مجتمع

50 ألف لبناني في هجرة عكسية من المدن إلى القرى

شمس الدين لـ"أحوال": نسب البطالة بين المدينة والقرية باتت متساوية

فيما يُشارِف عدّاد 2020 على تسجيل أسابيعه الأخيرة لهذه السنة الكارثية على اللبنانيين، تواصل أرقامٌ أخرى ارتفاعها مع تعاظم مؤشرات الفقر والبطالة والجوع والهجرة والسرقات، وارتفاع كلفة المعيشة وانخفاض القدرة الشرائية بنحوٍ دراماتيكي جراء انخفاض قيمة الليرة مقابل الدولار الأميركي بنحو 80 في المئة، حسبما تدلّ آخر الإحصاءات. وفي موازاة هذه الأزمات المتشابكة بدأت تبرز ظواهر اجتماعية جديدة يحاول اللبنانيون من خلالها التأقلم ولو موقتاً مع واقع معيشي صعب بات يهدّد أمنهم الصحي والغذائي والاجتماعي ويضعهم في مواجهة صريحة مع الجوع والمرض.   

وفي مقابل الحديث مؤخراً عن تهافت على طلبات الهجرة لدى السفارات الأجنبية في لبنان، يُسجَّل مؤخراً هجرة عكسية يقوم بها عدد متعاظم من اللبنانيين من المدينة نحو الأرياف نتيجةً للأزمات الاقتصادية والاجتماعية والصحية في البلد، وذلك على عكس الأعوام الماضية.

الهجرة العكسية

وفي هذا الإطار، يقول الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين، إنّ “لبنان شهد، تاريخياً، نزوحاً من الريف الى العاصمة والمدن الكبرى حيث تتوافر الخدمات وفرص العمل التي تكون غالباً غير موجودة في القرى والأرياف، إلّا أنّ الذي حصل منذ بداية الأزمة الراهنة التي يشهدها البلد، وتحديداً منذ بداية السنة الجارية، في ظلّ الأزمات الاقتصادية وانعدام فرص العمل وارتفاع تكاليف الحياة، هو أنّنا بدأنا نشهد هجرة عكسية من المدن والعاصمة في اتجاه القرى والضيع”.

وتُقدّر نسبة النزوح العكسي بـ5 في المئة من اللبنانيين أي أنّ نحو 50 ألف مواطن تركوا المدن وعادوا الى القرى التي ينتمون اليها، وهي نسبة مُرشّحة للارتفاع بحسب شمس الدين. ويتوقع الباحث اللبناني، في حال استمرار الأزمة الاقتصادية وتفاقمها أكثر، أن “ترتفع نسبة النازحين من المدن الى الأرياف في الأشهر القادمة، وأن يتحوّل هذا النزوح العكسي ظاهرةً كبيرة”.

ويوضح أنّ “فرص العمل على رغم أنّها غير متوافرة في هذه القرى، إلّا أنّ تكاليف المعيشة فيها أرخص، حيث يتوافر المسكن ولا داعي لاستئجار منزل، كذلك إنّ المياه والكهرباء والتعليم وغيرها من الخدمات متوافرة في القرى”.

ويحدّد شمس الدين، عاملين مؤثرين على النزوح من الريف الى المدن وباتا غير متوافرين الآن، كالآتي:

– السبب الأساس فرص العمل، فيما إنّ البطالة الآن باتت متساوية بين المدينة والريف، وهذا العامل حدّ من النزوح من الريف في اتجاه المدينة.

– دخول عامل ثاني إيجابي متوافر في الريف، أدى الى النزوح العكسي، وهو أنّ تكاليف الحياة في المدينة أغلى من تلك في القرى، حيث أنّ المواطن يمتلك مسكناً في قريته أو أنّ كلفة استئجار منزل في القرية أقل بنحو 50 في المئة من كلفة الإيجارات في المدينة”.

شهادات لعائدين الى قراهم

ويقول رب عائلة يتحفظ عن ذكر اسمه، أنّه عاد وعائلته أخيراً الى قريته في شمال لبنان، لأنّه المعيل الوحيد للعائلة المكونة من 7 أفراد (الوالدين وفتاتين وثلاثة شبان جميعهم فوق سن الـ18)، وذلك لأنّ الزوجة لا تعمل وإنّ جميع الأولاد عاطلون عن العمل منذ ما قبل 17 تشرين الأول 2019. هذه العائلة كانت تسكن في بيروت، وبعودتها الى القرية تمكنت من التوفير في بدل النقل فضلاً عن كلفة المعيشة حيث أنّ كثير من المواد الاستهلاكية كلفتها أقل في القرية، بحسب ما يقول الوالد. ويشير الى أنّ “الحياة أسهل في الجبل، مادياً ونفسياً وصحياً، مشيراً الى أنّ “العائلة تتكل على بعض الزراعات فيما أنّ أسعار الخضار والفواكه باتت مرتفعة، فضلاً عن سكن أكثر من عائلة في منزل واحد فتتشارك في مصروف المنزل والطعام ما يخفف العبء المالي عن كلٍّ منها”.

بدورها، تقول ديالا، إنّ “الحياة في القرية أسهل وأفضل من السكن في بيروت”. وكانت داليا عادت وزوجها وابنتهما الى السكن في قريتها في كسروان. وتشير الى أنّها وزوجها اتخذا هذا القرار بعد إغلاق المدارس بسبب “كورونا”، حيث أنّ الانترنت والدراسة عن بُعد متوافران في الضيعة، فضلاً عن الجو العائلي والمحيط والهواء النظيف، بينما “كنا محبوسين في شقة بين أربعة جدران في بيروت”.

والى التوفير المالي بسبب الوضع الاقتصادي، حيث يمكن زراعة الأرض في الضيعة، تركّز داليا على العامل النفسي، فيتوافر للأهل وقت أكثر ليقضوه مع أولادهم، ويتعرّف الأولاد إلى عالم الطبيعة، فضلاً عن إمكانية الاختلاط حيث أنّ عائلات عدّة محجورة بعضها مع بعض في منزل واحد، فيما في المدينة تبقى العائلة بمفردها داخل شقة حيث تُضطر الى متابعة الأخبار على التلفاز لتمضية الوقت ما يضاعف شعورها بالعزلة والاكتئاب. أمّا بالنسبة الى المصروف الشهري، فتشير داليا الى أنّه انخفض الى النصف، حيث أنّ زوجها ما زال يذهب الى عمله في بيروت على رغم زحمة السير، إلّا أنّ “تضحية فرد واحد أفضل من تضحية العائلة بكاملها”.

 

 

رنا أسطيح

صحافية لبنانية، كتبت في شؤون الفن والمجتمع والثقافة في عدد من الصحف اللبنانية والعربية. قدّمت برامج إذاعية وقامت بإعداد العديد من البرامج الفنية والاجتماعية في أكثر من محطة تلفزيونية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى