منوعات

لتنشيط الذاكرة… هذا سبب بقاء النازحين السوريين في لبنان

من شأن كثرة الأحداث في أي بلد أن تجعل الذاكرة منهكة، فلا تستطيع تذكّر ما حصل في السنوات السابقة، فيصبح حكم “العقل” على الملفات مشوّهاً، وهذا تحديداً ما يحصل معنا في لبنان بشأن ملف النازحين السوريين، واستحقاق الإنتخابات الرئاسية السورية.

تاريخ يُعيد نفسه

قبل الغوض في أسباب بقاء السوريين في لبنان، لا بدّ من العودة بالذاكرة إلى شهر أيار عام 2014، فالإستحقاق الإنتخابي للنازحين السوريين والذي يحصل اليوم في السفارة في اليرزة ليس الأول من نوعه، ففي العام 2014 غصّت الشوارع بباصات وسيارات الناخبين السوريين المؤيدين للرئيس السوري بشار الأسد، ويومها علت نفس الصرخات التي نسمعها اليوم من قبل المعارضين اللبنانيين للنظام السوري، فسمعنا عبارات مثل “من واجبنا ترحيل لا بل مقاومة أي سوري موجود في لبنان وموال للنظام في سوريا”.

يومها أطلق البعض على السوريين الموالين للنظام في لبنان عبارة “لاجئو بطالة، لا لاجئو حرب”، على اعتبار أنهم مستمرون في العيش في لبنان بسبب العمل لا لأي سبب آخر، وهذا ما يُفقدهم صفة “اللاجىء”، أو “النازح” الذي يهرب من الحرب أو القتل أو الخوف أو فقدان الأرضو كحال اللاجىء الفلسطيني المشتّت في أصقاع الدنيا.

إذاً، ما يحصل اليوم هو تاريخ يُعيد نفسه بكل مندرجاته، ولكن الجديد هو الإعتداءات غير المبررة التي قادها مناصرو حزب القوات اللبنانية بوجه السوريين الموالين للنظام السوري، ولمن يجد أن “رأي القوات” صائب بهذا الخصوص لا بد له من تذكّر السبب الرئيسي لبقاء النازحين في لبنان.

من سعى لبقاء النازحين؟

طيلة الفترة الماضية كان الطرف المتحالف مع النظام السوري في لبنان يسعى لإعادة السوريين إلى أرضهم لأن من شأن ذلك إظهار سوريا كدولة منتصرة قادرة على إنهاء مفاعيل الحرب، وكان الطرف المعارض للنظام يرفض تلك العودة ويربطها بقرار أممي دولي، بحجة “العودة الآمنة” وحماية النازحين من بطش النظام وذلك لأجل إطالة أمد الأزمة في سوريا ومنع قيام الدولة والإعتراف بها، وكان الطرف الأول يحضر مؤتمرات تسهيل العودة، ويطلب من القيادة الروسية المساعدة، ويُطلق حملات حزبية لتسجيل أسماء الراغبين بالعودة وتسهيل عودتهم والتنسيق مع القيادة السورية في هذا الشأن، وكان الطرف الثاني يرفض كل هذه المحاولات.

بالمقابل فإن الطرف الذي صُدم اليوم بعدد السوريين المؤيدين للنظام في لبنان، هو نفسه الذي فوجىء بنفس العدد ونفس التأييد عام 2014، ولكنه استمر برفض العودة ورفض التنسيق مع سوريا لترحيل اللاجئين، وهذا الطرف هو نفسه الذي زار عرسال عام 2012 لتأكيد حق بقاء النازحين في لبنان، ومعروف تسلسل الأحداث في عرسال بعدها، وهذا الطرف هو نفسه من قال على لسان الوزيرة السابقة مي شدياق في شباط 2019 في هجومها على زيارة وزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى سوريا أن “التطبيع مع نظام الأسد لن يحصل ولو على دمائنا”، في سياق حديثها عن رفضها للتنسيق مع سوريا لعودة النازحين.

لوضع النقاط على الحروف

نعم، بكل تأكيد، وبعيداً عن المواقف السياسية الشعبوية، فإن الوجود السوري في لبنان كان ولا زال وسيبقى عبئاً ضخماً جداً على الاقتصاد اللبناني المتهالك، ويجب إيجاد الحلول له، أمس قبل اليوم، ولكن لا يمكن نسيان من حاول استثمار هذا الملف في ألعاب إقليمية ودولية، وربط العودة بمصير هذه الألعاب، ورفض التنسيق مع الدولة السورية، التي لا تزال معظم دول العالم تعترف بها، والتي أصبحت قريبة جداً من العودة إلى جامعة الدول العربية.

كذلك، من ينفي الجانب الإقتصادي لبقاء السوريين في لبنان يكون من الواهمين، بائعي الأكاذيب، إذ بات بإمكان السوريين العودة إلى بلادهم بعد تحرير اجزاء واسعة من الأرض، ولكن من يُفترض بهم تأمين العودة يسعون لبقائهم في لبنان لأهداف سياسية، وهنا نقصد المنظمات الدولية التي تصرف الأموال الكثيرة لتمكينهم من البقاء، بغض النظر عن انتمائهم السياسي واماكن تواجدهم داخل لبنان، فهل تساءل أحدكم لماذا لا تُصرف الأموال لهؤلاء بشرط عودتهم إلى بلادهم؟

عندما نتحدث عن المنظمات الدولية نعني بذلك المجتمع الدولي برمّته، وهنا لا نتحدث عن تحليل أو موقف لأحد السياسيين المتحالفين مع القيادة السورية، بل عن موقف صدر في العام 2018 عن وزير خارجية الفاتيكان المونسنيور بول ريتشارد غالاغر عند استقباله وفداً نيابياً لبنانياً إذ قال: “في ما يتعلق بالنازحين السوريين، لن تحصل عودتهم لأن المجتمع الدولي برمته ضد هذه العودة في الوقت الحاضر. اذا اردتم المعالجة الفعلية لهذه المشكلة إذهبوا الى واشنطن. هذا الموضوع غير قابل للمناقشة في حساب المجتمع الدولي في الظرف الراهن”، وهنا أيضاً لا يمكن إلا ذكر مؤتمر بروكسل الشهير عام 2019 الذي كان واضحاً بنواياه تأمين بقاء النازحين السوريين في أماكن تواجدهم.

لم تكن أسباب بقاء غالبية السوريين في لبنان متعلقة بالحرب أو الخوف، بل بالإقتصاد، وسعي الأطراف المحلية التي تعبّر اليوم عن رفضها لبقاء الموالين للأسد، لاستغلال هذا الملف خدمة لمصالح الخارج، ولكن اليوم اختلفت الصورة، فهذا الخارج بات يهرول باتّجاه سوريا، والسعودية تحاور إيران، والولايات المتحدة الأميركية تعود للإتفاق النووي، وروسيا تسعى لإنهاء الأزمة السورية، وهذا ما جعل البعض يخرج عن طوره في لبنان.

 

 

محمد علوش

صحافي لبناني، يحمل إجازة في الحقوق وشهادة الماستر في التخطيط والإدارة العامة من الجامعة اللبنانية. بدأ عمله الصحافي عام 2011، وتخصص في كتابة المقالات السياسية المتعلقة بالشؤون اللبنانية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى