منوعات

إسقاط الخط 29 سيعرض ثروة لبنان النفطية للخطر.. ويُهدد خط 23

مصادر بعبدا لـ"أحوال": لن نُفرط بالحقوق.. فهل يُصحّح مسار التفاوض؟

انتهت جولة التفاوض الأخيرة بين الوفدين اللبناني والإسرائيلي في ملف ترسيم الحدود، بانسحاب الوفد الإسرائيلي بسبب تمسك الوفد اللبناني بالخط 29 الذي يوسع المنطقة المتنازع عليها ويمنح لبنان هامشًا أكبر للمناورة لحماية حدوده وثروته الوطنية وتوقفت بعدها المفاوضات.

وبعد ذلك تجمدت المفاوضات لأشهر عدة ودخل الملف في دائرة الغموض، حتى وصل المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين الى بيروت منذ أسبوع ونيف، بعدذاك تبدّلت المعادلة وأُسقِط الخط 29 وبدأ التداول بالخط 23، ما يعني عودة المفاوضات الى المربع الأول. وما يحمله من مخاطر خسارة لبنان مساحة 1430 كلم مربع والعودة إلى خط هوف وتجميد استثمار “بلوك 8”.

وعرض هوكشتاين في زيارته الأخيرة بحسب معلومات “أحوال” تنازل لبنان عن الخط 29 مقابل إسقاط خط فريدريك هوف وبدء التفاوض على المساحة الواقعة بين الخطين هوف و23.

مصادر الوفد التفاوضي في ملف الترسيم حذرت عبر “أحوال” من المخاطر الكبيرة لأي تنازل في هذا السياق في وقت كان موقف الوفد العسكري في الناقورة صلبًا ويحقق تقدمًا في اظهار حقوق لبنان بالأدلة العلمية والقانونية تمهيدًا لتثبيتها داخليًا وتشريعها أممياً عبر تعديل مرسوم تعديل الحدود البحرية 6433.

وبعدما نُقِل عن رئيس الجمهورية ما مفاده أن الخط 29 هو في الأساس خط تفاوض وليس حدود ولا أساس قانوني له وأن الخط الحدودي هو الـ23. أوضحت مصادر الوفد اللبناني أن أي خط ترسيم يجب أن يملك نقطة البدء وقاعدة ترسيم:

*في الخط 29 نقطة البدء هي رأس الناقورة، أي آخر نقطة على الشاطئ، وهذا الأمر بقي محل خلاف حتى نهاية المفاوضات الأخيرة.. النقطة “بـ1” واضحة المعالم وتحاول “إسرائيل” التنصل منها.

*قاعدة الترسيم: جرى الاتفاق بين الوفدين خلال المفاوضات على أن تكون القاعدة هي خط الوسط – ظروف خاصة، يعني الانطلاق من رأس الناقورة يرسم الخط 29. ولا اعتبار للظروف الخاصة في هذه الحالة كون صخرة “تيخليت” لا قيمة لها، وجاء حكم محكمة العدل الدولية في النزاع بين (الصومال وكينيا) ليعزز موقف الوفد اللبناني ويشكل سابقة لمصلحة لبنان. وبالتالي الخط 29 قانوني مئة في المئة.

فالإعلان اللبناني التنازل عن الخط 29، لم يقابله إعلان مماثل من “إسرائيل” بالتزامها حق لبنان في المساحة المتنازع عليها ضمن الخط 23، أي 860 كلم مربع، ما سيفتح شهيتها على قضم المزيد من المكاسب عبر المناورة خلال المفاوضات المقبلة التي ستبدأ من الخط 23 نزولاً لدفع لبنان للقبول بخط هوف.
وتوضح مصادر الوفد أن “هوكشتاين حصر المساحة المتنازع عليها بين الخطين 1 و23 ومنح “إسرائيل” تأثير صخرة “تيخليت” بنسبة 90 في المئة”.

ويكمن الخطر في أن “إسرائيل” ستعتبر الخط 23 خطاً تفاوضياً، وبالتالي من غير السهل التنازل تحت هذا الخط.
واللافت أنه وبعد إعلان رئيس الجمهورية عن الخط 23، أعلنت شركة التنقيب عن الغاز “أنرجي” في المنطقة الاقتصادية الواقعة ضمن المساحة المتنازع عليها والراسية في سنغافورة أنها ستعود إلى “إسرائيل” للبدء بالتنقيب بعدما قررت الشركة المغادرة لخشيتها من حصول نزاع في المنطقة، ما يؤشر إلى شعور إسرائيلي بالطمأنينة للعمل بتلك المنطقة.

وما يعزز الشكوك هو إزالة الرسالة اللبنانية من موقع شؤون المحيطات وقانون البحار في الأمم المتحدة الالكتروني، إلا ان وزارة الخارجية اللبنانية نفت ذلك، مؤكدة أن الرسالة محفوظة في المكتبة الرقمية للأمم المتحدة.

فالوفد التفاوضي اللبناني تمسك بالخط 29 للحفاظ عليه، وفي حال تعذر ذلك، كان بإمكانه تحصيل أكبر مساحة ممكنة بين الخطين 23 و29، لكن إسقاط الخط 29 واعتبار الخط 23 على أنه نقطة جولة التفاوض الجديدة، سيمكن “إسرائيل” من كسب بلوك رقم 9 وصولا الى البلوك 8 الواقع بين الخط 1 والخط 23. وتنقلب المعادلة من “كاريش” مقابل “قانا”، الى احتفاظ “إسرائيل” بـ”كاريش” وسطوها على “قانا”.

وفيما أرسلت رئاسة الجمهورية رسالة الى الأمم المتحدة تتضمن التمسك بالخط 29 عشية زيارة هوكشتاين، عادت بعد يومين للحديث عن الخط 23. الاستمرار بهذا المسار التفاوضي سيحرم لبنان مساحة 1430 كلم مربع، والعودة إلى خط هوف أو هو هوف + كحد أقصى. لذلك كان الأفضل تعديل المرسوم والذهاب للمفاوضات وتثبيت الخط 29 قانونياً ثم التنازل ضمن حدود معقولة بما يضمن مصالح لبنان.

وكشفت مصادر “احوال” عن اجتماع حصل بين رئيس الجمهورية والوفد العسكري المفاوض في بعبدا قبل انطلاق مفاوضات الناقورة، تم الاتفاق خلاله على سقف وخطين حمر للتفاوض:

الاول: رفض التفاوض المباشر الذي سعت إليه السفارة الأميركية في بيروت قبل انطلاق المفاوضات.

والثاني: عدم حصر النقاش في مساحة 860 كلم.

وتكشف المصادر في هذا السياق أن الهدف الأميركي الإسرائيلي خلال المفاوضات انصب على حشر الوفد اللبناني بالتفاوض ضمن مساحة 860 كلم مربع فقط لكن لم يتحقق ذلك، إذ كان رئيس الوفد اللبناني يجيب الوسيط الأميركي السفير جون ديروشيه: “لن أتراجع قبل تراجع الإسرائيلي”.

كما اضطر الوفد اللبناني في جلسات التفاوض للتهديد أكثر من مرة بأن لبنان سيدافع عن كامل ثروته.

في المقابل تجزم أوساط مطلعة على موقف رئيس الجمهورية في ملف الترسيم لـ”احوال” بأن “عون لن يتنازل عن الحقوق اللبنانية”، وتوضح أننا “لا نتحدث عن تنازل في السيادة، بل مفاوضات على المنطقة الاقتصادية”. وعبرت المصادر عن تفاؤلها للمرة الاولى بقرب التوصل الى اتفاق في ملف الترسيم بالتوازي مع المفاوضات في المنطقة.

هل هناك إمكانية للتراجع وتصحيح المسار التفاوضي؟

يكون ذلك من خلال توضيح رئاسة الجمهورية بأن لبنان لم يتخلَ عن الخط 29 ولن يقبل بأقل من الخط 23 وبالتالي إعادة قواعد اللعبة الى حلبة النزاع بين الخطين 23 و29 بانتظار الحل النهائي.

مصادر “احوال” تكشف عن تهديد تلقته الشركة الفرنسية (توتال) التي نقبت في البلوك 4 مقابل البترون، دفعها لتعليق أعمال الحفر والإعلان عدم وجود النفط والغاز، ما يخفي قراراً خارجياً وأميركياً بتعطيل عملية التنقيب عن النفط في جميع “البلوكات” اللبنانية، قبل إنهاء النزاع مع “إسرائيل” وضمان استثمارها للمساحة الاقتصادية التي تريدها.

محمد حمية

محمد حمية

صحافي وكاتب سياسي لبناني. يحمل شهادة الماجستير في العلاقات الدولية والدبلوماسية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى