منوعات

التضخّم “يأكل” البلد.. و”الحاكم” يحمي “حاشية السلطة”!

منذ أكثر من 7 أشهر، إنطلقت التحذيرات من احتمال دخول لبنان في محاكاة لتجربة “فنزويلية” جديدة، إلّا أنّ هذه الأصوات لم تلقَ صدى عند المعنيين الذين استمرّوا في سياسات المراوحة والمراوغة والترقيع.

إنذاراتٌ عدّة قُرعت، محليًا وعالميًا، بينما يغطّ المسؤولون اللبنانيون في سبات عميق، لتأتي “الصفعة” مؤخرًا بعد تصنيف لبنان من بين الدول الأعلى في “معدلات التضخّم عالميًا”، وذلك في تقرير أعدّه الخبير الاقتصادي الأمريكي، البروفيسور ستيف هانك، والذي أظهر أن لبنان احتلّ المرتبة الثانية بمعدّل تضخّم بلغ 365%، بعد فنزويلا التي احتلت المرتبة الأولى بمعدل سنوي بلغ الـ 2133%، تتبعه زمبابواي التي احتلّت المرتبة الثالثة بمعدل 358%.

ما هو تعريف مؤشّر التضخّم وما انعكاسات معدّلاته على الوضع الاقتصادي اللبناني؟

يقول الخبير الاقتصادي، البروفسور جاسم عجاقة، في حديث لـ”أحوال” إنّ “كل اقتصاد يُقاس بمؤشّرات ثلاثة وهي: مؤشر البطالة، مؤشر الناتج المحلي أي المستوى المعيشي في دولة ما، ومؤشر التضخم الذي يُشير إلى القيمة الحقيقية لما يُنتجه البلد”، لافتًا إلى أن أثر التضخم هو كارثة على الاقتصاد، وهو شبيه بأثر الحرارة على الإنسان، ما يعني أن أي تضخم عالٍ سيتسبّب بقتل هذا الاقتصاد، وأي تضخم مُنخفض سيعطي النتيجة عينها.

من هنا يتابع عجاقة: “التضخّم مشكلة خطيرة وكبيرة جدًا، وتُعتبر من أسوأ الأمور التي قد تطرأ على اقتصاد أي بلد، وهي تأتي في معظم الأوقات نتيجة السياسات الاقتصادية الخاطئة في بلد معيّن، ما يستدعي تحرّك المصارف المركزية للسيطرة عليها”.

أما في ما يتعلّق بالاقتصاد اللبناني وانعكاسات معدلات التضخم على هذا الأخير، فيقول عجاقة: “يؤدي التضخّم الى ارتفاع أسعار السلع وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن، خصوصًا أننا دخلنا مرحلة التضخّم المُفرط مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية من جهة، واستمرار العجز في موازنة الدولة اللبنانية الممولة بطبع العملة من مصرف لبنان، من جهة أحرى”، مشيرًا إلى أن التضخّم قد يجعل الشركات والمؤسسات غير قادرة على الاستمرار والصمود، لأنها لن تجد أحد لإقراضها بالعملة الوطنية، وبالتالي فلن يكون هناك استثمارات، ما يزيد من نسب البطالة ويضرب الاستقرار الاجتماعي وحتى الأمني.

الـ1000 ليرة ستختفي من السوق؟!

وفي السياق، يكشف الخبير الاقتصادي لموقعنا أنّ تراجع قيمة الليرة اللبنانية جعل من كلفة الـ1000 ليرة تُقارب قيمتها الفعلية، ما يُرشّح اختفاءها من الأسواق إذا استمرّ التضخم على نفس الوتيرة، و”هذا نذير شؤم”، وفقًا لعجاقة، الذي شدّد بالمقابل على ضرورة تشكيل حكومة في أسرع وقت، من أجل إجراء الإصلاحات اللازمة وإتمام التفاوض مع صندوق النقد الدولي.

زيادة السيولة أدّت إلى التضخّم والهدف كان “حماية حاشية السلطة”

من جهته، يفسّر الخبير الاقتصادي محمود جعفر، في حديث لـ”أحوال”، أنّ التضخّم المالي يؤدي إلى انهيار العملة الوطنية وانهيار الاستثمارات، ويخفّض كذلك النمو الاقتصادي بمعدلات مرتفعة، كما يخلق عجزًا في الميزان التجاري وميزان المدفوعات، ويؤدي أيضًا إلى ارتفاع سعر صرف العملة الوطنية وارتفاع كلفة الاستيراد وانخفاض قيمتها، في الوقت الذي ترتكز جميع قطاعات البلد على الاستيراد”.

وعن الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع نسبة التضخّم في لبنان، يذكر جعفر: “كثرة طباعة الأموال المحلية لأجل تغطية نفقات الدولة وتأمين الرواتب للأجهزة الأمنية لحماية السلطة السياسية، إلى جانب المخصّصات والهدايا التي تعطيها الدولة للأجهزة الأمنية والحاشية القريبة من السلطة”، هذا بالإضافة إلى ارتفاع السيولة في السوق بالعملة المحلية، نتيجة وجود إدارة مصرفية “غير سليمة” لتغطية نفقات مشبوهة وليست خدماتية، أي نفقات الحاشية وليس الموظف العادي، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع القدرة الشرائية التي تنعكس سلبًا على التضخّم المالي، والذي بدوره سيؤدي الى انخفاضها من جديد”، بحسب قول جعفر.

أين أخطأ حاكم مصرف لبنان؟

يعتبر جعفر في حديثه لموقعنا، أنّ “حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أخطأ في طباعته المزيد من الأموال بالليرة اللبنانية، في الوقت الذي كان يتوجّب عليه تنظيم الأمور المالية وعدم إعطاء السيولة لموازنات الوزارات بشكل عشوائي”، مشيرًا إلى أنه كان باستطاعته “التمنّع” عن تمرير هدايا مالية وعدم إعطاء السياسيين قروضًا كبيرة بفوائد منخفضة أو بصفر فائدة، “فلَو كانت السيولة تحلّ المشكلة كنا طبعنا أموالًا في البلد بما يعادل الدَين الخارجي، ولو أن خفض الفوائد أتى على التجار والصناعيين، وليس على السياسيين، كنا شهدنا نموًا اقتصاديًا ومنشآت اقتصادية واستثمارات هائلة في البلد”، وفقًا لجعفر.

باولا عطية

باولا عطية

كاتبة وصحافية لبنانية. تحمل شهادة الماجستير في الإعلام الاقتصادي والتنموي والإجازة في العلوم السياسية والإدارية من الجامعة اللبنانية. والإجازة في الصحافة والتواصل من جامعة الروح القدس الكسليك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى