منوعات

القطاعات الانتاجية اللبنانية إلى الخليج درّ

موجات مقبلة من الهجرة

كغيرها من القطاعات، تأثّرت القطاعات الإنتاجيّة بالأزمتين الماليّة والاقتصاديّة، ما جعلها عرضة لاهتزازات بنيويّة داخليّة خطيرة، بعد أن أصبحت اليوم أمام مرحلة دقيقة لا يختلف اثنان حولها، اذ تشهد معركة الصمود بوجه التّحديات التي يمر بها لبنان، نتيجة ما يحصل على مستوى ارتفاع سعر صرف الدّولار، مقابل انهيار  قيمة العملة الوطنيّة،  والإجراءات التي اتخذتها المصارف، يضاف إلى ذلك تفشّي جائحة كورونا وما رافقها من تدابير الإقفال العامّ.

هذه العوامل مجتمعة وضعت القطاعات الإنتاجيّة أمام واقع مستجد، حيث كان من المفترض على الدّولة أن تتعاطى معه بمسؤوليّة وطنيّة،  وأن تعيد الاعتبار والأولويّة للقطاعات في مجالات الصّناعة والزّراعة والتّجارة والخدمات، وما يرتبط بها باعتبارها ركيزة الاقتصاد، قبل الوصول لمرحلة نشهد هروبها إلى الدّول العربية خصوصاً دول الخليج. فهل يصبح لبنان خالياَ من قطاعاته الإنتاجيّة؟

في هذا السياق، كشف عدد من رجال الأعمال اللّبنانيين لـ “أحوال” عن إقفال حوالى 30 فرعاً  لمطاعم لبنانية ذات الأسماء الكبرى، والتّوجه لفتحها في الخارج وتحديداً السعودية والامارات ومصر وسلطنة عمان،  جرّاء الأزمة الاقتصادية، إضافة إلى نقل مكاتب مئات الشّركات التّجارية والخدماتية اللّبنانية إلى دول الخليج لبدء عملها هناك، واصفين الواقع بالمؤسف.

هجرة القطاعات

رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصاديّة اللّبنانيّة الخليجيّة  إيلي رزق، يؤكد لـ “أحوال” أنّ الظّروف المعيشيّة الصّعبة، التي يمرّ بها المواطن اللّبناني نتيجة العقوبات الأميركيّة الماليّة والسّياسيّة والنّقديّة والمعنويّة، المفروضة على لبنان، وهروب الودائع المصرفيّة والرّساميل، جعلت من عمليّة الإنتاج في لبنان عمليّة صعبة ومعقّدة. إذ أنها باتت تخضع للعديد من التّحديات والمشاكل، إن كان لناحية صعوبة الحصول على العملات الصّعبة الضروريّة لعملية استيراد المواد الأوليّة، التي تحتاجها مختلف القطاعات الإنتاجيّة اللّبنانيّة، أو لناحية تثبيت سعر الصّرف على سقف محدّد ومعروف، ليتسنّى على القطاعات تحديد كلفة إنتاجها، وبالتّالي تثبيت سعر بيع منتجاتها أو خدماتها.

ويضيف، ناهيك عن ارتفاع كلفة الإنتاج من مازوت وكهرباء بحيث لم يعد مجدياً البيع بالأسواق اللّبنانيّة، وأصبح  يتحتم على الشّركة المنتجة التّركيز على التّصدير، إذا ما أرادت الصّمود والبقاء على قيد الحياة.

من هنا بدأنا نشهد توجه العديد من القطاعات، خصوصاً المطاعم نحو الأسواق العربيّة والخليجية، ليتبعها العديد من القطاعات الأخرى مثل شركات تقنيّة المعلومات، والخدمات، بحثاً عن أسواق مستقرّة وواعدة.

ويتوقع رزق أنه إذا ما استمرت الأوضاع على ما هي عليه، فإنّنا لن نشهد فقط هجرة للكفاءات والأدمغة اللّبنانيّة، بل سنشهد أيضا هجرة لكافة القطاعات الإنتاجيّة، والتي ستستفيد من الحوافز التي تقدّمها أو بدأت بتقديمها العديد من الدول العربيّة والخليجيّة، من إمكانيّة الحصول على ترخيص باستثمار أجنبي مئة في المئة، أم من ناحية الإعفاءات الضريبيّة والحوافز التشجيعيّة، التي بدأت بتقديمها العديد من المدن الصّناعيّة الخليجيّة، والتي بدأت تتنافس على جذب الاستثمارات الصّناعيّة والإنتاجيّة.

فرص واعدة

من جهته، يقول وزير الزّراعة في حكومة تصريف الأعمال عبّاس مرتضى: “من الطّبيعي أن تظهر نماذج عديدة لبعض الدّول، كي تقدم نفسها كفرصة بديلة للقطاعات الانتاجيّة اللّبنانية، التي فقدت البيئة الماليّة المستقرّة، فتقدّم لها التّحفيزات والتّسهيلات التي تفتقدها في بلدها الأم بهدف استقطابها”.

ويتابع، يمرّ لبنان اليوم بمرحلة حرجة، ما وضع القطاع الزّراعي أمام تحديّات بالجملة، لذا تسعى وزارة الزّراعة  من خلال الاستراتيجيّة المعتمدة، وبالتّعاون مع المنظّمات الدوليّة، إلى تأمين الدّعم للمزارعين من أجل الاستمرار وتطوير القطاع.

ويلفت وزير الرزراعة إلى أنّه في حال لم يتم الاتّفاق على تشكيل حكومة جديدة وقادرة على وضع خطّة جدّية لمعالجة الأزمتين الاقتصاديّة والماليّة، وإخراج لبنان من هذا المأزق، فإننا سنسير باتّجاه منزلق خطير، بعد أن أصبح القطاع الزّراعي مكلفاً، نظراً لارتفاع سعر صرف الدّولار، وباعتبار أنّ لبنان دولة غير منتجة للأسمدة ولا للأدوية الزّراعية ولا للبذور.

انهيار مرتقب في الصناعة

ولا يخفى على أحد أنّ القطاع الصّناعي متأثر بالأزمة الاقتصاديّة أيضاً، ما قد ينذر  بانهيار شامل في بنيته.

ويشير وزير الصّناعة في حكومة تصريف الأعمال عماد حبّ الله، لـ “أحوال”،  إلى أنّ القطاع يعاني من صعوبات جمّة تقف حائلا أمام تطوره، ما يؤثّر على  طموحات العاملين فيه، لا سيّما المستثمرين منهم الذين يخاطرون برؤوس أموالهم في مشاريع لا يمكن توقع نتائجها.

ويردف، الوضع المصرفيّ في لبنان يؤثّر بالدّرجة الأولى على القطاع، ما يضع الكفاءات والمؤسسات الصّناعية أمام خيارات التّوجه إلى الخارج في ظل غياب الحلول.

ويطالب حب الله باعادة الثّقة بالقطاع المصرفيّ، وزيادة  التّحفيزات والتّسهيلات للمصانع القائمة أو التي تنوي الاستثمار، لإبقائها في لبنان.

انعدام الثّقة

هذا ويرفع القيّمون على القطاع التّجاري صرخات متتالية لتحسين حال القطاع وإلا التّوجه إلى الخارج، بعد أن شلّت حركته، ما أوصل العديد من المؤسسات التّجارية إلى الإغلاق أوالإفلاس.

بدورها، توضح منسّقة السّياسات الاقتصاديّة في وزارة الاقتصاد والتّجارة ريان دندش، أنّ القطاع التّجاري في لبنان شهد تقلّبات حادّة في الفترة الأخيرة، ما أرهق العديد من المؤسسات التّجارية، ودفع قسماً كبيراً منها إلى الإنهيار، في حين رزحت بعضها تحت وطأة أعباء الاستدانة أو انخفاض هوامش الرّبح نتيجة ارتفاع الأكلاف.

وتعزو دندش أسباب تدهور القطاع إلى الظّروف الاقتصاديّة والماليّة، التي أدّت إلى انعدام الثّقة وانخفاض النمو الاقتصادي وتراجع الاستثمارات، وإلى اعتماد سياسات نقديّة وماليّة تقشّفيّة ومكلفة، حالت دون مواكبة ومساعدة القطاعات الإنتاجيّة على النّهوض.

وتضيف، إذا استمرت الظّروف على هذا الحال، من دون معالجة والتشاور في كيفية مواجهة المخاطر التي تهدّد القطاع التّجاري، فإننا متّجهون نحو منزلق خطير. لذا علينا وضع الخطط الاقتصاديّة الآيلة إلى تحسين بيئة الأعمال، والتي هي الأساس للارتقاء بالقطاعات الاقتصاديّة، وبالتالي تحفيز القطاع التّجاري.

البترول السّياحي “يتبخّر”

أمّا بالنّسبة للقطاع السّياحي، فيشكّل نموذجاّ حيّاّ لما تعانيه البلاد من تدهور، عجزت حتى السّاعة كلّ المحاولات عن لجمه.

ويؤكد  رئيس نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان طوني الرّامي صحة المعلومات المتناقلة حول إقفال حوالى 50% من المطاعم فروعاً لها في لبنان، وتوجهها الى دول عربية وخليجية.

ويقول، صحيح أن الاستسلام ممنوع، لكنّ القدرة على استمراريّة القطاع السّياحي في لبنان باتت شبه مستحيلة.

واقعيًا، أكثر من نصف المؤسّسات السّياحية أُقفلت في عام 2020، و 50% من العمال أصبحوا عاطلين عن العمل، خصوصاً بعد فترة الإقفال الأخيرة التي امتدت لشهرين ونصف، بحسب الرّامي.

ويضيف، تبقى قلّة قليلة من أصحاب المؤسّسات “المياومين” الذين يرغبون في فتح مؤسساتهم مجدداّ، إلّا أنّهم لن يستطيعوا بسبب الظروف الرّديئة، وبسبب تقاعس الدّولة عن تقديم حدّ أدنى من التّعويضات والتّحفيزات أو إقرار خطة إعفائيّة مقترحة، وتشريعات تحمي القطاع، أو اتخاذ إجراء إقتصادي واحد محقّ منذ بداية الأزمة الاقتصاديّة والجائحة حتى اليوم.

ويتابع، يشهد القطاع المطعمي اليوم هجرة جماعيّة للبترول السّياحي، أي العلامات التجارية والمستثمرين الذين برعوا في وضع لبنان على الخارطة السّياحية العالمية.

ناديا الحلاق

 

 

 

 

ناديا الحلاق

صحافية في صحف لبنانية عدة في أقسام السياسة الدولية والاقتصاد. كاتبة في مجلات عربية عدة ومواقع الكترونية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى