منوعات

“السلمندر الناري” بين الميثولوجيا والعلم

إلى الآن، ثمة من يظن أنّ السلمندر ينتمي لفصيلة الزواحف، فيما هو من رتبة البرمائيات؛ فهذا الكائن المغيَّب عن المدى البيولوجي في بيئة لبنان الغنية بتنوعها لا نعرف عنه إلاّ القليل، فلا معلومات إلا ما نتلقفه من دراسات عالمية؛ ولولا بعض الناشطين من المجتمع المدني، لكنا صدقنا الأساطير المتصلة بالسلمندر “قاهر النيران”، وفق ما جاء في ميثولوجيا الشعوب القديمة؛ حتى أنّ فلاسفة الإغريق تبنوا فكرة ارتباط السلمندر بالنار، بينهم أرسطو، فضلاً عن علماء من عصر النهصة، ومنهم باراسيلسوس وليوناردو دافنشي.

لكن الصورة تبدّلت اليوم، بعد أن اكتشف العلماء قدرة السلمندر على إعادة إنتاج أطرافه المبتورة، ولا زالوا يدرسون هذه الخاصية المتفردة على مستوى سائر كائنات الأرض، في بحث دائم عن إمكانية تخليق أطراف الإنسان باستخدام الخلايا الجذعية، استناداً إلى قدرة هذا الكائن على تجديد خلاياه.

أما في لبنان، فلا من يسدُّ ثغرات معرفية كثيرة؛ ولا نزال نواجه شحاً في المعلومات حيال الكثير من الكائنات، وبينها “السلمندر الناري”، هذه التسمية الموغلة في القدم، لكنها صارت تسمية راسخة لزاحف مسالم، بطيء الحركة، ولكنه يخفي وراءه عالماً قائماً بذاته.

خشاب: فصيلة من البرمائيات

ومع ظهور السلمندر أو السمندل في هذه الفترة من كل عام، آثرنا الإحاطة الممكنة بهذا الكائن، تعميماً للمعرفة وحفظاً لهذا النوع المهدد بالإنقراض، والتصالح أكثر مع الطبيعة بسائر نظمها الإيكولوجية.

وفي هذا السياق، أكد أحد الأعضاء المؤسسين في جمعية Lebanese wildlife والمختص بمجال “علم الزواحف” Herpetology رامي خشاب أنّ “السلمندر الموجود في لبنان يُعرف بِـ (السمندل الناري) Near Eastern Fire Salamander، واسمه العلمي Salamandra infraimmaculata ومهدّد بالإنقراض Near Threatened عالمياً، بحسب القائمة الحمراء لـ (الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة) IUCN، وهو ينتمي إلى فصيلة البرمائيات، بخلاف ما يظن الكثير من الناس أنه نوع من السحالي”.

ولفت خشاب إلى أنّ “السمندل ليس لديه حراشف كما هو الحال بالنسبة إلى السحالي، بل جلد لزج مثل الضفادع وغيرها من البرمائيات، وهو ينشط في هذه الفترة، أي مع بداية الشتاء وهطول الأمطار، ويختبئ خلال أيام الحر في حفر عميقة تحت الأرض، وفي أوكار وأماكن رطبة”.

معرّض للإنقراض

وأضاف خشاب: “يتغذى السلمندر على ديدان الأرض والحلزون والرخويات والحشرات، ولا يبيض مثل الضفدع بل يلد (الشراغيف) في المياه، وتبقى فيها حتى تتحول إلى شكل السلمندر المعروف”، وأشار إلى أنّ السلمندر مهدد بالإنقراض نتيجة التوسع العمراني وفقدانه للموائل والبيئة الخاصة فيه، وأيضا نتيجة تلوث المسطحات المائية التي يتكاثر فيها بمياه الصرف الصحي والمواد الكيميائية من مبيدات وغيرها، ما ساهم في تراجع أعداده في كافة أنحاء العالم وخصوصا في لبنان”.

وإذ أشار إلى “سميته كخاصية يتمتع بها لحماية نفسه من المفترسات”، قال خشاب: “لا يؤثر على الإنسان إذا ما حمله مثلاً، بل على الأغلب من الممكن أن ينقل له بعض البكتيريا ويتسبب بمرضه ونفوقه، ولا يتأثر الإنسان بسمه عبر الجلد ولكن عبر جهازه الهضمي إذا انتقل إليه السم، لذا يجب غسل اليدين جيدا بعد حمل السمندل”، ورأى أنّه “من المفضل إبعاد الحيوانات الأليفة عنه”، مؤكداً أنّ “السلمندر لا يُعتبر حيواناً خطيراً ولا يؤذي أو يهاجم بل هو مسالم للغاية”.

السلمندر في الأساطير

هناك الكثير من الأساطير حيكت حول السلمندر، ويُطلق عليه اسم “عروس العين”، وإحدى هذه الأساطير أنّ سبب تسميته بالسمندل الناري، أنّه لا يتأثر بالنار أو أنه يُطفئ النار، ولذا عُرف تاريخياً بـ “السلمندر الناري”، ومردُّ ذلك إلى أنه يعيش داخل الاخشاب المتعفنة وعند اشتعال الحرائق يحاول السلمندر الهرب، فسادَ الإعتقاد قديما أن السلمندر يتكون من اللهب.

ورأى خشاب أنّ “كل هذا الكلام غير صحيح، بل هو يتأثر كأي حيوان آخر”، وأشار إلى أنّ “السلمندر قد يصل طوله حتى 30 سنتيمتراً، لونه أسود وعليه بقع صفراء فاقعة (ساطعة) مائلة للون البرتقالي أحياناً، وهو لون تحذيري للمفترسين بأنّه سام”، مضيفاً: “هو فعلا سام، ولكنه حيوان لا يؤذي ولا يعض، ولكنه يفرز السم من الجلد إذا حاول أحد الحيوانات افتراسه، واسم هذه السموم Samandarines، وهي تؤثر على الجهاز العصبي”.

طالب: قدرة خارقة

من جهته، قال الناشط البيئي عثمان طالب لـ “أحوال”: “السمندل الناري له تسميات عدّة محلياً، منها (جزل الندى) لإرتباط مشاهدته بتساقط الأمطار، هو أحد أنواع الزواحف قليلة المشاهدة في الطبيعة إجمالاً، ويخرج غالباً في الليل وفي الأجواء الرطبة”.

ولفت إلى أنّ “أعداده انخفضت بشكل كبير”، منوهاً إلى أنه “نوع من البرمائيات ولكنه يشبه السحالي”. وقال طالب: “تعيش الذكور حتى سن 23 سنة أما الإناث فتصل إلى عمر 21 سنة، والسمندل البالغ يعيش في الغابات والمناطق الرطبة وقرب العيون والأنهر ولكنه يتكاثر في الماء، وفترة حضانة الصغار حوالي 3 أسابيع، وتحتفظ بذيلها بعد البلوغ بعكس الضفادع، والشراغيف الصغيرة مفترسة للغاية وقد تلتهم شراغيف الضفادع وبيوض البعوض والقشريات، كما يمكن أن تفترس بعضها البعض Canibalism”.

وأردف طالب: “يختبئ السلمندر تحت الصخور وجذوع الأشجار وبعض جحور الحيوانات لذا لا يمكن مشاهدته كثيراً، ولأنّ ليس هناك دراسات وافية عنه، فنحن لا نعرف إلا القليل عن دورة حياته”، واستطرد: “يتمتع السلمندر بقدرة خارقة على تجديد خلاياه، وفي حال بُتر ذيله يستطيع إنتاج ذيل مكانه، أو ذراعه مثلا، وذلك بإعادة برمجة خلاياه الموجودة في جذوع الأطراف المبتورة، بطريقة تحاكي تطوُّر الخلايا الجنينية، وهو بذلك يعتبر الحيوان الوحيد في العالم القادر على ذلك”.

يجدِّد أطرافه وخلاياه

وأشار طالب إلى أنّ “خاصية تجديد أطرافه وخلاياه استوقفت العلماء لإجراء بعض الأبحاث التي تهدف لإعطاء أمل بالشفاء من الشلل وأمراض أخرى مستعصية”؛ وقال: “لدى هذه البرمائيات قدرة على تجديد الأطراف وأنسجة القلب وحتى الحبل الشوكي في حال تعرضت لإصابات، ما دفع العلماء لإجراء المزيد من التجارب عليها، كما اكتشف باحثون أنّه على الرغم من الإختلاف في الإستجابة للإصابات، فإنّ هذه الحيوانات تشترك مع الإنسان في عدد كبير من الجينات، ويمكن أن يُستخدم في تطوير أدوية لعلاج إصابات الحبل الشوكي أو أمراض الأعصاب والقلب وغيرها”.

ودعا طالب إلى “عدم إيذاء هذه الحيوانات المسالمة، كون أعدادها آخذة بالتناقص بوتيرة كبيرة، بسبب التلوث والتعديات على موائلها”.

 

أنور عقل ضـو

أنور عقل ضو

صحافي في جريدة "السفير" منذ العام 1984 إلى حين توقفها عن الصدور. عمل في العديد من المؤسسات الإعلامية في لبنان والعالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى