليّاً هو بسبب التسيّب؛ وكنت قدّمت مشروعاً للوزير آنذاك حول العاملات المنزليّات، لكن لم يؤخذ به”.
لا رقم محدد أو إحصاء
يوضح كاسترو عبدالله، رئيس الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان، لـ”أحوال” عدد المصروفات من المنازل “للأسف لا رقم محدد أو إحصاء، وهن بالآلاف، ولكن جزء كبيرمنهن تم ترحيله، وجزء مهم لازال يعاني مع سفارته”.
والعائق الكبير بداية كان مع “الكورونا، واقفال المطار، وصرف الموظفين من أعمالهم”. ويمكن القول إنّه “من خلال الإتحاد تقدّمنا بمئات الشكاوى إلى وزارة العمل والأمن العام، لكن لا أحد عمل على المتابعة”.
ويكشف “إضافة إلى مشكلة العاملات المنزليات، هناك مشكلة العمال في المحطات والمصانع، والسوبرماركات، وشركات التنظيف، كالهنود والبنغال والسودانيين والمصريين الذين يعانون من مشكلة عدم دفع الراتب لهم بالدولار”.
بالمقابل، يرى عبدالله “هناك كثيرات من اللبنانيات والفلسطينيات والسوريات عدن للعمل بالخدمة المنزلية على الساعة، وكن بغالبيتهن عاملات معامل أو مدارس أو محال تجارية، وبدأ الطلب عليهن للعمل في البيوت. فالموظفة المحتاجة للعاملة المنزلية لم تعد قادرة على الدفع بالدولار”.
ويوميّا يتلقّى الاتحاد شكاوى من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال حيث المشاكل منها طرد العاملة بسبب اتهام بالسرقة أوعدم القدرة على الدفع، وما شابه، أو الضرب، في ظل الغياب التام للوزارة.
ويختم كاسترو عبدالله بالقول “يحاول أصحاب المكاتب الاستفادة من الوضع الجديد، من خلال البحث عن كفيل ثاني، والاستفادة مادياً من خلال عملية “البيع” للعاملة التي تُطرد من بيت كفيلها”.
سمعة لبنان السيئة
وكان لبنان شهد مؤخراً ظاهرة افتراش العاملات الأجنبيات الأرصفة بُعيد أزمة الدولار، مما يؤسس لنظرة سلبية حول حقوق العمال في لبنان، خاصة أن للبنان تاريخ وسمعة سيئة بالنسبة للعاملات الأجنبيات لدرجة أنّ دولة كسيريلانكا منعت مواطناتها من السفر إلى لبنان للعمل منذ سنوات.
سلوى فاضل