ماذا يعرقل عودة النازحين السوريين في لبنان؟
أصبحت سوريا اليوم آمنة لعودة النازحين إليها، وقد عبّرت عن ترحيبها بأبنائها من خلال منحها مراسيم عفو عديدة، كما أبدت استعدادها لمساعدتهم في تحقيق عودة كريمة لهم. ولكن على الرغم من مساعي السلطات السورية، لم نشهد بعد على عودة فعليّة للنازحين من حول العالم، باستثناء عودتهم من الدنمارك. ففي الأيام القليلة الماضية، أصبحت الدنمارك أوّل دولة أوروبية تجرّد اللاجئين السوريين من تصاريح إقامتهم؛ وطالبتهم بالعودة إلى وطنهم الأم، باعتبار أنّ إقامتهم كانت مؤقتة ولم تعد هناك حاجة لتأمين الحماية لهم.
لم يرتقِ المجتمع الدولي بعد لما ارتقت إليه الدانمارك؛ وتبرّر نداءات المنظمات الحقوقية تراجع الحماس الدولي لجهة عودة النازحين إلى ديارهم. إذ تعتبر المنظمات، ومن ضمنها منظمة العفو الدولية، قرار العودة بمثابة إهانة لقانون اللاجئين الذي يستوجب إبقاء اللاجئ في مأمن من الاضطهاد. ولكن هل هذا كل شيء ببساطة؟ وهل تدرك هذه المنظمات صعوبة الوضع في لبنان، وحجم المآسي والمعاناة المعيشية التي تضطهد حق النازح السوري في العيش الكريم؟
الواقع بالأرقام
لا يخفى على أحد، عجز الدولة اللبنانية عن تأمين مقوّمات العيش الضرورية لشعبها، فكيف لها أن تؤمّن ظروف حياتيّة أفضل لما يزيد عن المليون وستة مئة ألف نازح؟ فقد أدّت الأزمة العميقة في لبنان، إلى ارتفاع في أسعار السلع الغذائية بنسبة 174%، وقلّصت فرص الدخل الثابت. وعليه، تظهر دراسات مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، بأنّ 89% من النازحين السوريين في لبنان يعيشون تحت خط الفقر المدقع، و89% منهم يرغبون في العودة إلى أراضيهم. وأمام هكذا واقع مرير، ما الذي يؤخّر حقيقةً عودتهم إلى سوريا؟
غياب القرار الدولي
هنا، لا يمكن تجاهل الجهود اللبنانية – السورية، لتذليل كل العقبات التي تعترض عودة النازحين السوريين. وآخرها كان في مطلع هذا الأسبوع، خلال لقاء جمع بين وزير الشؤون الاجتماعية في حكومة تصريف الأعمال رمزي مشرفية والجهات السورية المعنية، حيث جرى البحث في التسهيلات التي تقدّمها دمشق لعودة مواطنيها.
وفي حديث لموقع “أحوال”، تشير مصادر مطلعة على زيارة الوزير مشرفية، على أنّ الوفد اللبناني قد لمس إيجابية قصوى لدى الجانب السوري الذي أبدى استعداده للتعاون من أجل تحقيق عودة آمنة. كما وأنّ لبنان يمضي في “خطّة عودة النازحين السوريين” التي أقرّت في تمّوز 2020. ولكن التأخير، يكمن في غياب النيّة لدى الدول الكبرى التي لا تجد لنفسها مصلحة في قرار العودة. والمطلوب اليوم اتخاذ قرارات دولية، وإقناع المجتمع الدولي في مساعدة اللاجئين على العودة إلى وطنهم، لأنّ العائق مادّي، بحسب ما تفيد المصادر.
العائق المادّي
عن تكلفة العودة، والتي تقف دائمًا كعائق أساسي في الملف، يوضح الخبير والباحث الاقتصادي جاسم عجاقة، بأنّ هذه التكلفة تشمل في الحدّ الأدنى تأمين السكن والمأكل والمشرب والطبابة للعائدين. وهذه التكلفة تقع على عاتق الجهة التي تتكفّل بمساعدة النازحين في لبنان، أي المفوضية العليا لشؤون اللاجئين السوريين. وبحسب الأعراف، إنّ التكاليف التي تتحمّلها المفوضية، ستكون لاحقًا بمثابة ديون على الحكومة السورية تسديدها. وبالتالي لدمشق مصلحة في استرجاع مواطنيها بأسرع وقت، لتخفّف الأعباء عن كاهلها. كما لا يغيب عن ذهن المسؤولين السوريين، ضرورة استثمار الطاقات والخبرات المحلّية بدل الأجنبية، كيد عاملة في عملية إعادة الإعمار مستقبلًا، ما سينعش الحركة الاقتصادية بشكل عام.
من الناحية الاقتصادية، يرى عجاقة، أنّ الظروف المتردّية التي يعيشها النازح السوري في لبنان هي نفسها التي قد يواجهها في سوريا. وذلك انطلاقًا من التجانس الحاصل في تدهور سعر صرف الليرة اللبنانية وسعر صرف الليرة السورية مقابل الدولار في السوق السوداء، وهذا التجانس ينسحب من النسب إلى سرعة التدهور الهائل. الأمر الذي يطرح إحتمال وجود اعتبارات دولية في التعامل مع الكيانين السوري واللبناني من منظار واحد.
أسئلة من دون أجوبة
وجهة نظر المرجع الاقتصادي، تفتح الباب على تساؤلات عديدة، ومنها؛ هل يرفض النظام إدخال العملة الخضراء إلى مصرفه المركزي، عن طريق المفوضية العليا لشؤون النازحين السوريين، نظرًا لطبيعة النظام السوري؟ أم أنّ المفوضية العليا لشؤون النازحين السوريين هي التي تتقاعس عن هذا الموضوع، تماشيًا مع العقوبات التي يفرضها قانون قيصر، ولتجنّب الاحتكاك مع الإدارة الأميركية؟ وطبعًا لن تلاقي هذه الأسئلة أجوبة صريحة من المعنيين.
العودة قرار فردي
تؤكّد المتحدثة بإسم المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ليزا أبو خالد، لموقع “أحوال”، على أنّ قرار العودة هو قرار فردي يتّخذه اللاجئون؛ لأنّهم أفضل من يقرّر متى يمكنهم العودة بأمان وكرامة، بما يناسب وضع أسرهم ومنازلهم في سوريا. وبناءً عليه، فالمفوضية تقوم بكامل واجباتها في مساعدة الراغبين على العودة. وتلفت أبو خالد، إلى أنّ المفوضية قد تحقّقت من عودة أكثر من 66000 لاجئ سوري. ولكن عدد العائدين يفوق فعليًّا الـ 66000، بسبب وجود عدد من اللاجئين الذين عادوا من دون المرور بالمفوضيّة. وبالتالي فالأمن العام اللبناني، بصفته الجهة الرسمية التي تتعامل مع إجراءات الدخول والخروج، هو المخوّل بتحديد عدد العائدين بشكل دقيق.
وفيما خصّ برنامج المساعدات النقدية للاجئين، تشير أبو خالد إلى زيادة المساعدات المالية لتصل إلى 400 ألف ليرة لبنانية للفرد في الشهر، لضمان التوافق مع برامج المساعدة الاجتماعية للفقراء اللبنانيين؛ وذلك بعد التشاور مع السلطات اللبنانية واستجابةً لتوصيات “خطّة لبنان للاستجابة للأزمة”، بسبب تزايد رقعة الفقر في البلد المضيف ومنعًا لحساسية النزاع.
ناريمان شلالا