صحة

القطاع الصحي “يلفظ أنفاسه الأخيرة” نتيجة الأزمات المتتالية

يواجه القطاع الصحي في لبنان أزمات لا سابق لها، فالقضية لم تعد محصورة بالمشكلة التي لطالما رافقته في السنوات العشر الأخيرة، والمتعلقة بتسديد الدولة لمستحقاتها، بل أصبحت أكثر شمولاً مع انهيار سعر صرف العملة الوطنية، ولم تمضِ عدّة أشهر حتّى وصل وباء كورونا الى لبنان وما حمله من تحديات، ومن ثم انفجار مرفأ بيروت ليزيد من الضغط على هذا القطاع.

لم تنتهِ المشاكل عند هذا الحدّ، فقد جاء حديث حاكم مصرف لبنان عن توجه لرفع الدعم، ليشكل تهديدًا صريحًا وواضحًا بكارثة صحية قد تضرب البلاد. فارتفاع سعر الصرف ضاعف الكلفة التشغيلية للمستشفيات الخاصة، في حين أن أعداد المرضى تراجعت بنسبة كبيرة نظراً لتعميم وزارة الصحة الذي طلب من المستشفيات استقبال المرضى الذين يعانون من حالات طارئة فقط، فضلاً عن استنزاف المستلزمات الطبية بعد استقبال 6 آلاف جريح على أثر انفجار المرفأ. فهل سيتمكن هذا القطاع من مواجهة جميع هذه الضغوطات؟ وهل هناك أي حلول تلوح في الأفق؟

يلخّص نقيب المستشفيات سليمان هارون في حديث لـ”أحوال ميديا” الوضع في حال رفع الدعم بثلاث كلمات “إنه عمل انتحاري”، مضيفًا أن “هكذا إجراء سيؤدي الى افلاس الضمان الاجتماعي من جهة، وسيضاعف تسعيرة المستشفيات عدة مرات التي ستواجه أزمة حقيقية في شراء المستلزمات الطبية من جهة أخرى”، وكل ذلك سيدفع ثمنه المواطن بالدرجة الأولى.

إضافة الى ذلك، تُعاني المستشفيات من تقاعس الدولة في تسديد ديونها المتراكمة منذ عام 2012 والبالغة 2200 مليار ليرة لبنانية، وما يزيد من حجم الأزمة أن انهيار سعر الصرف جعل من القيمة الفعلية لهذه الأموال متدنية، خصوصاً أن قسمًا كبيرًا من موجبات المستشفيات تجاه المستوردين هو بالعملة الصعبة. وكل ذلك ينعكس بشكل مباشر على الموظفين الذين يتم تسريحهم من وقت الى آخر، اذ يعمل في القطاع الاستشفائي 25 ألف موظف، جرى تسريح حوالي 10% منهم، فضلاً عن الحسومات في المعاشات التي طالت نسبة كبيرة منهم، وكل ذلك يأتي في وقت تُطالب فيه الطواقم الطبية بالمخاطرة بحياتها لمواجهة الوباء المنتشر.

هذا المشهد ترافق مع انفجار مرفأ بيروت الذي أدى الى تضرر 4 مستشفيات بشكل شبه كامل، وقدّرت كلفة هذه الأضرار بحوالي 80 مليون دولار، كما قدّرت كلفة معالجة 6 آلاف جريح بحوالي 25 مليون دولار. من هنا، لفت هارون الى أن المساعدات التي جاءت على أثر هذا الحدث يمكنها مساعدة المستشفيات لثلاثة أشهر على أبعد تقدير.

إلا أن اللافت هو عدم قدرة تجمع مستوردي المستلزمات والأدوات الطبية الحصول على لوائح بهذه المساعدات التي وصلت الى 200 طن من أجل معرفة احتياجات البلاد واستيرادها، وفق ما قالت رئيسة التجمع سلمى عاصي لـ”أحوال ميديا”.

في المقابل، لا يقل التأثير السلبي لرفع الدعم على المستشفيات الخاصة، عن تأثيره على مستوردي المستلزمات والأدوات الطبية، فبحسب سلمى عاصي، فإن هذه الشركات يستوجب عليها ديون بالعملات الصعبة للخارج من 6 شهور الى سنة، وبالتالي هي تستند في تعاملاتها الى تعميم مصرف لبنان الذي يُشير الى دعم 85% من فاتورة المستلزمات الطبية، أي أنه في الأساس تأمين الـ 15% المتبقية ليس بالأمر السهل، وفق عاصي.

فضلاً عن ذلك، وبعد رفع الدعم، يبقي أمام المستوردين طريق واحد للحصول على العملات الصعبة وهو السوق السوداء، وبالتالي هناك مخاوف من ارتفاع سعر صرف الدولار في حال لجوء المستوردين لتأمين كامل المبلغ من هذا السوق. كما ثمة مشكلة أساسية متعلّقة بغلاء الأسعار، فعلى سبيل المثال، سيرتفع سعر “بطارية القلب” من 3 ملايين الى 30 مليون ليرة. لذا تخلص عاصي الى أن رفع الدعم يعني “الإفلاس النهائي”.

أما عن مدى الالتزام بهذا التعميم، تقول عاصي إن “تنفيذ التعميم يتم بطريقة بطيئة جداً حيث تبقى الملفات لعدة أشهر ولا يتم الموافقة على جميعها، فمن المفترض تحويل 400 مليون دولار سنوياً، إلا أننا عدنا وقبلنا بمبلغ 240 مليون دولار، غير أن مصرف لبنان حوّل 59 مليون دولار، اي 30%، خلال 9 أشهر”.

الاتصالات مع المسؤولين لحل جميع هذه المعضلات شبه متوقفة، والأزمة مفتوحة على جميع الاحتمالات في حال اتخذ قرار رفع الدعم دون وجود أي آلية تضمن حق المواطن بالاستشفاء، فالأزمات المتلاحقة التي تضرب هذا القطاع تجعله “يلفظ أنفاسه الأخيرة”. يبقى أن جميع المسؤولين يدركون أن سقوط القطاع الصحي يوازي الطلقة الأخيرة في نعش الوطن، فهل يخرج الحل قبل الوقوع في المحظور، أم أن حجم الانهيار الاقتصادي سيكون أشد وأقوى مما يتوقعه الجميع؟

مهدي كريّم

مهدي كريّم

صحافي وكاتب لبناني يهتم بالقضايا السياسية والإقتصادية. حائز على ماجستير في العلاقات الدولية من الجامعة اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى