الإقتراع المتوقّع سنيًا: تراجع كبير في المدن ونسبيّ في الأرياف
عندما أُقفل باب تأليف اللوائح منتصف ليل 4 ـ 5 نيسان الجاري على 103 لوائح، إستعداداً لخوضها الإستحقاق الإنتخابي المقرّر في 15 أيّار المقبل، بزيادة ملحوظة على دورة إنتخابات 2018 التي شهدت تشكيل 77 لائحة، توجّهت الأنظار إلى الدوائر ذات الغالبية السنّية بهدف إستطلاع آراء النّاخبين ومعرفة كم ستبلغ نسبة الإقتراع فيها، بعد انسحاب أكبر قطبين من المشهد الإنتخابي على السّاحة السنّية، هما الرئيس سعد الحريري وتيّار المستقبل، ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي وتيّار العزم.
في دائرة الشّمال الثانية التي تضمّ طرابلس والضنّية والمنية، وتبلغ نسبة النّاخبين السنّة فيها أكثر من 83 في المئة، كان المشهد لافتاً للإنتباه بعدما بلغ عدد اللوائح 11 لائحة، ما جعلها تتصدّر الدوائر الإنتخابية في لبنان من حيث عدد اللوائح الذي كان الأكبر، وقد ضمّت 100 مرشّح سوف يتنافسون على 11 مقعداً مخصصاً للدائرة، موزّعين على طرابلس 8 مقاعد (5 سنّة، 1 روم أرثوذكس، 1 موارنة و1 علوي)، والضنّية مقعدان (2 سنّة) والمنية مقعد واحد (1 سنّة).
لكنّ زيادة عدد المرشّحين واللوائح في هذه الدائرة، لا تعني برأي المراقبين أنّ نسبة الإقتراع والإقبال على الصناديق سترتفع، بل هي مرشّحة لأن تنخفض مقارنة بانتخابات عام 2018 التي بلغت فيها نسبة الإقتراع 43.34 في المئة، بعدما اقترع 151 ألفاً من أصل 350 ناخبا مسجلا على لوائح الشّطب، مع ملاحظة أنّ نسبة الإقتراع في الدوائر الصغرى ضمن دائرة الشّمال الثانية تفاوتت بين دائرة وأخرى، ففي حين ناهزت في الضنّية والمنية نسبة 50 في المئة، فإنّها في طرابلس بلغت 39 في المئة.
ومع أنّ عدد ناخبي هذه الدائرة إرتفع من 350 ألفاً قبل أربع سنوات إلى 377 ألف ناخب في دورة الإنتخابات المقبلة، فإنّ التوقعات بانخفاض عدد المقترعين ونسبتهم المئوية لم تتغير، لأنّه برأي المراقبين سينعكس غياب الماكينات الإنتخابية الكبيرة والضخمة التي كان يقودها تيّاري المستقبل والعزم، وعدم توافر الإمكانات المالية والبشرية التي كانت متوافرة لديهما، وفي ظل غياب خطاب سياسي يستطيع أن يشدّ الناخبين، وبسبب الأزمة المالية والإقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات، فإن أيّ ماكينات إنتخابية بديلة لن تكون قادرة على جذب الناخبين إلى صناديق الإقتراع، وبالتالي فإنّ أعدادهم ستتراجع بشكل تلقائي.
وفي دائرة الشّمال الأولى (عكّار) يبدو الوضع مشابهاً نسبياً؛ ففي هذه الدائرة التي يزيد عدد النّاخبين المسجلين على لوائح الشّطب الحالية 309 آلاف ناخب، وتبلغ نسبة الناخبين السنّة من بينهم 68 في المئة، لا يتوقع أن تصل نسبة الإقتراع فيها إلى 48.26 في المئة التي سُجلت في الإنتخابات الماضية، برغم أنّ عدد الناخبين شهد زيادة ملحوظة على عددهم الذي ناهز قبل أربع سنوات 283 ألف ناخب.
تردّ مصادر مطلعة لـ”أحوال” توقّعات إنخفاض نسب الإقتراع وسط النّاخبين السنّة خصوصاً، وفي دائرتي الشّمال الأولى والثانية تحديداً إلى 3 أسباب:
الأوّل توجّه نسبة كبيرة من النّاخبين المؤيدين للحريري وميقاتي إلى مقاطعة الإنتخابات، وعدم المشاركة فيها، في ضوء أجواء من الإحباط والنقمة تسود الشّارع السنّي عموماً
الثاني الأزمة المالية والإقتصادية التي ستجعل الإنتخابات غير ذات أولوية بالنسبة لقسم كبير من المواطنين
الثالث أنّ أغلب المرشّحين في دائرتي الشّمال، الأولى والثانية، بعد انسحاب الحريري وميقاتي، لا يملكون القدرة والإمكانات على إقناع الناخبين بالتوجّه إلى صناديق الإقتراع، وسط غياب الأحزاب الكبيرة والمنظمة، كما أنّ أكثريتهم طارئة على الشأن العام، ولا برامح أو خطاب جدّي لهم، ما سيجعل نسبة الإقتراع لا تتجاوز 30 في المئة في أحسن الأحوال
غير أنّ هذه المصادر لفتت إلى نقطة هي أنّ “نسب الإقتراع في المناطق الريفية، مثل الضنّية والمنية وعكّار، ومعها البقاع الغربي وإقليم الخروب وغيرهما، ستشهد نسب إقتراع أعلى من تلك التي ستسجل في طرابلس والمناطق المدينية الأخرى مثل بيروت وصيدا، بسبب الطابع العائلي وتجذّر زعامات وبيوتات سياسية محلية في الأرياف، بينما بقي حضور الأحزاب والتيّارات السياسية فيها خجول للغاية، وهو ما يُفسّر عدم تأثر هذه المناطق، إلى حدّ ما وبشكل ملحوظ، بغياب الحريري وميقاتي عن المشهد الإنتخابي”.
عبد الكافي الصمد