مجتمع

أزمات لبنان تخلّف انفجارًا إجراميًا

جريمة مروّعة أحدثت صدمةً في المجتمع الأردني وهزّت الرأي العام، ضحيتها طفل يبلغ من العمر 16 عاماً، بُترت يداه وفقئت عيناه للثأر من والده. لم يمضِ أسبوع على جريمة فتى الزرقاء في شمال شرقي الأردن، حتى ضجّت مواقع التواصل بجريمة بشعة أخرى ارتكبتها أمّ قامت برمي طفليها من أحد الجسور في نهر دجلة في بغداد نتيجة خلافات مع طليقها بحسب بيان وزارة الداخلية العراقية.

من الزرقاء إلى بغداد، جرائم قتلٍ مروّعة تشهدها المجتمعات الإنسانية، وما هي إلّا تعبير عن كم الاضطرابات النفسية والفوضى الاجتماعية المتزايدة. وفي لبنان، حيث تتسبب الأزمات المتراكمة في ضرب الاستقرار النفسي لدى أفراد المجتمع، ارتفع معدّل جرائم القتل بنسبة 104% خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2020 مقارنةً بالفترة نفسها من العام السابق، إذ تشير دراسة نشرتها الدولية للمعلومات إلى أنّ عدد جرائم القتل في لبنان من كانون الثاني حتى نهاية آب 2020 بلغت 129 جريمة.  بينما شهر آب منفرداً شهد 20 جريمة قتل، ليرتفع العدد بنسبة 400% عن آب 2019.

جرائم القتل ليست المؤشر الأمني الوحيد الذي سجّل ارتفاعاً ملحوظاً خلال هذه الفترة، بل أيضاً معدّلات السرقة، إذ وصل عدد السيارات المسروقة منذ بداية العام 2020 وحتى نهاية آب إلى 593 سيارة مقارنة بـ 266 سيارة خلال هذه الفترة من العام الماضي، أي أن سرقة السيارات ارتفعت بنسبة 123% وفق ما أشارت دراسة الدولية للمعلومات. وفي شهر آب 2020 تحديداً، ارتفع عدد السيارات المسروقة بنسبة 324%. أما حوادث السرقة بشكل عام، فارتفعت بنسبة 48.4% عن العام الماضي خلال الثمانية أشهر الأولى من العام 2020 وبنسبة 116% في شهر آب.

أمّا عن الأسباب، فيرى الباحث في علم النفس الاجتماعي والسياسي د. أحمد عيّاش أنّ الانهيار الاقتصادي والتفلّت الاجتماعي والفوضى السياسية والضبابية التي تسيطر على المشهد العام في لبنان عوامل من الطبيعي أن تتسبب في زيادة الاضطرابات النفسية عند الشخصيات ذات القابلية للعنف والجريمة. ويؤكّد عيّاش أنّه كلّما ازدادت الأزمات عمقاً وتعقيداً، انتكس توازن الشخصيات المرضية أكثر، مما يجرفها نحو استسهال السرقات والقتل، لأنّ شعور عدم الاستقرار يحفز مشاعر الخطر والقلق العارم، لتصل إلى مستوى يتخطى الخط النفسي الأحمر.

وعند السؤال عمّا إذا كان لكارثة انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب تأثير على ارتفاع أعداد جرائم القتل والسرقات في شهر آب بشكل ملفت، يجيب عيّاش بأنّه لا يمكن اعتبار انفجار المرفأ محور إجرامي للناس، فالاحتمال الأكبر أن يكون تراكم الأزمات المعيشية قد أنتج انفجاراً إجرامياً لدى نسبة أكبر من الناس.

الإرتفاع الذي شهده هذا العام في السرقة والقتل قابله تراجعٌ في حالات الانتحار وفق الدراسة، إذ انخفضت بنسبة -21% عن عام 2019. ومن اللّافت أيضاً أن حالات الانتحار انخفضت في شهر آب 2020 تحديداً بنسبة -56% عن آب 2019. عيّاش يفسر هذا التراجع بالقول إنّه عندما تزيد حالات العنف ضد الآخر، تنخفض نسبة العنف ضدّ الذات أي الانتحار الناجح، وذلك لارتفاع الرديف الانتحاري وأشكاله المتعددة.

 

آلاء ترشيشي

آلاء ترشيشي

مذيعة ومقدمة برامج. محاضرة جامعية. حائزة على ماجستير في العلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى