مجتمع

اليوم العالمي للصحة النفسية: الانهيار أممي جماعي

مليارات الأشخاص يعانون من نوبات القلق والتوتر والخوف

الإنسان مركبٌ من جسدٍ وروح ولا راحة للجسد إلا براحة الروح والنفس. والصحة النفسية ركيزة أساسية للصحة العامة، والإنتاجية والتنمية والسلوك الشخصي المتوازن.

العالم يرزح تحت وطأة جائحة كورونا المستجدة وتتزاحم تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية على إثارة القلق الجماعي العالمي على الحياة والمستقبل. ويترافق الهم الوبائي مع تصعيد سياسي ونزاعات وحروب تقضي على الإستقرار، مما يكدّس الهموم والقلق والتوتر والكآبة في نفوس الناس. وسط كل ذلك يأتي اليوم العالمي للصحة النفسية لدق جرس إنذار يدفع لتدارك خطورة الانهيار النفسي الجماعي على صحة المجتمعات ولدفع من يعانون إلى الجهر بما يعانون منه تعالياً أو خجلاً بأنك “لست وحدك”.

هذا العام يبدو اليوم العالمي للصحة النفسية (في 10 تشرين الأول من كل عام)، والذي لا يلقى اهتماماً كبيراً، أكثر ما يحتاجه الناس وأكثر الأيام التي تتناسب والمناسبة. فالعالم هذا اليوم يقف على فوهة بركان من الأزمات وقد سجلت المنظمات الدولية لا سيما منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي أن حوالي مليار شخص تقريباً وفق البيانات الصحية في العالم يعاني من اضطرابات نفسية، يُودي تعاطي الكحول والمخدرات بحياة 3 ملايين شخص سنوياً، فيما يحصد الانتحار شخصاً واحداً كل 40 ثانية، وهو السبب الرئيس الثاني لوفاة الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 سنة.

لكن وفق المنظمتين فإن مليارات الأفراد حول العالم يتأثرون بجائحة كورونا التي تفاقم الضرر على الصحة النفسية للبشر. ويُعد الاكتئاب أحد مسببات المرض والإعاقة بين المراهقين والبالغين، حيث يُعاني واحد من بين كل 5 من الأطفال والمراهقين من أحد الاضطرابات النفسية.

ومما يفاقم أخطار الصحة النفسية هو حرمان حوالي 75 في المئة من المصابين بأمراض نفسية، في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، أي علاج على الإطلاق، نتيجة النقص في الوعي لأهمية تعزيز الصحة النفسية والوقاية من أمراضها ورعاية المصابين بها. فيما ينتشر الوصم والتمييز وانتهاكات حقوق الإنسان بحق الأشخاص المصابين بالأمراض النفسية.

 

الانهيار النفسي بعد 4 آب

حصة لبنان في هذا المجال كبيرة فبالإضافة إلى فيروس كورونا، انفجار بيروت، الأمن الاقتصادي المهدد، الخوف من المستقبل، المشاكل الخاصة، كلّها أحداث بمخاطر كثيرة يعاني منها اللّبناني وتؤثر على صحة المواطنين النفسية وبشكل جماعي.

خلال الشهرين الأخيرين بعد الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ بيروت سجّلت احتياجات الناس إلى الرعاية الصحية النفسية ارتفاعًا ملحوظًا، حيث تبيّن للجنة الدولية للصليب الأحمر أن شخصين من بين كل ثلاثة مرضى لجأوا إلى أطباء بلا حدود طلباً لاستشارات الصحة النفسية من أعراض القلق والاكتئاب، وذكر أكثر من نصف هؤلاء المرضى أن انفجار المرفأ زاد ظهور هذه الأعراض لديهم. ومن بينهم أؤلئك الذين يعانون من حالات نفسية من قبل، أفاد 82 في المئة منهم بأنّ أعراضهم ازدادت حدةً منذ وقوع الانفجار.

وفي هذا الصدد، تقول الاختصاصية النفسية في منظّمة “أطباء بلا حدود” سارة تنوري “على الرغم من أن العديد من الأشخاص تلقوا حتى الآن العلاج لجروحهم الجسدية وقاموا بتأمين احتياجاتهم الأساسية من ناحية السكن والكهرباء والمياه، إلّا أن الجروح النفسية لا زالت قائمة وكثر يعانون من نوبات بكاء في اللّيل أو يرتعبون من أدنى صوت”.

وتشمل الأعراض التي أتى مرضى أطباء بلا حدود على ذكرها نوبات الهلع والأرق وفقدان الشهية والنسيان وقلة التركيز وفقدان الاهتمام والأفكار السلبية. كمّا لهذه الأحداث آثار خطيرة على الأطفال منها ازدياد السلوكيات العدوانية الجسدية واللّفظية والتبول اللاإرادي. ويخشى الأطفال الأكبر سناً البقاء بمفردهم ويصرّون على النوم والأنوار مضاءة أو إلى جانب أحد الوالدين.

 

حلقات الدعم المفقود

حلقات الدعم الاجتماعي والنفسي التي عادة يلجأ إليها الأفراد للتعافي والتخفيف من أمراض الصحة النفسية وهم العائلة والأصدقاء مصابة أيضاً فالانهيار وموجات القلق جماعية وتطال كل فئات المجتمع. وهذا ما تؤكد عليه تنوري “الاعتماد على الدعم الاجتماعي المُقدم عادةً من العائلة والأصدقاء لم يعد متاحاً، فالكل الآن بسبب الوضع في لبنان. وهذا يضرب الشبكة المجتمعية بشكل قاس”.

من منظور الصحة النفسية، يحتاج الناس إلى ما يسمح لهم بالتصالح مع الأحداث قبل أن يتمكنوا من المضي قدماً. “لكن لسوء الحظ، لدى المرضى شعور عميق أن لا خطة ملموسة للتعامل مع تداعيات الحادث سواء حكومية أو أهلية وأن الحياة تمضي قدماً وكأن شيئًا لم يكن. هذا أمر مضر لأنّه يديم شعورهم باليأس والعجز”، تقول تنوري.

 

 

ضرورة العلاج الجماعي

في تقرير جديد بعنوان “The greatest need was to be listened to: The importance of mental health and psychosocial support during COVID-19″ – تلقي الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر الضوء على الضغوط والمعاناة الهائلة التي تضعها الجائحة على كاهل المجتمعات المحلية حول العالم. وترصد تفاقماً كبيراً في اعتلالات الصحة النفسية الموجودة، كما أُضيفت اضطرابات جديدة إليها، وأصبحت خدمات الصحة النفسية المتاحة أشد ندرة.

في ظل هذا التفشي الوبائي يجد المدير العام للجنة الدولية للصليب الأحمر روبير مارديني إن الآثار المجتمعة لقيود الإغلاق وانعدام التفاعل الاجتماعي والضغوط الاقتصادية توجِّه ضربات قاسية للصحة النفسية للناس وفرص الحصول على الرعاية الصحية. والصحة النفسية مهمة بنفس درجة الصحة البدنية، وبخاصةٍ في حالات الأزمات، حيث تكتسب الاحتياجات المتعلقة بالصحة النفسية أهمية خاصة”. ودعا إلى “توفير مخصصات عاجلة وإضافية لتمويل أنشطة الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي في إطار برامج الاستجابة الإنسانية”.

ويُعد فقدان الإنتاجية الناجم عن الاكتئاب والقلق أكثر الأعراض كلفة على الاقتصاد العالمي وهي نحو تريليون دولار أميركي سنوياً، بينما تخصص الحكومات أقل من 2 في المئة من ميزانياتها الوطنية للصحة النفسية. لذا فإن المعالجة العاجلة مطلوبة حتى يتمكن كل فرد من المساهمة في التعافي الاقتصادي العالمي.

تقول الطبيبة كريستين بادسكي صاحبة كتاب العقل قبل المزاج الذي يحتوي على تمارين ومساعدة ذاتية في الصحة النفسية “إن الاضطراب النفسي هو ابتلاء، هو ليس خطؤك لتقوم بلوم نفسك!، هو أمر خارج عن إرادتك، حتى عجزك، عصبيتك، فقدانك لتركيزك، تبدّد طاقتك، ضعف أدائك، كله ليس أنت سببه بل الاضطراب لذا يجب أن تطلب المساعدة في العلاج لتساهم في مجتمعك بشكل فعال”.

رانيا برو

رانيا برو

صحافية وكاتبة لبنانية. عملت في مؤسسات اعلامية لبنانية وعربية مكتوبة ومرئية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى