عامٌ على الكارثة.. “قنابل موقوتة” في بيروت تهدّد بفاجعة جديدة
أنديرا الزهيري لـ"أحوال": الأبنية القديمة في لبنان تفتقر لمعايير السلامة العامة المُعتمدة عالميًا
تفجير الرابع من آب كشف المستور وأظهر هشاشة الدولة اللبنانية وعجزها عن القيام بأبسط واجباتها في حماية شعبها؛ فتقصير المعنيين ظهر جليًا بعد الفاجعة التي وقعت وسط بيروت، إذ تفعّلت الكثير من المشكلات، والتي كان أبرزها ملف الأبنية الآيلة للسقوط، علمًا أن هذه المشكلة تسبق تاريخ التفجير بسنوات عدة، ولكن الدولة في غياب تام.
بيروت تتصدّر قائمة الأبنية المهدّدة بالانهيار
وبالأرقام، فقبل وقوع الانفجار الكارثي كان عدد الأبنية المهددة بالسقوط في لبنان يقارب الـ 16260، حيث تتصدّر العاصمة بيروت القائمة بما يقارب الـ 10460 مبنى، تليها محافظة الشمال وطرابلس بنحو 4000 مبنى، ثم محافظة جبل لبنان بـ 640 مبنى، ليتبعها برج حمود والشياح بـ 600 مبنى، ومن ثم محافظة الجنوب وبعلبك ومناطق متفرقة بـ 160 منبى.
عدد الأبنية الآيلة للسقوط في بيروت ارتفع بطبيعة الحال عقب انفجار المرفأ، ليصل إلى حوالي 85744 وحدة متضرّرة، موزّعة بين 60818 وحدة سكنية، و19209 وحدة غير سكنية -أي مؤسسات وشركات ومستشفيات ودور تعليم- وغيرها، بالإضافة إلى إحصاء حوالي 1137 وحدة تراثية، مع الإشارة إلى أن هذه الأرقام هي نتاج مسح قام به الجيش اللبناني في المناطق المحيطة للمرفأ، وتحديدًا الجميزة، الصيفي، الأشرفية، فرن الشباك، الكرنتينا، الرميل، مار مخايل، والحكمة، بالإضافة إلى مساحة واسعة من بيروت، مثل رأس بيروت، الحمرا، زقاق البلاط، الخندق الغميق وبرج المر.
بالمقابل، ورغم تضرّر عدد كبير من الأبنية، إلا أن معظمها لا تزال مأهولة بالسكان، “الأمر الذي قد يشكل على مرّ السنين خطرًا جديًا على حياة قاطنيها، في ظل غياب عمليات التأهيل أو الترميم من جهة، وفي ظل تقاعس الدولة بإيجاد حلّ فوري وحاسم من جهة أخرى”.
وفي هذا الإطار، أوضحت رئيسة الهيئة اللبنانية للعقارات، أنديرا الزهيري، في حديث لـ”أحوال” أن الحل يبدأ بحسم ملفات قوانين الإيجارات القديمة، السكنية وغير السكنية، والمتمثّل بتفعيل الإيجار التملّكي وإنشاء مجمعات سكنية تتماشى مع القدرة الشرائية لكافة فئات المجتمع، خصوصًا في ظل الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار، إلى جانب الفوضى السائدة والفساد المتفشّي في كافة قطاعات ودوائر الدولة”.
وللغوص أكثر في ملف الأبنية الآيلة للسقوط، فنّدت الزهيري المشكلة، إذ لفتت إلى أنه “وبحسب تقارير المهندسين والخبراء في الهيئة اللبنانية للعقارات، فالاسمنت المستخدم في البناء يصلح لـ 50 عامًا، إلا أن العوامل المناخية والبيئية وغياب الصيانة، جميعها تؤثر على متانته، ما يجعله يفقد 5% من جودته سنويًا”، سائلة: “فما بالكم بالأبنية المهدّدة بالسقوط، وخصوصًا تلك القديمة التي تضرّرت بفعل عامل الزمن والحروب وقوانين الإيجارات القديمة؟”.
من هنا، أكدت الزهيري أن “الأبنية القديمة في لبنان تفتقر لمعايير السلامة العامة المُعتمدة حول العالم، وهو ما جعلنا نصنّف تلك الأبنية وكأنها “قنابل موقوتة”، إذ أن معظمها قديم ولا يخضع لصيانة دورية، ناهيك عن تصدّعاتها وتهالك حجارتها بفعل الزمن، ما يعني أن أخبار انهيار الأبنية ستتوالى، خصوصًا أننا على أبواب الشتاء، ما ينذر بأن تكون مشروع 4 آب جديد”، بحسب تعبيرها.
الترميم والتعويضات.. من المسؤول قانونيًا؟
في سياق متصل، وحول المسؤول قانونيًا عن ترميم الأبنية المتضررة، أهو المالك أم المستأجر، أوضحت الزهيري أن “المسؤولية القانونية تقع بالمبدأ على “حارس الجوامد”، والذي يكون عادة مالك العقار أو المؤجّر، إلا أن القانون فرّق بين عدّة حالات، إذ هناك حالات معيّنة تتوزع فيها المسؤوليات، مثل الظروف الخارجة عن المألوف أو “القوة القاهرة” كالزلازل والفيضانات والحروب، وكل ما يخرج عن مسؤولية صاحب العلاقة”، مضيفة: “ولكن في ما يتعلّق بعمليات الترميم، فلا بدّ من التفريق بين ما إذا كانت تلك الأبنية خاضعة للقوانين الاستثنائية، كقوانين الإيجارات، أو لحرية التعاقد، وهنا بتنا أمام جدل بين توزيع المسؤولية، لذا وجب أخذ كل حالة على حدة لمعرفة الجهة المسؤولة عن عمليات الصيانة”.
أما حول التعويضات للمتضررين من الناحية القانونية، فقد أشادت الزهيري بالمجهود الجبّار الذي قامت به المؤسسة العسكرية، “حيث تمّ تحميل الجيش اللبناني مسؤوليات تفوق طاقته، أبرزها توزيع تعويضات مادية على سكان المناطق المتضرّرة، علمًا أن هذا من واجب ومسؤولية الهيئة العليا للإغاثة ومحافظة بيروت، وليس الجيش”، بحسب قولها، مسلّطة الضوء على تقصير الدولة اللبنانية والحكومة وحتى القضاء في هذا الخصوص، “والذين كان من واجبهم أن يجنّدوا كل ما لديهم من طاقات من أجل مساعدة أهالي الضحايا والمتضررين، والبتّ بهذا الملف الذي ضرب الانسان والمواطن والحقوق وكيان الدولة، ضربة قاتلة”.
التغيّر الديمغرافي للعاصمة بيروت
أمّا حول التغيّر الديمغرافي لمدينة بيروت نتيجة الانفجار، وما إذا كان هناك عائلات مهدّدة بأن تُهجّر من منازلها بسبب الواقع الخطر للأبنية، فقد أوضحت الزهيري لموقعنا أن “هذه المسألة ليست بجديدة، فالديمغرافية في بيروت خضعت بمعظمها لتغيّر منذ الحرب والأحداث المختلفة التي عصفت بلبنان، إذ أصبح معظم أبناء العاصمة خارج مدينتهم بعد أن باع عدد منهم أملاكه، في حين عمد البعض الآخر إلى عرض أملاكه للإيجار لأبناء المناطق البعيدة الذين يقصدون بيروت إمّا بهدف العمل أو التعلّم أو الاستشفاء، وإمّا هربًا من المناطق التي كانت معرّضة للخطر خلال فترة الاحتلال الإسرائيلي، وهنا نصطدم من جديد بمشكلة الايجارات قديمة”، مشيرة إلى أن “هذا الأمر قد يتكرّر نتيجة الأضرار التي لحقت بالأبنية وبمنازل العديد من السكان في بيروت وضواحيها”.
ياسمين بوذياب