بيانات وتعاميم رياض سلامة: مبادرات هلامية لتجميل الكارثة
مواربةً للسياق الحتمي للانهيار المالي والاقتصادي اللبناني، يهرب حاكم مصرف لبنان إلى سلسلة وبيانات وتعاميم بمحتويات هلامية مخادعة للبصيرة المالية. بعد أكثر من عام على تدهور الليرة وتبديد ودائع اللبنانيين يشتري رياض سلامة الوقت ويلاعب المزاج النقدي مرّة باختراع سوقًا جديدة إلى أسواق صرف العملات السوداء والرسمية والمصرفية وأخرى برمي فتوة تسديد أموال المودعين.
مناورة سلامة مع التدقيق الجنائي وتواريه عن القضايا المرفوعة ضده في عواصم عديدة غير لبنان وإنكاره لحلقة الاتهامات باختلاس وتبييض أموال، يرميها وراء ظهره ويبدأ بتوزيع أوراق الربع الساعة الأخيرة قبل القفز في بركان الاحتراق أو قبل “الارتطام الكبير” كما يحلو للبعض التوصيف.
صحوة في تقديم إجراءات للبنانيين بدأت ببيان ليلي مفاجئ في يوم عطلة الأحد، وانتهت الاثنين بانطلاق عمل المنصة الخاصة بمصرف لبنان “صيرفة”، التي طال انتظارها وتمّ تأجيلها أكثر من مرة.
مصادر مالية مطلعة تقرأ أنّ “مبادرة” مصرف لبنان، بهدف اعتماد آلية تبدأ بموجبها المصارف بتسديد تدريجي للودائع التي كانت قائمة قبل 17 تشرين الأول 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، دونها عقبات، إذ أنّ استعادة المودعين بعضًا من ودائعهم بالدولار أو العملات الأجنبية الموجودة فيها بقيمة 25 الف دولار ستتم على مراحل في حال بدأت في حزيران المقبل، وقد تستغرق ثلاث سنوات أي ما يعادل قرابة 8 آلاف دولار خلال السنة الواحدة، ومن له ودائع كبيرة سيبقى لسنوات مديدة للحصول عليها، وذلك تمهيدًا لإقرار قانون الكابيتول كونترول.
استحسان المبادرة في حدودها الدنيا، بحسب الوزير السابق كميل أبو سليمان أن طرح مصرف لبنان الأخير يجري بحسب تقديره، على “توزيع مبلغ لا يتخطى الـ50 ألف دولار على المودعين، على أن يقسم هذا المبلغ مناصفة إلى حد الـ25 ألف دولار يدفع fresh والقسم الثاني بالليرة ويقسط على 3 سنوات”.
الدولارات الطازجة تحتاج إلى توفير 12 مليار دولار. ووفق معلومات أبو سليمان سيؤمن نصف هذا المبلغ من سيولة البنوك الخارجية والنصف الآخر من احتياطي مصرف لبنان، “ولكن لا تمتلك البنوك سيولة في الخارج بقيمة 6 مليار دولار. لذا من الضروري اتخاذ القرارات بعد دراسة الجدوى الاقتصادية وكيفية تمويلها وضمان الشفافية”.
في مقابل الآمال المفقودة من إجراءات سلامة، تبرر بعض الجهات خطوات الحاكم بأنها هجمة مرتدة على الطبقة السياسية التي تضغط باتجاه صرف المزيد من أموال الاحتياطي الإلزامي لتمويل عمليات الدعم العشوائي، مشيرة ًإلى أن “هذه الأموال تصرف أساسًا من حسابات المودعين وبالتالي من الأجدى سدادها إلى أصحابها”.
وفيما تعتبر الخطوة “هلامية” في الشكل والمضمون والنتائج، فإنها بحسب هذه الجهات تهدف لاحتواء التضخم المفرط الذي قد تصل إليه البلاد بعد رفع الدعم، وبدل اللجوء إلى طباعة المزيد من العملة الوطنية زيادة التضخم في السوق النقدي، اضطر الحاكم إلى اللجوء لتحرير الودائع.
هي خطوة للهروب من زيادة التضخم التي تُدين الحاكم، لكن هذه النافذة ستفتح أبواب جهنم على البنوك التي قد لا تستطيع تلبية المودعين فتعود المواجهات والنزالات في أروقتها.
من توزيع الودائع إلى إطلاق منصة “صيرفة”، ما إن وجّه وزير المال في حكومة تصريف الأعمال، غازي وزني، الإثنين، كتابًا إلى حاكم مصرف لبنان، أكد فيه موافقته للتنسيق معه على إطلاقها، بهدف المساعدة على تأمين ثبات القطع، استنادًا إلى أحكام المادة 75 من قانون النقد والتسليف، حتى أطلق مصرف لبنان 3 تعاميم تفصيلية عن الآلية التنفيذية التي سيتم العمل وفقها بالمنصة.
بالمبدأ، يُدشّن العمل بالمنصة الإلكترونية، بانتظار صدور القرار رسميًا في الجريدة الرسمية. وبحسب التعاميم التي حملت أرقام 157 و583 و582 والموجّهة إلى الصرّافين والمصارف، فإن الفئات المستهدفة من المنصة هي عموم الجمهور، ولا تقتصر فقط على التجار. أي يمكن لأي كان التعامل بيعًا وشراءً بالدولار والليرة عبر المنصة الإلكترونية، وفق الآلية المنصوص عليها في التعاميم، وهذه النقطة الإيجابية في المنصة تعني تقليص حجم التداول في الأسواق الموازية وبالتالي وقف الارتفاع العشوائي وغير المبرر لسعر صرف الدولار.
وكان مصرف لبنان أنجز دورة تدريبية لموظفي المصارف والصرّافين على كيفية العمل في هذه المنصّة، التي جرى تأخير اطلاقها أكثر من مرة، بعدما كان مهدّ لذلك في تعميمين متتاليَين، أحدهما يصرّح فيه للمصارف بإجراء عمليات صرف العملات على أساس المنصّة الإلكترونية، والآخر يفرض على جميع الصرّافين المرخّص لهم وليس فقط من الفئة “أ”، استخدام المنصّة حصريًا لعملياتهم، والالتزام بشروط عملها، تحت طائلة شطب المؤسسات المخالِفة.
فيما التوقعات تقول إن سعر الصرف الذي ستعتمده المنصة سيكون في حدود الـ10 آلاف ليرة، ثمة فرضيات تعتبر أنه قد يكون قريبًا من سعر السوق الموازية وتبقى هوامش التغيير وفق العرض والطلب.
بعض المصارف غير متحمسة للمشاركة في المنصة إلى اليوم، كون المنصة إذا كان هناك احتمال أن تساهم في استقرار سعر الصرف لفترة محددة، فثمة تأكيد على أنها ستؤدي إلى المزيد من استنزاف للاحتياطات بالعملات.
وقد طلب مصرف لبنان من المصارف في تعميم أساسي حمل الرقم 157 عند القيام بعمليات الصرافة أن تدخل فورًا وبوضوح وشفافية المعلومات كافة المطلوبة عن كل عملية وتثبيتها عبر البرنامج الالكتروني المسمى “صيرفة” العائد للمنصة.
ويمكن للمصارف أن تقوم بعمليات الصرافة النقدية شرط ألا يتم اعتماد هوامش بين سعر البيع وسعر الشراء أو أي نوع من العمولات وألا تتجاوز في مطلق الاحوال كحد أقصى نسبة 1 في المئة من سعر الشراء. وذلك عن طريق شرائها أوراقًا نقدية بالليرة من عملائها مقابل عملات اجنبية يجري سدادها في الخارج أو في حسابات جديدة في لبنان بحيث يكون للعملاء حرية استعمال هذه الأموال للإفادة من الخدمات المصرفية كافة المقدمة من المصرف المعني بما في ذلك التحاويل إلى الخارج والسحوبات النقدية وخدمات البطاقة المصرفية في لبنان والخارج.
وأبقى مصرف لبنان في تعميم وسيط الاعتماد على سعر الصرف المحدد بـ3900 ليرة للدولار الاميركي الواحد في اطار الاجراءات الاستثنائية حول السحوبات النقدية على الحسابات بالعملات ومساعدة المتضررين من الانفجار في مرفأ بيروت.
الخطوات التجميلية، التي ابتدعها متأخرًا مصرف لبنان، لا يمكن أن تحجب حجم الكارثة المالية، التي سببتها وصفاته وهندساته، ولا تنفع بتسكين تداعيات رفع الدعم الذي يخطط له. وقد توقع صندوق النقد الدولي أن يسجل النمو الاقتصادي في لبنان انكماشًا بنسبة 9 في المئة في 2021، بعد تراجع نسبته 25 في المئة في العام 2020. ويبقى السؤال الأساس: من أين ستأتي الدولارات لتثبيت سعر صرف المنصة، وإعطاء دولارات للمودعين؟.
رانيا برو