مجتمع

العام الدراسيّ الجديد في خطر… وهذه أبرز المعوقات

يهدّد العام الدراسي المقبل عدّة عوامل تجعل الجو  العام ضبابياً، من هنا الأمر ليس محسوماً بعد. فتصريحات وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال تتراوح بين إمكانيّة التعليم عن بُعد وإمكانيّة التعليم المدمج، لكنّ كل ذلك يبقى في إطار الإمكانيّات، بسبب المعوّقات والعراقيل الناجمة عن تفشّي فيروس كورونا أوّلاً والأزمة الاقتصاديّة وتداعياتها ثانياً.

إلى ذلك، يحتّم النزوح الكثير من الطلاب من المدارس الخاصّة إلى الرسميّة البحث في عوامل ومشكلاتٍ وإيجاد الحلول لها، على اعتبار أنّ المدارس الخاصّة تعلّم ثلثَي تلامذة لبنان.

بالأرقام، هناك 730 ألف طالبٍ يتعلّمون في المدارس الخاصّة مقابل 300 ألفاً في المدارس الرسميّة. من هنا، فالتعليم الخاصّ في لبنان له دور أساسيّ، ويساهم ويستكمل التعليم الرسميّ في تعليم أبناء الوطن.

ومن ناحية التشغيل والاستثمار، فالقطاع التربويّ الخاصّ يشغّل 70 ألف أستاذٍ بالمباشر وآلاف المستخدمين المستفيدين من هذا القطاع بشكلٍ مباشرٍ أو غير مباشر، ولا ننسى المكتبات ودُور النشر والمطابع وغيرها. فهو قطاع إنتاجيّ وحيويّ واسع.

لكنّ الأزمة الفعليّة بدأت في صيف العام الماضي، أي في صيف 2019-2020، إذ كان من المتوقّع أن يكون صيف حزيران 2019 صيفاً واعداً، مع ترقّب تحريك العجلة الاقتصاديّة.

ومن الأمل، انتقل اللبناني إلى خيبة الأمل، وإلى جمودٍ اقتصاديّ، ما انعكس  حركة نزوحٍ من المدارس الخاصّة إلى الرسميّة، مع العلم أنّ العديد من الأهالي كانوا قد سجّلوا أولادهم في المدارس الخاصّة، فقاموا بعدها (في شهر أيلول) بنقلهم إلى مدارس رسميّة.

هذا الأمر أدّى إلى نشوء أزمتَين: أزمة ارتباكٍ في المدارس الرسميّة التي لم تكن جاهرةً لاستقبال هذا العدد من الطلّاب؛ وأزمة ماليّة ألمّت بالمدارس الخاصّة التي كانت تتحضّر لاستقبال أعدادٍ من التلامذة؛ فما لبثوا أن انسحبوا في اللحظة الأخيرة.

هذه الأزمة لا يتحمّل مسؤوليّتها، لا المدرسة ولا الأهل،  بل الوضع الاقتصاديّ السيّء الذي أدّى إلى توقّف الدورة الاقتصاديّة في المجالات كافّة. وهذا ما انعكس على قدرة الأهالي على تسديد الأقساط المدرسيّة، بحيث كانوا يدفعونها بشكلٍ نظاميٍّ وشهريٍّ قبل ذلك، الأمر الذي توقّف تماماً. فظهر التقصير المادّي لدى المدارس، وتضاءل مخزونها.

على ما تقدّم من شرحٍ لنواحي الأزمة المتعدّدة، فإنّ أغلبيّة المدارس تكون قد حصّلت نسبةً تتراوح بين 25 و35 بالمئة من الأقساط عن العام الدراسي الحالي. فكيف – والحال هذا – تدفع الضمان الاجتماعيّ الشهري وضريبة الدخل والرواتب للأساتذة والموظّفين والفواتير؟

في ظلّ هذا الواقع القاسي، سرّحت المدارس المدعومة والكبيرة عدداً كبيراً من الأساتذة، فكيف الحال بالنسبة إلى المدارس التي لا دعم لها.

إنّها دوّامة الحالة الاقتصاديّة، فهناك الكثير من الأهل الذين فقدوا عملهم ولم يعد بمقدورهم تعليم أولادهم في المدارس الخاصّة أو دفع مستحقّاتهم التعليميّة. إنّها حلقة مغلقة، والاعتماد على الدولة أوّلاً وعلى مكوّنات الأسرة التربويّة ثانياً،  ألا وهي: الإدارة، الأهل والموظّفون.

أمّا الحلول التي طُرحت من أفرقاء الأزمة الثلاثة (المدرسة والأهل والمعلّمين)، فهي التالية:

طرح الأهل على المدرسة الامتناع عن دفع أقساط الأساتذة بما أنّهم لا يعلّمون، على أساس أنّ الأولاد لم يتعلّموا بما يتلاءم مع الأقساط السنويّة لهذا العام.

لهذا، عُقد اجتماع مع وزير التربية ولجنة الطوارئ المؤلّفة من ممثّلين عن الأهل والمعلّمين والمدارس والدولة. فصدر في 4 أيّار الفائت قرار يحمل الرقم \229\ بأن تعيد المدارس النظر بالموازنة نظراً للوضع الاستثنائي. ومن هنا، لا يمكن التعميم في ما يخصّ وجوب اتّخاذ الإجراءات في المدارس كافّةً بالطريقة عينها، فهناك أقساط مدارس مرتفعة وأقساط أخرى منخفضة. لذلك، قامت المدارس بخفض نسبٍ مختلفةٍ من الأقساط، فهناك من حسم 30 بالمئة، وهناك من حسم 50 بالمئة (من القسط الثالث) بشرط أن يتمّ دفع المبالغ المتراكمة سابقاً. فكلّ مدرسةٍ تحرّكت بحسب قدرتها وموازنتها وأقساطها، وبما يتلاءم مع مصلحة الطلّاب والأهل.

إذاً، فالخطوات يجب أن تُتّخذ من قبل الأفرقاء الأربعة: الأهل، المعلّمين، إدارات المدارس، والدولة. ففي خلال هذه الأزمة الصعبة، على كلٍّ منهم أن يخطو خطوةً بما يتناسب مع الأوضاع.

ومن هنا، طرح مشروع قانونٍ يقضي بتقديم 500 مليار ليرةٍ لدعم المدارس، ظهر في الإعلام، على أن تعطى المدارس الرسميّة 150 مليار ليرةٍ و350 ملياراً للمدارس الخاصّة، لكنّ القانون لم يقرّ بعد.

إذاً، فمستقبل العام الدراسي القادم غير مضمون، وخصوصاً في ظلّ توقّع نزوحٍ كثيفٍ من المدارس الخاصّة إلى الرسميّة، فلا قدرة استيعابيّةً للمدارس الرسميّة للعدد الذي من المقدّر أنّه سينتقل إليها.

ومن جهةٍ أخرى، ولغاية الآن فالتعليم عن بعدٍ فشل، إذ أنّ معيار نجاح التجربةٍ يرتكز على أن تغطّي أغلبيّة الطلّاب، أي حوالي مليون طالبٍ موجودين حاليّاً في لبنان. ولكن عمليّاً، فإنّ 730 ألف طالبٍ لم يستطعوا التعلّم عن بعد، فمشاكلنا التقنيّة كانقطاع الإنترنت والكهرباء هي السبب الأوّل، إضافةً إلى السبب المادّي أو الجغرافي. لهذا، وإذا ما استمرّت الجائحة، المشكلة ستكون حادّةً وخاصّةً بعد الكارثة الأخيرة في بيروت.

إضافةً إلى أنّ ما تمّ تعليمه يجب قوننته من قبل وزارة التربية، لذلك أصدر الوزير قرار ترفيع  الطلّاب حتّى 29 شباط ضمناً من دون الأخذ بالاعتبار التعليم عن بُعد.

وبالإجمال، فالمعوّقات التي تقف أمام استئناف العام الدراسيّ الجديد، هي كالتالي:

ضرورة تقليص المناهج بسبب ضيق الوقت وصعوبة إعطاء كامل المنهج.

تدريب الأساتذة على المنهج الجديد، وعلى تقنيّة التعليم عن بُعدٍ وخاصّةً في ظلّ انتشار جائحة كورونا.

ضرورة توفّر حواسيب شخصيّةٍ لكلّ طالب (وهذا أمر صعب التحقّق).

توفّر إنترنت دائمٍ يشمل كلّ المناطق وبالسرعة المطلوبة.

توفّر التيّار الكهربائي بشكلٍ دائم.

كلّ ذلك يستوجب تضافر جهود الوزارات المختصّة بالتعاون مع المركز التربوي للبحوث والإنماء.

فإن لم تتوافر جميع هذه الشروط وتُذلّل كلّ الصعوبات، فمن المستبعَد استئناف العام الدراسي 2020 – 2021.

ربيع داغر

ربيع داغر

صحافي وكاتب لبناني. كتب في عدد من الصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية اللبنانية والعربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى