صحة

كارتيل الدواء: 10 شركات تسيطر على 90 % من صحة المواطن

لطالما تغنّى الرأسماليون في لبنان بنظام اقتصاده الحر؛ فيما لو ألقينا نظرة سريعة على السوق اللبنانية، نلاحظ أنّ مصطلح الاقتصاد الحر مبالغ فيه، حيث أنَّ أغلب القطاعات في لبنان تهيمن عليها شركات تتمتع بحصرية شبه تامة؛ الاحتكار هذا مقونن منذ عام 1967 في عهد الرئيس شارل الحلو، بالمرسوم الاشتراعي رقم 34/67 والمتعلّق بالتمثيل التجاري، حيث تناول في بنوده مادة وحيدة هي الثانية التي أشارت إلى حصر التمثيل التجاري الحصري، وهو الاسم الملطّف للاحتكار. وقد استطاع المحتكرون “الكارتيلات” من جني أرباحٍ فاحشة عبر رفع الأسعار وكلفة المعيشة بأدنى معدل ضريبة.

دراسات عن احتكار السوق

قليلة هي الدراسات التي تتناول موضوع الإحتكار في لبنان، لذلك يتم الإعتماد إجمالا على إحدى أهم الدراسات التي فُرضت على لبنان من قبل الإتحاد الأوروبي عام 2003 والذي موّلها أيضاً، وقد نفّذها حينها الخبير الاقتصادي توفيق كسبار، عبر عقد مع مؤسسة البحوث والاستشارت. وصدرت تحت عنوان «المنافسة في السوق اللبنانية». وتناولت الدراسة 288 سوقاً فيها 7029 شركة. وقالت الدراسة إنّها استبعدت 34 سوقاً في مجالات التعليم، والصحة، والعمل الاجتماعي وغيرها، إضافةً إلى بضعة مصارف تجارية.

وقد وجدت دراسة “المنافسة في السوق اللبنانية”عام 2003 أنّه يمكن اعتبار 52% من الأسواق احتكارية؛ حيث تهيمن عليها 5 شركات أو أقل، وهي تحتكر نسبة 60% من المبيعات، وبالتالي الأرباح. إضافةً إلى ذلك، تذكر الدراسة أنّ نحو 36% من هذه الأسواق تهيمن عليها شركة واحدة حصتها على الأقل 40%.

وإذا أخذنا بعين الاعتبار الأرقام الصادرة عن وزارة الاقتصاد، فقد كان حجم الاستهلاك عام 2003، نحو 20.47 مليار دولار، ما يعني أنّ الشركات الاحتكارية كان لها نصيب بنحو 12.2 مليار دولار منها؛ وإذا اعتبرنا أنَّ نسبة الاحتكار في الأسواق اللبنانية بقيت على حالها، فيما كان حجم الاستهلاك النهائي (أي الذي نجم عن عمليات بيع سلع نهائية) عام 2015 نحو 45.6 مليار دولار، تكون الشركات المحتكرة تسيطر على نحو 27.36 مليار دولار.

تجدر الإشارة إلى أنَّ هؤلاء المحتكرين يتحدون مع المصرفيين والمضاربين العقاريين، ويتصدون لأي تعديل ضريبي أو قانوني يطال أرباحهم الفاحشة.  ورغم كل التسهيلات الممنوحة لهم، يعملون على التهرّب من الضرائب البسيطة المفروضة عليهم عبر “نموذج الدفتريين”.

محاولات للحد من سطوة الوكالات الحصرية

في 6 نيسان عام 1992 تمّ تحديد المواد التي لا تُعتبر من الكماليات، والتي لا يسري عليها حصر التمثيل التجاري: المواد الغذائية للإستهلاك البشري والحيواني بكل أسمائها وأنواعها وأصنافها، ومواد التنظيف ومساحيق الغسيل. أمّا الأدوية مثلاً، فبقيت خارج نطاق الأساسايات.

في العام 2003، أحالت الحكومة مشروع قانون تعديل التمثيل التجاري، والذي يقوم على: إلغاء الوكالات الحصرية مقابل إعطاء أصحاب الوكالات الحصرية حَق تقاضي مبلغ يعادل 5% من قيمة البضاعة أو صنف السلعة المَشمول بالحصرية، وذلك لمدة 5 سنوات من تاريخ نفاذ القانون.

في العام 2004، وفي الدورة التشريعية العشرين، تمّ فعلياً إقرار قانون لتعديل مرسوم التمثيل التجاري على أن يسري هذا القانون بعد 4 سنوات من نشره، ولكن لم يصدر القانون ولم ينفّذ؛ والسبب حملة معارضة كبيرة وشَرسة حالت دون إصداره. وقد استنفر المحتكرون وقتها كل الإمكانيات السياسية والإعلامية للتصدي لهذا القانون، بل وأنّهم حولوا الأمر إلى نزاعٍ طائفي، حتى أنَّ بكركي نفسها قادت حملة إسقاط هذا القانون.

محاولة إلغاء الوكالات الحصرية عام 2020

قدمت كتلة التنمية والتحرير عبر النائب فادي علامة في حزيران هذا العام مشروع قانون يرمي إلى إلغاء الاحتكار والتمثيل التجاري. ويهدف القانون إلى إلغاء احتكار أيّ منتج، وفتح باب المنافسة الواسعة في السوق اللبنانية، ويساهم بفعالية في الحد من التحكّم بسعر السلعة، ويسمح للشركات الصغيرة والمتوسطة بالإستيراد، ممّا يعزّز الفرص في سوق العمل وحتى في خدمة ما بعد البيع، عبر أسعارٍ تنافسيةٍ يمكن أن تلبّي بعض حاجات ذوي الدخل المحدود والمتوسط نظراً لتوسعة مروحة الخيارات. ولكن أين المشروع اليوم ؟

أكد النائب فادي علامة في حديثٍ لـ “أحوال” أنَّ القانون يجب أن يسلك طريقه في اللجان لدراسته، ولكن بعد انفجار مرفأ بيروت حصل تأخير في دراسة كل القوانين بسبب إغلاق أغلب مكاتب المجلس النيابي المتضررة من الانفجار، ولا يوجد إلا مكانين تجتمع فيهما اللجان النيابية. وأردف علامة أنَّ هذا المشروع يجب أنّ يمرّ أولاً بلجنة الاقتصاد، وتابع أنّه طلب حضور اجتماع اللجنة يوم الخميس من أجل متابعة مستجدات القانون، ولكنه لم يكن مدرجاً على جدول أعمال اللجنة.

قطاع الدواء: 10 شركات تمتص دم الشعب

إحدى أهم الحقوق لأي إنسان هو الحق بالحصول على الدواء، ولكن في لبنان أصبح الأمر تجارة تجني  منها الشركات أرباحاً طائلة، فيبني أصحابها ممالكهم على دم المواطن.

تحتكر 10 شركات استيراد نحو 90% من تجارة الأدوية، 4 شركات منها تستحوذ على أكثرمن 50% من السوق، ولكل دواء نسبة جعالة تذهب للصيدلي والمستورد، وتحدد بحسب تصنيفات الأدوية لدى وزارة الصحة، وتكون أغلب هذه الجعالات حوالي 30% تقريباً، وهي تشكّل الحد الأدنى للأرباح التي يجنيها التجار من المستهلك اللبناني. وبحسب الدراسات استورد لبنان عام 2016 أدوية بمليار دولار، فيما وصل حجم السوق إلى 1.48 مليار دولار، أي أنَّ الأرباح للمستوردين والصيدليات وصلت الى أكثر من 480 مليون دولار.

أرباح شركات الأدوية: 250 مليون دولار سنوياً

أكدَّ الباحث المالي والاقتصادي د. محمود جباعي في حديثٍ لـ “أحوال” أنَّ الشركات الأربع التي تستورد أكثر من نصف حاجات السوق اللبناني من الدواء، تحقق أرباحاً طائلة تتراوح بين 200 و 250 مليون دولار سنوياً، أي أنّ كل شركة تقريباً تحقق ربحاً بحوالي ال 50 مليون دولار سنوياً، هذا إذا ما اعتبرنا أنَّ فواتير بلد المنشأ غير مزوّرة ومسعّرة بأضعاف سعرها الحقيقي ، أو أنّ الشركات لا تعتمد نموذج الدفترين لمردودها وأرباحها، للتهرّب من الضرائب الطفيفة المفروضة عليها.

وأضاف جباعي أنّ لبنان يستورد 85% من حاجته الدوائية، وتفوق قيمة سوقه 1.4 مليار دولار أي بمعدل 280$ للفرد الواحد تقريباً. ورأى أنَّ الدواء غالٍ في لبنان بسبب جشع ما وصفهم بالكارتيلات، مشدداً على أهمية أن تتحمل الدولة مسؤولياتها وتحد من الاحتكار، إن كان من خلال قيامها بالإستيراد مباشرة، أو أن تفتح الباب لمناقصاتٍ شفافة لتحديد الشركات التي يحق لها الاستيراد؛ على أن تكون مواصفاتها مطابقةً للمواصفات العالمية للحفاظ على الجودة، مردفاً أنَّ هذه الشركات يجب أن تكون دائماً خاضعة لرقابة مشددة من الدولة كي يحصل المواطن على الدواء بأفضل أسعار ممكنة، لافتاً إلى خطورة الاحتكار بتهديد الأمن الصحي في البلد.

الكارتيلات تحقق أرباحاً فاحشة عبر استغلال الأزمة

لم ترحم الكارتيلات المواطن اللبناني حتى في عز أزمته الاقتصادية والنقدي؛ ووفقاً لجباعي، تقوم هذه الشركات باستغلال آلية الدعم لقطاع الدواء التي ينتهجها المصرف المركزي، بحيث أنَّه يؤمن 85% من قيمة الدواء على دولار 1500 ليرة من احتياطاته، ويبقى على التاجر أنّ يؤمن 15% فقط من الدولار على سعر السوق، وهنا تقوم هذه الشركات بتهريب جزءٍ كبيرٍ من الدواء إلى الخارج وتحديداً العراق، مستفيدةً من السعر المتدني التي تحصل عليه. وفيما تُفقد الكثير من الأدوية من السوق، تحقق هذه الشركات أرباحاً فاحشة على حساب أمن المواطن الصحي.

لبنان ليس فقط بلدٌ منهوب، بل هو بلدٌ تحكمه عصابات تمتص دم شعبه لتعبئة جيوبها؛ عصاباتٌ لديها حمايات طائفية وسياسية تصدت وما زالت تتصدى لأي محاولة إصلاحٍ جذري قد تطال ولو فقط نسبة قليلة من أرباحها. هذه الكارتيلات

لم تستثنِ أدنى حقوق أي إنسان ومنها الدواء، فيما يتأمل اللبنانيون اليوم أن تتولّى الدولة بنفسها ملف لقاح كورونا الموعود، لا أن تضعهم تحت رحمة شركة جشعة تحتكر توزيعه لتراكم ثرواتها على حساب صحتهم.

المصادر:

دراسة “المنافسة في السوق اللبنانية” – توفيق كسبارو.

دراسة التمثيل الحصري او الاحتكار التجاري في لبنان – صادق علوية عضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي.

 

محمد شمس الدين

 

 

محمد شمس الدين

كاتب وناشر على مواقع التواصل الإجتماعي ومعد برامج وتقارير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى