دعوات لحالة طوارئ بسبب النفايات والدولة غائبة
قبل أن تحلَّ كارثة النفايات “الموعودة” على غرار ما شهدته بيروت وجبل لبنان في العام 2015 وربما أكثر، بدأت منذ الآن تتشكلّ صورة قاتمة عما ينتظر اللبنانيين قريبا من كارثة تضاف إلى قائمة الكوارث المقيمة، خدماتياً واقتصاديا ومالياً، وهذه المرة أبعد من العاصمة وضواحيها، فيما لم تلح في الأفق بارقة أمل من شأنها أن تبدد الهواجس، فالدولة غائبة والبلديات عاجزة، فيما الفضائح تتوالى، ضرباً لناشطين، تسويفاً ومماطلة؛ خلافات حالت وتحول دون تشغيل معامل المعالجة، ما أفضى إلى انتشار المكبات العشوائية وهي تخطت أو تكاد الألف مكب ومطمر، بعضها أقرب إلى مزابل تتصدّر القرى والبلدات.
هذا دون الأخذ في الإعتبار ما سيكون عليه الوضع مع استنفاد المطامر قدرتها الإستيعابية، ولا سيما برج حمود – الجديدة والكوستابرافا (خلدة)، وإلى الآن لا خطة ولا من يخططون، ويبقى المواطنون محكومين برائحة النفايات، وقد طغت في بعض قرى قضاء صور على رائحة الليمون وعبق الأزهار البرية، فيما تنتشر المحارق على مرأى من المسؤولين ولا من يحرّك ساكناً.
في مقاربة سريعة لواقع الحال، تبين أن لكل منطقة خصوصية معينة حيال ملف النفايات، لكن ما يجمعها يبقى متمثلا في الإهمال والإرتجال وفوضى المعالجات، وقد أطل “أحوال” على واقع بعض المناطق لشكيل صورة واضحة عما هو قائم اليوم، خصوصاً وأنّ أكوام النفايات عادت لتتكدّس من الضاحية إلى بعض قرى جبل لبنان، حيث أن الدولة لم تفِ بالتزاماتها للشركات المتعهدة، والأخيرة أوقفت أعمال الجمع والكنس، لتبقى الأمور مشرعة على المزيد من الفوضى!
الضاحية الجنوبية
في هذا السياق، أكد رئيس اتحاد بلديات الضاحية المهندس محمد درغام لـ “أحوال” أنّ “المشكلة متمثلة اليوم في مَن يجمع النفايات من المناطق، أي المتعهدين”، مستدركا أن “هؤلاء لا يمكن تحميلهم وحدهم التبعات القائمة، ذلك أن الدولة التي أخلت بانتظام شروط العقد وتدفع لهم الدولار بسعر 1500 ليرة، عدا أنهم لم يقبضوا مستحقاتهم منها منذ أكثر من سنة، وهؤلاء يطالبون بالدولار Fresh Money، للوفاء بالتزاماتهم المطلوبة بالدولار خصوصا لجهة الصيانة والمعدات”.
وإذ لفت إلى أن العمال باتوا في معظمهم من اللبنانيين، قال درغام: “نواجهه مشكلة قديمة متجددة، ولا أحد يبحث عن حل دائم، ومنذ 17 تشرين ومع ارتفاع سعر الدولار، المشكلة تتفاقم ولا تستطيع أي بلدية على مستوى لبنان إدارة هذا الملف وحدها”، ورأى أنْ “لا حلول جذرية وإنما كل الحلول ترقيعية”، قائلا: “درسنا وتابعنا الملف بصورة معمقة، لكن ليس ثمة بلدية على مستوى كل لبنان تملك الإمكانيات المالية لإدارة هذا الملف، فيما المقاولون لديهم حقوق لدى الدولة لا يأخذونها، عدا عن مستحقات البلديات التي وإن صرفت تصلنا منقوصة، فكيف سأحْضرُ مقاولين ولا أستطيع إيفاءهم حقوقهم، والآن بدأنا نشاهد صورة مصغرة عما سنواجه لاحقا لجهة أن نفايات لم تجمع، وفي الغد، أي بعد أن يستنفد مطمر الكوستابرافا قدرته الإستيعابية فالكوارث ستحل لا محالة”.
وعن الضاحية، أشار درغام إلى أن “هناك 650 طنا تجمع يوميا، والضاحية هي تشكل 22 بالمئة من سكان لبنان، (800 ألف نسمة) وهي تتشكل من 4 بلديات: حارة حريك، برج البراجنة، المريجة والغبيري، كما أن هناك خمس مناطق تعتبر عشوائيات (الرمل العالي، حرش القتيل، حرش تابت، الجناح والأوزاعي) وهي أحياء مكتظة بالسكان، وواجبات البلديات والإتحاد توفير الخدمات علما أننا لا نجبي منها الرسوم”، وأكد أننا “نحتاج إلى حل وعلى الدولة أن تفتش على هذا الحل، كما أن قضية الفرز مقتصرة على بعض المناطق، والدولة تتعامل مع هذا الملف وكأن ما نواجهه هو أمر طبيعي”.
محافظة جبل لبنان
ورأى درغام أن “الأزمة على مستوى محافظة جبل لبنان الجنوبي، أي الشوف، عاليه بعبدا، ولا تقتصر على الضاحية فحسب، وفي الوضع الحالي، نتجه كبلديات للجمع بأنفسنا، لكن السؤال التالي، كم تستطيع البلديات تحمل كلفة الجمع؟”مضيفا: “مالياً نُستنزف بوباء كورونا، فضلاً عن كثير من التفاصيل المتصلة بحاجات الناس، والبلديات على مستوى لبنان هي خط الدفاع الأول ونحن من يواجه، فأين أموالنا وأين حقوقنا؟ وأموالنا مقتطعة ومجزأة وبأي حق يتم تجزئتها؟”.
وأطلق درغام “صرخة” مؤكداً أن “في فمي ماء، وإن لم يتم التعامل مع ملف أزمة النفايات بشكل جدي، فهناك أزمة ضخمة للغاية، بينما المعالجة ترقيعية، والقضية عالقة بين مصرف لبنان ووزارتي المالية والبيئة، هم المسؤولون عن هذا الملف ويفترض بهم ايجاد حلول، وكل منهم يرمي المسؤولية على الآخر”، وقال: “أحمل هذا الملف منذ سنوات، كما غيره من الملفات، اجتمعنا بالحكومة مراراً خلال الأشهر العشرة الماضية بحثاً عن حل، لكن لا حياة لمن تنادي، يتعاملون مع الملف وكأنه مشروع طريق يمكن إلغاؤه”.
ورأى أنّه لا بد من إعلان حالة طوارئ وطنية ليس على مستوى الضاحية فحسب، وإنما على مستوى جبل لبنان، وقضاء بعبدا وكافة المناطق اللبنانية”، واعتبر أن “ملف النفايات بحاجة لعناية فائقة وللدعم، ولا يقل أهمية عن دعم الفيول والغذاء والدواء”، وقال درغام: “لا أعلم إن كان المقاولون سيتمكنون من الإستمرار، فيما هم مستمرون باللحم الحي ولا يجب مهاجمتهم، فالأزمة تطاول المتعهدين في كل لبنان، في كسروان والمتن، وفي الجديدة رفض المتعهد التوسعة، ولا يهتم بخسارة الكفالة، وهي ليست الكارثة الوحيدة، فإن امتلأت المطامر ماذا سنفعل؟”
البقاع الغربي
وفي منطقة البقاع الغربي ثمة مشكلة نفايات أيضاً، وسط محاولات لمواجهتها، فقد أشار عضو بلدية راشيا ورئيس لجنة البيئة فيها رشراش ناجي لـ “أحوال” إلى أنّ “الإتحاد استحدث هنغارا للفرز على حدود بلدة عيحا، واحتج المواطنون وتجاوبنا معهم حتى لا ندخل بصدامات، على الرغم من أنّ مكان إقامة هذا الهنغار، هو مكب عشوائي، وكانت تشتعل فيه النيران دوماً، لذا وقع الإختيار على موقع آخر، علماً أن العقارات لدينا جمهورية (للدولة) وليست لدينا عقارات بلدية”.
وعن الموقع الجديد، قال ناجي: “هو بعيد عن الأملاك الخاصة، ولكنه مكلّف على المدى البعيد، والتمويل محلي، وقد تبرع بقسم منه النائب السابق وليد جنبلاط، لدينا معدات من المكان القديم مثل المكبس والمولد وسنبدأ حالما تتم الموافقة، وبالتدريج بدءا من جرف الطريق وأعمال المساحة ونقل الهنغار ولن نتوقف”، وأكد أن “هدفنا الأهم فرز النفايات حيث وصلنا إلى نسبة 90 بالمئة من الفرز والباقي مواد عضوية، يتم تسبيخها وتشميسها لاستخدامها كسماد”.
اتحاد بلديات صور
وجنوباً، قال نائب رئيس اتحاد بلديات قضاء صور الحاج حسن حمود لـ “أحوال”: “يضم الإتحاد 65 بلدية ولدينا 300 طن نفايات يومياً، وهناك معمل بعين بعال لكن قدرته التشغيلية تُقدر بحوالي 150 طنا، ويتم تشغيل معامل المعالجة من قبل وزارة التنمية الإدارية التي تؤمن المال وكذلك لإتحاد”، وقال: “استحدث المعمل في العام 2015 وتم تطويره عبر البنك الدولي في العام 2017، وكانت هناك جهة مشغِّلة للمعمل، وفي العام 2019 أعيد تشغيله عبر مناقصة رست على (شركة الجبل)، برغم إمكاناتها الضعيفة لناحية المعدات والآليات، وثمة مشكلة بالنسبة للدولة التي لم تدفع للشركة منذ سنة وأربعة أشهر”.
حيال هذا الواقع، أشار حمود إلى أن “البلديات وبسبب عدم توفر الحلول تلجأ للرمي العشوائي، بعضها يحرق والبعض الآخر يتم طمره، وهناك أكثر من 67 مكباً عشوائياً حالياً في قرى وبلديات قضاء صور”، مضيفاً: “نتجه لإنشاء معمل ثان، ليستوعب القضاء بأكمله، وقدمنا دراسة أثر بيئي لمطمر، والدراسة لا زالت في وزارة البيئة، وقمنا بالدراسة عبر شركة Morres اللبنانية واستعانت في هذا المجال بخبير ألماني، كما أن لدينا في الإتحاد مستشار إيطالي قدم أيضا مقترحاته، وقد تمت دراسة مواقع عدة دراسة شاملة، ورسا الإقتراح على أرض كانت كسارة قديماً، ونقوم بترميمها عبر اقامة مطمر صحي، وننتظر الجواب منهم في منطقة النفاخية ولا زالت وزارة البيئة غائبة”.
وأشار حمود إلى أنّ “التشغيل الجديد والمناقصة رست على شركة (معمار)، ولا نعرف إن كان في مقدورها متابعة العمل، خصوصاً وأنها وُضعت على قائمة العقوبات الأميركية (قانون قيصر)، كما أنّ الإتحاد أطلق حملة الفرز من المصدر وشملت 90 بالمئة من البلدات، ونفرز نوعين مواد يعاد تدويرها في مستوعب ومواد عضوية في مستوعب آخر، كما وتوجد معامل صغيرة للفرز مع جمعيات وناشطين محليين في برج رحال، ودير قانون وطيردبا وقانا”.
معمل الكفور
وقال الناشط البيئي من مجموعة “لِـ وطن” محمد برجاوي لـ “أحوال”: “أتابع ملف معمل الكفور، وفي منطقة النبطية هناك لا مركزية في معالجة النفايات، حيث أن لكل قرية مكباً خاصاً، وحالة بعض القرى مزرية، بينما ثمة قرى وضعها جيد للغاية ولا نفايات تتراكم في الطرق مثل بلدة حبوش، بينما تمتلئ شوارع كفررمان بالنفايات وهي لا تبعد دقيقتين عن حبوش”.
وعن معمل الكفور، قال برجاوي: “بالأساس المعمل هبة من الإتحاد الأوروبي وهو مخصص لفرز نفايات قرى اتحاد بلديات الشقيف وعددها 29، وقد تم شراء الأرض وتم بناء المعمل، كما أن هناك مبلغاً مرصوداً يقدّر بحوالي مليوني يورو، من أجل إنشاء مطمر صحي للعوادم، وثمة متابعة لمعمل الكفور منذ افتتاحه من قبل الوزير نبيل دوفريج في العام 2016، وعادت وزيرة التنمية الإدارية عناية عز الدين لتتابع موضوع المعمل، لكن خلافاً بين القوى السياسية على الإدارة والموظفين، كان أحد أسباب عدم تشغيله، فضلاً عن أن هناك مشكلة بنيوية تتمثل في أن المعمل لا يستطيع خدمة إلا 6 أو7 قرى”.
وأشار برجاوي إلى أنّ “شركة معمار تتولى إدارة المعمل حاليا، وللأسف فالمعمل يتبع (خدمة الترانزيت)، ويدخل إليه 10 إلى 15 طنا يوميا، وبدلاً من فرزها يتم ارسالها كما هي إلى مطمر مستحدث، وقد طلبنا من الاتحاد موعداً لزيارة المعمل وبالفعل ذهبنا، لنفاجأ بمسلحين يأخذون منا هواتفنا ويتعرضون لنا بالضرب، وقد تقدمنا بشكوى وتمكنت من توثيق ما حدث كما وأنّ النفايات لا يتم فرزها، ولدينا تقارير طبية أيضا تؤكد تعرضنا للضرب”.
وتابع: “انتدب الاتحاد بعد هذا الإشكال عضو بلدية دير الزهراني قاسم طفيلي وقدم تقريراً عن المعمل، ولم يتم التعامل مع التقرير أو نشر محتواه، وإن كانت قد وصلتنا معلومات إلى أنّه مشابه لما شهدناه بأم العين، بأنّ المعمل يقبض الأموال ولا يقوم بالفرز”.
وختم برجاوي: “حالياً، نقوم بمبادرة فردية وكمجموعة شباب وشابات، ومعنا الناشطة ريما كركي وهي من بلدة كوثرية السياد، وتجمع هذه المواد في منزلها، ونحاول من جهتنا المساهمة بحل ولو جزئي لأزمة النفايات”.
أنور عقل ضو